بعض من الناس يظن الظنون بأهل العلم من علماء ومحققين وقد يتَهِمَهُم بانهم سيُخالفون المسار الشيعي حينما يراهم يخوضون في مجال التنقيح والتصحيح والبحث في علم الجرح والتعديل ( علم الرجال).
حقيقةً أنَ ما قام به مجموعة من العلماء والمحققين ليس فيه مخالفة إلا مُخالفة العادة والتراكم عبر الزمن الذي ليس له أصل ولا دليل. وهذه مخالفة شرعية وليست سلبية ولابد منها لنفض الغبار المتراكم عبر الأزمنة. وأي مثقف شيعي اعتمد التحقيق والاستدلال في اعتقاداته ومؤلفاته، لابد أن يكون الدليل وشروطهِ مستوفاة في منهاجه ومقولاته أو أطروحاته في العقيدة والفقه والأصول وكذلك لابد من توفرها في عباداته اليومية والشهرية أو السنوية وهذه الأفعال التصحيحية يمكن لنا أن نصفها أنها من صميم الحرية الشخصية والديمقراطية المدنية وحرية التفكير والاعتقاد التي يحتاجها كل فرد أو مفكر أراد أن يصعد سُلم العلم والمعرفة وكذلك يمكن اعتمادها على انها أساس البناء الديني والمعرفي، فصحة الدليل والمعلومة المستنبطة من القول القرآني والسنة النبوية المطهرة دليل على صحة المنهج، وآلته في التحري والدقة في نقل مسلمات الدين.
وحين قامَ العلماء بتحقيق بعض الاعتقادات وبعض القصص المروية عن رجال غير ثقابة تكالبت عليهم الشتائم والاتهامات الفارغة لأجل صدهم عن مشروعهم التنويري . وكثيراً ما دعوت أنا لهذا أي (التحقيق والتصحيح) من خلال الحوارات واللقاءات مع بعض الأخوة من الجاليات وتجمعات المجتمع المدني أو مواقع التواصل الاجتماعي، ولاحظتُ أن الأغلبية الكبرى مهتمة لهذا العمل التنويري، لكن القلة القليلة ممن لديهم ( الدعم الخارجي وقاعدة الجهلة والعوام ) التي يتكؤون عليها بدفعهم الى التصدي لكل حركة تنويرية باستخدام شتى السبل الوضيعة للنيل من أصحابها.
لكن من يضع على عاتقه هم الدعوة لدين الله عز وجل ونهج محمد وآلة، المبني على الفهم لا الخرافة والمتمثلة بالآية الكريمة ( فاعلم أنه لا اله إلا الله ) عليه أن يتخلى عن المصالح الدنيوية ولا يخاف في الله لومته لائم ، فالعلم سلاح المؤمن ونجاته يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم، ومن يروج للخرافات والخزعبلات أما يطمع في مال أو سلطة دنيوية ووجاهة مرموقة بين الناس .
إنَّ اللذين أخذوا على عاتقهم فتح أبواب التنقيح والتصحيح منطلقين من القاعدة الاصولية التي دائماً ما استوقفتني وبهرتني حين اقف امامها وهي تقول ( لا اجتهاد مع ورود النص ) أخذوا بها وجعلوها ميزان للعدل العلمي ولأنهم ادرى بحقيقتها وقيمتها التي لا تعد ولا تحصى ،
فهم أهل العلم والدراية ليس غيرهم ، فلو لم يَقوم أهل العلم بدورهم فمن برأيك بعدهم سيُمسِك منابر المسلمين ومكاتباتِهم غير المرتزقه والمدسوسين والجهلة من سفهاء الناس .
إذن من يعمل في هذا الباب أي باب الجرح والتعديل والتنقيح للتراث الشيعي هم من اهل الامانة واهل الورع والتقوى و ليس من أهل الانفصال والتغير ولا هم من أهل الطعن في المذهب أو من المُسيئين لمسار التشيع الصحيح ولا هم داعين الى مسار آخر ولا منحرفين عن الدين الاسلامي.
فهؤلاء العلماء الاجلاء الفضلاء هم من أهل الوفاء ومن أهل التقوى والورع للمذهب وأهله حين يقفون كحُراس أمناء، منهم من يمسك بسلاحه وهو القلم ليتصدر الى كل نائبة ودسيسة تحاول تغيير سمة الدين الحنيف وتشويه مسار المذهب وشفافيته وحيويته .
ومقدمتي هذه إشارة لما يقوم به هذه الأيام السيد كمال الحيدري في تنقيح التراث الشيعي وهذا شيء مطلوب ورائع ، وقد فصّلَ أموراً كثيرة ومازال السجال بينه وبين الأستاذ احمد الكاتب حول الاتفاق على نقطة جوهرية واحدة حول الغيبة المهدوية مخالفين في ذلك للأغلبية الشيعية في هذا الباب (عصر الغيبة)
وقد حدث مثل هكذا أحوال حين خالف السيد الخميني مراجع كثر في ولاية الفقيِه فكان الامر لبعضهم كصدمة لايمكن استيعابها، حتى وصلَ بالبعض الى تكفيره على القول بولاية الفقيِه لكن سرعان ما تبخر الخلاف بعد سنين، فقد تكون الفكرة في البداية غريبة على الناس وقد تضر بمصالح البعض ويتعرض صاحبها الى إتهام ومضايقات ولكن بمرور الزمن تصبح عند الناس من المسلمات. |