• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : أبو بكر عاصم بن أبي النّجود بن بهدلة الاسدي (ت 127وقيل 128) .
                          • الكاتب : د . عمار عبد الرزاق الصغير .

أبو بكر عاصم بن أبي النّجود بن بهدلة الاسدي (ت 127وقيل 128)

 كان عاصماً مقدماً في زمانه، مشهوراً بالفصاحة، معروفاً بالإتقان. وكان الإمام الذي إنتهت إليه رياسة الإقراء بالكوفة واليه تسكن قلوب القراء في الامصار , وما ذلك الا من تمهره بهذا الفن وسبره اغوار دقائقه . فنال من لآلئه درر نضاد , ووفرت له من علومه حصيلة لا تضاد .
وقد مال اليه والى رايه من القراء الكثرة من القراء , ما جعلت نفوس المترددين تسكن اطمئنانا اليه .
وكان مضافا الى تحصيله وعلمه فهو ذا دين وتعلق بكتاب الله , وعلاقة متميزة مع المساجد , بما يوضح انعكاسات القران على سلوكه وأثره في تربيته .
الإمام الكبير مقرئ العصر ، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي واسم أبيه بهدلة ، وقيل : بهدلة أمه ، وليس بشيء ، بل هو أبوه ، مولده في إمرةمعاوية بن أبي سفيان . وقرأ القرآن على أبي عبد الرحمن السلمي ، وزر بن حبيش الأسدي ، وحدث عنهما ، وعن أبي وائل ، ومصعب بن سعد ، وطائفة من كبار التابعين ، وروى فيما قيل عن الحارث بن حسان البكري ، ورفاعة بن يثربي التميمي أو التيمي ، ولهما صحبة . وهو معدود في صغار التابعين . 
قال الذهبي حدثنا أبو بكر ، قال : كان عاصم إذا صلى ينتصب كأنه عود ، وكان يكون يوم الجمعة في المسجد إلى العصر ، وكان عابدا خيرا يصلي أبدا ، ربما أتى حاجة ، فإذا رأى مسجدا ، قال : مل بنا ، فإن حاجتنا لا تفوت ، ثم يدخل ، فيصلي  .
ولعاصم مآخذ قيمة من المصادر الروائية فقد ( أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي. قال أبو بكر بن عياش : قال لي عاصم : ما قرأني أحد حرفاً إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وكان ابو عبد الرحمن قد قرأ علي (رض) ( )
ولعاصم راويان : حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش ( ) ، رويا عنه القراءة بالمباشرة بلا واسطة ، غير أن حفص كان مقدماً بالإتقان ، ومفضلاً عن سائر أصحاب عاصم . وكان حفص أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم ( ) ،
قال الأندلسي الشاطبي في القصيدة الشاطبية ( ) :
وبالكوفة الغراء منهم ثلاثة          أذاعُوا فقد ضاعت شذى وقَر نْفُلا
فأما أبو بكر وعاصم اسمه           فشعبةُ روايِةِ المبرَّز أفـــْضلا
وذاك ابن عَيَّاشٍ ابو بكر الرضا           وحفص و بالإتقان كان مُفَضَّلا

قال الشارح:
الغرّاء يعني المشهورة البيضاء المنيرة بكثرة العلماء بها، منهم يعني من السبعة ثلاثة هم عاصم وحمزة والكسائي أذاعوا أي أفشوا العلم بها وشهروه ونشروه والضمير في ضاعت للكوفة أو للقراءة أي فاحت رائحة العلم بها والشذا كسر العود والقرنفل معروف
قال الذهبي : كان عاصم ثبتا في القراءة ، صدوقا في الحديث ، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، وقال الدارقطني : في حفظه شيء يعني : للحديث لا للحروف ، وما زال في كل وقت يكون العالم إماما في فن مقصرا في فنون . وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتا في القراءة ، واهيا في الحديث ، وكان الأعمش بخلافه كان ثبتا في الحديث ، لينا في الحروف ، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع ، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر . والله أعلم . 
أما وفاتهم فقد توفي شعبة بالكوفة 193 هـ ، ومولده (95) هـ ( ) وصادف وفاته في الشهر الذي توفي فيه هارون الرشيد ( ) ، أما حفص بن سليمان البزاز فتوفي سنة 180 ومولده سنة 90 هـ ( ) .
   قراءة متميزة ( عاصم برواية حفص )

