• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الجلوس في الحمّام .
                          • الكاتب : فؤاد لاشين .

الجلوس في الحمّام


كانت لي صداقه عمل مع أحد الانجليز،اسمه طوني هاو، رمادي الشعر، نحيل الوجه طويله، طويل القامه،أحمر الوجه، كان يبلغ من العمر ثمان و خمسين عاما، و كنت في الثامنه و العشرين، و كان فيلسوفا كبيرا، و كانت من عادات الانجليز أنه في وقت الغذاء، يفتح احدهم قضيه، ويظل الجميع يناقشها،و يدلو كل واحد برأيه، و تدخل الفلسفه في الموضوع، ليست الفلسفه في حد ذاتها و لكن تناول المواضيع المختلفه يكون  بالفلسفه، كثيرا ما كان الحوار ممتع جدا في النهايه،و كان هذا الرجل يعاني من الاكتئاب، و هو يتعاطي دائما أقراصا مضاده للاكتئاب، و كان له حكمه في الحياه، أنه لا يخشي احدا علي الاطلاق، ربما هذا من سمات كل الشعب الانجليزي، الذي يعشق القياده،و كان هذا الرجل دائم القول انه ان خفت من شخص ما، فتخيله و هو جالسا صباحا في دوره المياه، تنبعث منه أقذر الروائح، و اقذذ الاصوات!و كان ينصح هذه النصيحه لكل من يذهب الي مقابله عمل!فالشعب الانجليزي لا يزال له من الحكمه و الفلسفه الكثير و الكثير،و اتذكر جيمس، انجليزي من ويلز، بلكنته الشهيره،و كرشه الضخم المتدلي أمامه كامرأه علي وشك الولاده و كان لا يتعدي الثانيه و العشرين من العمر، و كان قد تخرج توا من احدي الجامعات، الغير معترف بها داخل المملكه المتحده! و كان جهولا عظيم الجهل، و لكنه كان يمتلك ثقه بالغه بالنفس، فكان يدخل أي حوار و يخرج ظافرا،وهنا تتحقق متعه الانجليز الحقيقيه، و هي الظفر بالحوار، و أن يقنع بكلامه الجميع..
العالم لا يعرف البلّاص، ولا مشنّه الخبز، و لا الكرات،اتذكر أحد الأطباء الذي حصل علي الدكتوراه، و أخذ جهدا كبيرا في معرفه طريقه التخاطب مع شعوب العالم، ان الطبيعه القرويه يغلب عليها البلاده،و تجد مهندسا كبيرا في السن و الوضع و لا يستطيع الصمود و لو دقائق امام مهندس أجنبي في عمر اولاده! انها الثقه المتزعزعه، التي يشربها الانسان في مصر منذ اول لحظه يتعلم فيها الخوف، الخوف من الكبريت، و الكهرباء، و البلكونه، المعلّم، و المدرسه والتعذيب،و الخوف من نفسه الوسواسه!أتذكر أحد أشهر المطربين المصريين، حينما اخذ جائزه عالميه في الغناء، وقف كالبجم، لا يستطيع التحدث كأنه تمثال من الحجر، ربما لأنه جهولا،و لكن الصراع في الحياه يكون مثل منتخيات الكره، الاحتكاك الخارجي يصنع بعض الخبره،فعمليه الخروج من بلاده المحليه، و الحصول علي انسان قادر علي التخاطب فقط عالميا، تحتاج الي ركله عنيفه في مؤخره الشعب،أو كما تسمي شلّوتا، أو لسعه من الكف علي القفا كلما حاد الشعب، و التفت يمينا أو يسارا، و هو نوع من عدم الثقه المتأصّل..
و الحقيقه،فنحن شعب بحاجه الي اعاده تاهيل نفسي حتي نصبح من الأسوياء،نحن بحاجه الي ربايه من جديد و لكن ليست علي طريقه العصا، ولأن الطماطم الفاسده تفسد السليمه دائما،فلو أنك سليم الطويه و السريره،قد تسمع نداء بأن تنزل الي الشارع و تتعلم، ان الشارع أكبر معلّم،و لكن تعليم الشوارع لن يخلق نهضه لأمّه، الحقيقه التي أميل اليها اننا جميعا معاقين، ذهنيا و بدنيا، و نفسيا، و اجتماعيا و سياسيا، و اقتصاديا، و زراعيا وصناعيا و في كل المجالات و لله الحمد علي كل شئ.
أنهاعمليه تحول، من سوق شعبي، يباع به السمك و اللحم و الدجاج و الخضروات، وسط ازدحام شديد، و ألفاظ نابيه، ونظره من الجزّار،والتي قد تجعل قلبك يهوي الي ركبتيك، خاصه حين يتحدث معك و السكّين بيده! و أرض موحله بالطين الذي يلتصق بالأحذيه، و رائحه تزكم الأنوف، الي أحد الفنادق ذات السبعه نجوم،وسط العنايه الشديده بالنظافه،و الهدوء التام الذي يخيّم علي المكان،و الأرض البرّاقه المعطّره،و الألفاظ المنتقاه انتقاء خبير المجوهرات لبعض فصوص اللؤلؤ!
أتذكر مره، في أحد الدول الأوروبيه، جلست مع صديق مصري، في احد المطاعم، و طلبنا غذاءا،و جاء الغذاء، شريحه من الدجاح المخلي، المشوي علي الجريل،و في نفس الطبق، ملعقتان من البطاطس البوريه، و شريحتان عرضيتان من الجزر،و قطعه من الزبد تزيّن البطاطس البوريه مع ورقه من البقدونس، أما المائده، فكان بها كالعاده ملح و فلفل،و زجاجه من صوص الماسترد، و أخري من الكاتشب، و ثالثه من زيت الصويا و الأخيره من زيت الزيتون،و علي الطاوله، كان يوجد مناديل ورقيه، قد تفننوا في وضعها بطريقه تشبه المروحه،و نظر الي صديقي قائلا"كم أشتاق لأكله من محل كبابجي بالسيده زينب،طاوله و كأنها ممسوحه بليّه خروف، من الدهون المتراكمه عليها،و كوبا من مياه الطورشي، و أرغفه من الخبز البلدي الذي تظل نصف ساعه، تحكّها ببعضها حكا، كي تتساقط الردّه العالقه به،و حينما تدخل دوره المياه، تجد قطعه صغيره من الصابون، بقي عليها بلّه ماء و تختفي نهائيا،بالاضافه الي لونها الأسود،و بعض الخطوط البيضاء من لونها الأصلي و التي مازالت باقيه علي الجوانب!"
ان التجربه مهما بلغت من مساوئ فهي مفيده في النهايه،و الغايه هي الثقه،و عدم الخوف، و القدره علي الخوض، و الخروج من شرنقه السوق الشعبي و محل الكبابجي،و ان تكون مقاتلا، و لست تابعا،و تكون محددا قاطعا و لست مائعا،حتي في صغائر الكلام لا بد أن تكون محددا،و انه كان كما قال طوني هاو صديق العمل الانجليزي، تخيل الشخص جالس في الحمام،اذن، فليجلس الجميع في الحمام!بل يمكننا اعتبار أن العالم كله حماما كبيرا يغطاط فيه الجميع!
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57867
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15