اعتقلت السلطات البعثية الحاج بريهي محرز ابو الخرز , واودعوه السجن من غير تهمة تذكر , فقد كان الحاج بريهي رجلا طاعن في السن , اشتعل شعر رأسه شيبا ووقارا , متوسط القامة , ذو بطن واسع ووجه عريض , وكان بسيطا و فقيرا ومتواضع , كريم النفس , معروفا بشهامته وغيرته , يسكن في بيت مبني من الطين , في ريف مدينة الناصرية .
تناقله البعثيون من سجن الى سجن , ومن تحقيق الى تحقيق , ومن تعذيب الى تعذيب , حتى تهالك جسده , فأكتسب جسده الكثير من الكدمات والخدوش على كبر سنه , وفي اخر تحقيق معه :
المحقق : بريهي .... راح اوقف التحقيق وياك ... بس تبقى بالسجن ... لمن يرجع اولادك صابر ومحمود وزوجتك تسواهن .
بريهي : وانه شلون ارجعهم للوطن
المحقق: هاي مشكلتك
نقلوا بريهي الى سجنه الاخير , واودعوه في زنزانة صغيرة , فوجد شيخين كبيرين في السن فيها , القى عليهم التحية , فردوا بترحاب , فجلس بتثاقل على الارض , وبدأ بفرك زنديه , فقد طبعت الحبال خطوطا متعرجة على جلده , التقط انفاسه وبادرهما القول :
بريهي : خادمكم بريهي ابو الخرز من الناصرية
اجابه الاول : اخوك ابيدي ابو التتن من العمارة
وقال الثاني : خادمك شلواح ابو الكواني من السماوه .
بريهي : اشكد صار الكم هنا .
ابيدي : يمكن سنتين
شلواح : يمكن سنة
واستغرق المسنين الثلاث بالحديث , كل منهم يشرح معاناته للاخر , تبادل اطراف الحديث السلوى الوحيدة لديهم , وهكذا مرت الليالي والايام , حتى جاء ما لا يحمد عقباه .
ففي صباح يوم الخميس , جاءت الاوامر بأعدام المسنين الثلاث , شنقا حتى الموت , من غير رحمة ولا رأفة , من غير اكتراث لسنهم وشيباتهم , استلم الاوامر بالاعدام النقيب مهند , النقيب مهند رجل طيب القلب , احترق قلبه على هؤلاء المسنين عاثري الحظ , فقرر ان يخفي الامر عن سلطات السجن , وتوجه من فوره الى الزنزانة , فتح الباب , ودخل عليهم , رمقهم برهة من الوقت , لم ينبس ببنت شفة , اعتصر قلبه لما يرى امامه , ثم خرج وعاد مسرعا الى مكتبه , جلس على كرسيه , دفن وجهه بكفيه , يتأفف و يتأوى , هل يسلم الامر بالاعدام فيعدموا ؟ , ام يساعدهم على الهرب ؟ , هكذا اخذت منه الوساوس كل مأخذ , واخيرا اتخذ القرار الشجاع , وقرر مساعدتهم على الهرب , فأرسل الشرطي لاحضار بريهي , طرق الباب , فدخل بريهي والشرطي , طلب النقيب من الشرطي الانصراف , اومأ الى بريهي بالجلوس .
النقيب : بريهي ... اذا طلعت من السجن ... وين تروح ؟
بريهي : والله مدري .. استاد .. انت تدري اولادي ومرتي راحو للنرويج وبيتي فلشته الحكومة .. بعد وين اروح .
النقيب: يعني تريد تبقى بالسجن ؟
بريهي : جني اتعودت عله السجن وعله الشياب ابيدي وشلواح
النقيب : بريهي ... لازم تطلعون منا وبسرعة
بريهي : شلون استاد ....
النقيب : هذا امر اعدامك انت وابيدي وشلواح .
صعق بريهي , واصفر لونه , و وجم بلا حراك , حتى ان عيناه لم ترمش , وحلّ الصمت , الا ان بادر النقيب , قاطعا الصمت :
- اعرف الموضوع صعب .... بس مو محل صفنه .
فقبض بريهي بكفه على لحيته , وبدأ يندب حظه العاثر , ويتحسر على عمره الطويل الذي امضاه بالفقر و العوز والحرمان , ويتأمل كيف سينتهي به المطاف ؟ , انهمر الدمع من كلتا عيناه , مخضبا شيبته البيضاء , واصدر صوت نشيجا مرا , مرا , يجر لحيته ويبكي .