انفرد عاصم بن أبي النّجود الكوفي ٭  بميزات عن سائر القراء ، لم يتحلى بها غيره . فقد عرف بالإتقان، وثراءه بالفصاحة والعربية . كما كان متميزاً في مآخذه للقراءة ، فقد أخذها عن أبي عبد الرحمن السُّلمي (القارئ المشهور) وأخذ السُّلمي ما أقراءه لعاصم من الإمام علي (ع) عن النبي عن جبرائيل عن الله عزَّ وجل.
أخرج ابن الجزري في حفص ربيب عاصم، أنه قرأ على الإمام عاصم مولاهم إمام الكوفة وقارئها، وقرأ عاصم على ابي عبد الرحمن السلمي، وقرأ السلمي كذلك على أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (رض) وأرضاه ، وقرأ علي كذلك على رسول الله ص ، وقرأ رسول الله كما أنزل الروح الأمين جبريل. وهذا إسناد لا مزيد على حسنه وعلوه وثقة رجال وفضلهم وتقدمهم في علم القراءة ( ) .
أنظر الى هذه السلسلة المتميزة ، والتي تثير فيك بواعث السكينة والاطمئنان بما تمثل من رجالات، فبدئها قاعدة الإسلام الإمام علي (ع) ، تلميذ الرسول الاكرم  (ص) ، وهذا النبي الأمين في تبليغ رسالة ربه ، وذلك جبريل المؤتمن في إيصال الرسالة للنبي (ص).
الى ذلك ولم تقف المسألة في المأخذ، بل ترقت الى إنحصاره وتفرده، وهو ما يزيد القراءة إطمئناناً وتوثيقاً في نقائها وصولاً وصدوراً .
فقد روي جماعة عن عمر بن الصباح عن حفص الغاضري عن عاصم ، عن أبي عبد الرحمن عن علي بالقراءة، وذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن السلمي في شيء من قراءته، وأن أبا عبد الرحمن لم يخالف علياً (رض) في شــيء من قراءته ( ) . وهذا ما يؤكد صحة قراءة ابي عبد الحمن وانحصارها في المأخذ من الامام علي (ع ) ويردّ ما يروى ان مآخذه من عثمان الخليفة حصراً .
ومزيداً على ذلك، فقد أجمع رجال الجرح والتعديل على وثاقة عاصم، وأنه المقدم في القراءة، وأنهم يأخذون القراءة عنه، وما ذلك إلا لثقة مآخذ عاصم، والثقة في أداءه، والاطمئنان من لسانه .
فقد أخرج الذهبي عن أحمد بن حنبل في تقييم عاصم قوله : (كان ثقة وأنا اختار قراءته ) ( ) .
وسئل أبو زرعة الرازي إمام الجرح والتعديل عن عاصم بن بهدلة : فقال ثقة ( ) .
وعن عبد الرحمن قال سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال : هو صالح ( ) .
وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن حماد بن أبي سلمان وعاصم، فقال: عاصم أحب إلينا عاصم صاحب قرآن وحماد صاحب فقه ( ) .
وفي الفصاحة والعربية وقراءته للقرآن ، كان المشار إليه بامتياز عن سائر القراء، إن الألفاظ المادحة له تميزت بتأكيد واطمئنان عن بقية القراء.
جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد .. قال أبو بكر بن عياش : لا أحصي ما سمعت ابا إسحاق السبيعي يقول : ما رأيت أحداً أقرأ للقرآن من عاصم ( ) .
وكذلك أخرج ابن مجاهد عن الحسن بن صالح قوله : ما رأيت أحداً كان أفصح من عاصم بن أبي النجود ( )
وعن منجاب بن الحارث، حدثنا شريك، قال : كان عاصم صاحب همز ومد وقراءة شديدة.
وعن أبي بكر بن عياش : كان عاصم نحوياً فصيحاً إذا تكلم.
وكذلك عن أبي بكر بن عياش : قال عاصم : من لم يحسن من العربية إلا وجهاً واحداً لم يحسن شيء ( ) .
وقد أوصلتنا هذه التوثيقات الى اطمئنان أن قراءة عاصم هي الأفصح والأتقن والأجود من بين سائر القراءات ، وهذا ما يجعلنا نورد كلام السيد الخوئي (قدس) في أن المصاحف المتداولة الآن وقديماً وهي من رسم قراءة عاصم ( وكل ما رأيناه من المصاحف القديمة والحديثة رسم خطَّهُ على طبق قراءته)
( )  وأما الطريق والرواية التي وردت منها قراءة عاصم، فتميزت براويين هما : أبو بكر بن عياش، وحفص بن سليمان. إلا أن العلماء والمتخصصون قدموا رواية حفص بن سليمان لكون أكثر وأتقن وأفضل من أخذ من عاصم، وأنه كان ربيبه فلا شك أنه علمه الكثير ما لم يحضى به ابن عياش.
قال أبو شامة في تقديم حفص على ابن عياش : ومعنى قول الشاطبي : (وبالإتقان كان مفضلاً ) يضئ بإتقان حرف عاصم ( ) ، وذكر أن حفص البزار ٭  أصح قراءة من أبي بكر بن عياش .
وأكد هذا المعنى الزرقاني في ترجمة حفص كان ربيب عاصم تربى في حجره، وقرأ عليه وتعلم منه كما يتعلم الصبي من معلمه فلا جرم كان أدق إتقاناً من شعبة ( ) .
وأوضح السيد الخوئي أن طريق حفص من عاصم السلمي، وطريق شعبة من عاصم زر بن جيش.
قال حفص : قال لي عاصم : ما كان من القراءة التي أقرأتك بها هي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن عن علي (ع) ، وما كان من القراءة التي قرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود ( ) .

