إن العنف كظاهرة هو منتشر وبشكل كبير في المجتمعات المحيطة بنا، والعنف ليس بالشيء الجديد فمنذ بدأ التاريخ الإنساني والعنف يتكرر من خلال صور متعددة ومتكررة. والعنف عند البشر تجاه بعضهم البعض يعود منشأه إلى الشعور بالنقص لقلة الأمكانيات المادية والإجتماعية مما يؤثر على البعض سلبياً، ويبدأ بمقارنة نفسه بالآخرين لكي يلفت النظر ويدفعه حب الظهور لارتكاب العنف ليثبت أن لديه أمكانيات أو ليسلب ما يمتلكه الآخرون.
ولكن ما هو الدافع أو المحرك في النفس البشرية لكي يرتكب الإنسان عمل فيه سفك للدماء وإيذاء للآخرين، مع أن الله عز وجل خلق الإنسان وأراد منه إعمار الأرض لا أن يعيث فيها فساداً. هل هو صحيح أن النقص الذي فيه هو الذي حفزه إلى ارتكاب الجرائم. أم هناك شيء آخر أو أمور آخرى هي المحرك الأساسي داخل النفس البشرية.
وكما هو معلوم أن الإنسان هو مخلوق من جزئين لا يسمى الإنسان إنساناً إلا إذا كان هذان الجزئين متوفران. الجسد هو المادة، والروح التي هي العنصر المحرك للإنسان، وقد جعل الله تعالى لهذا الإنسان ضابطاً وهو العقل والذي يعقل فيه الأمور وما هو من حوله؟!
من هنا، فإن الإنسان المخلوق من جزء مادي ينزع به نحو الماديات لكي يمتلك الحد الأقصى من السعادات التي يظنها هي خيراً لهذا المكون ما تحرك في نفسه أن يتطلع إلى ما هو ليس عنده، فإن وجد أن الآخرين سعاداء بما عندهم، فتحدثه نفسه أنك محروم من هذه السعادات ويجب عليك الحصول عليها ويظن أن الطريقة الأسهل لذلك هي أن يتخلص من هذا العائق ألا وهو الآخر الذي يتنعم بها.
وقد قال البعض تفسيراً لهذا بأن: "صراع بين ذاك المقدَّس والحرام المنتمي إلى بيئة الطين والتراب الأرضيّة"(1). وهناك مؤيدات لذلك عبر عنها الشارع المقدس من خلال جملة من الروايات منها ما ورد على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام):
1 ـ "الإنسان أخذ العقل من الملائكة، والشهوة من الحيوان. فإذا غلب عقله على شهوته أصبح أعلى مرتبة من الملائكة، وإذا غلبت شهوته على عقله أصبح اردء من الحيوان"(2).
2 ـ "إن الله ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كليهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم"(3).
3 ـ "العقل والشهوة ضدان ومؤيد العقل العلم، ومزين الشهوة الهوى، والنفس متنازعة بينهما فايهما قهر كانت في جانبه"(4).
وفي نظرة متأملة لهذه الروايات الشريفة، يظهر لنا أن الضابط وهو العقل إذا لم يتحرر من الشهوة التي هي مصدرها الجسد المادي قام بفظائع لا تقوم بها الوحوش في حق بعضها البعض، وإذا غلب هذا الضابط أي العقل على الشهوة فهو خير من الملائكة ولأن الملائكة مسيرة وإنما الإنسان هو مختار.
فالعنف، منشأه النفس البشرية المتعلقة بالماديات والتي تريد أن تثبت أفضليتها على الآخرين من خلال سفك الدماء. وقد حاول بعض من علماء النفس أمثال "فروم" إلى أن يدعوا بأن:"البشر لم يخلقوا للحضارة"، وهذا تعبير بعيد كل البعد عن حكمة الخلق، فإن الله عز وجل قد أراد من الإنسان أعمار الأرض وتكوين الحضارات. ولذلك منح الأنسان هذه المنحة ألا وهي العقل البشري.
ونصل إلى نتيجة ومفادها هو أن فقدان العقل مع عامل الأندفاع والتسرع سبباً في هذا العنف إضافة إلى التهور وعدم ضبط الأعصاب والشهوات.
وعلاج ظاهرة العنف، يحتاج من الجميع إلى الوسائل التي تجعلنا نعود إلى الإرشادات الدينية التي تحثنا على نبذ العنف وتحطيم العقل وتربية الناشئة بعيداً عن مظاهر الإقصاء التي يتبعها البعض وبأسم الدين للأسف.
وبهذه الطريقة فإن اتباع أرشادات الشارع المقدس من النبع الصافي الذي لم يعكر صفوه أي تشوهات ألا وهو حبل الله النازل إلينا، وهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة.
____________________
(1): الشيخ شفيق جرادي، ظاهرة العنف: المفهوم والملابسات التاريخيّة، مقالة منشورة على مدونته الخاصة.
(2): كتاب الوسائل، للحر العاملي، باب جهاد النفس، الحديث رقم2، الرواية صحيحة.
(3): المصدر السابق.
(4): غرر الحكم ودرر الكلم. للإمام أميرالمؤمنين عليه السلام.
|