النقيب : مو وكته ... شوف اني راح اطلعكم ... بس لازم اطلعون خارج العراق
تمالك بريهي نفسه قليلا , محاولا كبت بكائه , واجاب بصوت مختنق بالعبرات :
- اروح للكويت
- تعرف احد هناك
- أي ...... اعرف حجي لهمود ابو التنك
- يالله بالعجل روح خبر ربعك .... واني راح ادخل سيارتي ... واسويلكم مكان بيها
عاد بريهي للزنزانه , واخبر زميليه , فعلى صوت النحيب والبكاء , سائلين المولى عز وجل الخلاص , اما النقيب فطلب من احد الشرطة ادخال السيارة وايقافها قريبا من مكان الزنزانة , بغية غسل السيارة من حنفيات السجن , وافرغ الشرطي محتويات الجنطة الخلفية , وتركها مفتوحة , طلب النقيب من الشرطي احضار مواد التنظيف في مكتبه , اسرع الشرطي لاحضاره , فهرول النقيب الى الزنزانة , وفتح الباب , وجدت المسنين الثلاث يولولون , طلب منهم الاسراع بالخروج , وادخلهم بالجنطة , وطلب منهم عدم اصدار أي صوت , وتحمل ضيق الجنطة , اقفلها عليهم , وادار المحرك , توجه الى بوابة السجن الكبيرة , فتحت البوابة , وانطلقت السيارة بسرعة كبيرة , وبعد مسير ساعة , توقف النقيب مقابل باب بيته , ترجل من السيارة , فتح باب المنزل , صعد السيارة مرة اخرى وادخلها للبيت , ترجل مرة اخرى , اسرع نحو اغلاق باب المنزل , وفتح الجنطة , وطلب من المسنين الخروج .
طلب النقيب من زوجته ان تسرع بحمل كل ما خف وزنه وغلى ثمنه بسرعة , و اختفى داخل البيت , وبعد عدة دقائق عاد ومعه ثلاث اثواب جديدة , طلب منهم تغيير ملابسهم بسرعة , واعطى لبريهي بعض المال , وقال له :
- بريهي ... منا ترحون للكراج الموحد ... وتركبون للبصرة ... ومناك دبر حالك وروح للكويت .
- وانته استاد
- اني راح اهج لسوريا ... بس بريهي
- كول استاد
- بالكراج هواي انضباطيه ... وسيطرات هواي من بغداد للبصرة ... شلون راح ادبروها
- الله يدبرها .... نسوي ارواحنا مجاديه .... لو مخابيل .
- عفيه بريهي ... حتى محد يشك بيكم .... يالله ... روحو كبل لا الشرطة ادور علينا .
- في امان الله استاد
**************************
ترجل بريهي اولا من سيارة الاجرة , وتلاه ابيدي ومن بعده شلواح ,توجهوا الى بوابة الكراج الموحد , لكن ابيدي طلب منهم التريث فقال :
ابيدي : خلونه ناكل لكمه .... ونشرب عصير .
شلواح : أي والله من زمان ما ماكل لفة فلافل
بريهي : والله انه مشتاك للجاي
جلسوا في المطعم , فأكلوا وشربوا , حتى امتلئت بطونهم , طلب بريهي من شلواح , ان يذهب للبوابة , ويستكشف اوضاع التفتيش , ويحاول قدر المستطاع البحث عن نقاط ضعف , يمكنهم الولوج من خلالها , اقترب شلواح من البوابة , تظاهر بأنه يتفحص بضاعة احد الباعة المتجولين , ويختلس النظر لرجال الشرطة , ادار النظر هنا وهناك , فلم يجد مكان امن للدخول , قرر العودة للمطعم , واخبر بريهي وابيدي بعدد الشرطة , وانهم يفتشون كل من يدخل الكراج , ولا يستثنون احدا , ولا توجد أي نقاط ضعف , استغرق بريهي بالتفكير , فلابد من حيلة , لا تجذب الانتباه , واخيرا ابتسم بريهي , والتفت نحو صديقيه .
بريهي : لكيتها ...
ابيدي وشلواح : اشلون
بريهي : نمشي على رسلنه ... واذا وصلنا يم الشرطة نظل نهوس مثل المخابيل .
ابيدي : خوش حجايه
شلواح : وشنو الكفله
نهضوا جميعا , دفع ابيدي الحساب , توجه نحو البوابة , اقتربوا من الشرطة , رفع بريهي يده اليمنى في الهواء , ووضع يده اليسرى على خاصرته , وامال جسمه الى الامام والوراء , ضاربا الارض برجله اليمنى تارة وباليسرى تارة اخرى , وهو يقول ويهزج :
((( بريهي وابيدي سوى شلواح طاير بالهوى )))
وبادر ابيدي مرددا وشلواح يقفز في الهواء , وساروا ببطئ , جذبوا انظار الشرطة والمارة , فرمقهم ضابط الشرطة قائلا لهم :
- يمال السويده التسودنكم
فدخل الشياب الثلاث بدون تفتيش , وهرولوا نحوا شخص يصيح :
- بصره .... بصره
ركبوا في الباص (ريم) , جلس بريهي وابيدي في مكان , اما شلواح اتخذ لنفسه مقعدا خلفهم , بادر ابيدي القول
ابيدي : خلصنه منهم ... اشو انه عطشان ... خلي اروح اشرب عصير
شلواح : جا ما كفاك الجرعته بالمطعم
ابيدي : بعد بيه عطشه
بريهي : جا روح ولا تتأخر
ابيدي : بس اشرب اتلث كلاصات وجاي بسرعه
نزل ابيدي من الباص , توجه لبائع العصير , بائع العصير كان قريبا من نقطة التفتيش الرئيسية في الكراج , شرب الكأس الاول , وينظر الى شباك النقطة , تناول الكأس الثاني , فسمع صوت صفارات دوريات الشرطة , ركنت احداها قريبا منه , ترجل منها ضابط كبير , ودخل النقطة , تنصت ابيدي لكلام الضابط مع مسؤول النقطة .