وهذا التفصيل يبين أن رواية حفص على مسار تلك السلسلة السندية المتميزة عن الوصي فالنبي فالوحي.
إما قراءة شعبة ابن العياش فتنتهي الى ابن مسعود ، قد أكدت كثير من الروايات أن قراءة ابن مسعود فيها الشواذ في كثير من مواضعها، وأنه كان يقرأ بالمترادف مثل ( الصوف والعهن ) وبالمعنى .
وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان.
وقال ابو هاشم الرفاعي : كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم .
وقال ابن المنادي : قرأ على عاصم مراراً ، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم، وكانت القراءة التي أخذها على عاصم ترتفع الى علي (رض) ( )  .

وما يجعلنا واثقين من دلالة المبحث ومطمئنين الى نتائجه ومراميه ؛ ان المصحف الموجود في أيدينا الآن هو من قراءة عاصم برواية حفص :  أنَّ في القاهرة عام 1342 – 1923 تشكلت لجنة عليا من مشيخة الأزهر مستعينة بكبار العلماء بإقرار من الملك فؤاد الأول ، كان قوامها كل من : شيخ المقارئ المصرية محمد خلف الحسيني، والاستاذ حنفي ناصف العالم اللغوي ، ومصطفى عناني وأحمد الإسكندري. وقد اضطلعت هذ اللجنة بمهمة ضبط المصحف ورسمه وشكله، فكتب القرآن - بإقرارها - موافقاً للرسم العثماني، وعلى قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي، برواية حفص بن سليمان الكوفي. ثم طبعته طبعة أنيقة .. وكان ذلك أساس انتشار طبعات القرآن الأخرى  ( )
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=58102
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13