الضابط : مطلوب البحث عن ثلاث شياب ... اساميهم بريهي وابيدي وشلواح
ضابط النقطة : حاضر سيدي .
غادرت الدورية , كتب ضابط النقطة شيئا على ورقة بيضاء , وسلمها الى الشرطي الذي هرول بأتجاه بوابة الكراج , وسلمها لضابط البوابة , تمعن النظر فيها وقال :
- بريهي وابيدي وشلواح ... جني سامع بيهم ... بس لا ...
طلب من الشرطة بجواره البحث عن المسنين داخل الكراج .
اكمل ابيدي كأسه الثالث , وهرول مسرعا نحو الباص , لينذر زميليه , فتعثر بحقيبة احد المسافرين , فوقع على الارض , اسرع بعض المسافرين لنجدته , فقال له صاحب الحقيبة
- سلامات حجي
ابيدي : هاي حوبت الجلاب .
المسافر : يا جلاب حجي ... الحمدلله عالسلامة .
ابيدي : كبل جنت اركض وره الجلاب .... واليوم الجلاب تركض وراي .
المسافر : وين اكو جلاب يا حجي .
ساعد المسافرون ابيدي على الوقوف ثانية , واسرع بدوره مهرولا الى السيارة , فصعد في الباص , وهو يلهث , وقع على بريهي , الذي امتقع لون وجهه , واسرع اليه شلواح , بادر شلواح
شلواح : هاي اشبيك ... ابيدي
ابيدي لا يزال يلهث , ويلتفت حوله , ويمعن النظر في المسافرين , الذين انبهروا لما رأوه على حالته , فلابد من ان يجيب بجواب مبهم
ابيدي : الجلاب .. اجيت ورانه
بريهي : شلون ؟
شلواح : انه اخــــــــوك
ابيدي : وجماله يعرفون اسامينه
شلواح : انه اخــــــــــــوك
بريهي : لازم نتفرق ... شلواح انته اكعد هناك بالاخير .... وانته ابيدي اكعد بالجدام ... وانه ابقى هنا .
انتشر رجال الشرطة في كل مكان , يفتشون في السيارات والباصات , والمسقفات والمطاعم , يتفحصون وجوه المسافرين فردا فردا , فصعد شرطي الى الباص , متفحصا الوجوه , تظاهر ابيدي بأصلاح نعليه, اما بريهي فتظاهر بالنوم العميق , مغطيا وجهه بالليشماغ , اما شلواح فتظاهر بلف سكائره , ادار الشرطي رأسه هنا وهناك , فلم يجد ما يريد , فنزل من الباص , كاد الباص يمتلئ , فصاح السائق :
- نفر بصره .... نفر بصره .
فتنهد شلواح :
- هاي الناس اشكثرها ... ما بيهم واحد لوحده يروح للبصره ... وين صار هالواحد .
واخيرا وبعد طول انتظار , جاء الواحد , وتنفس المسنون الثلاثة الصعداء , فتحرك الباص , متوجها نحو بوابة الخروج , توقف مقابل البوابة , منتظرا الاذن بالخروج , لكن هذه المرة ليست كالمرات الاعتيادية , طلب ضابط البوابة من السائق فتح الباب , فتح الباب , صعد الضابط , ليجري اخر تفتيش , تنقل من كرسي الى كرسي , متفحصا الجوه , ابيدي تناول نعليه وتظاهر بانه مشغول بأصلاحها , وبريهي فتظاهر بالنوم , تجاوز الضابط بريهي وتوجه نحو شلواح , شلواح حاول ان يتظاهر بأشعال سيجارته , لكنه فقد القادحة , فقال بصوت مسموع :
- انا اخو زناد وين راحت الجداحه .... انا اخو جداحه وين راح الزناد
سمع الضابط تلك الكلمات , فأدار انظاره لمن اصدرها , فأذا بشلواح يتفرق قلبه خوف ورعبا , ادخل الضابط يده في جيبه , واخرج قادحة , قدمها لشلواح , تراجفت يدا شلواح حين اخذها , فحاول اشعال سيجارته , فلم يفلح , فيداه لا زالت ترتجفان بشكل ملفت للنظر , حتى وقعت السيجارة من فمه , والضابط يحدق فيه , فأخرج الضابط من جيبه الاعلى علبة سجاير , وناول شلواح سيجاره , تناولها شلواح , وحشرها في فمه لكن بالمقلوب , ابتسم الضابط وقال :
- اقلبه
- هـــا ... أي ... مو انه ما ادخن ابو الباكيت .... احب اللف
رجع الضابط الى مقدة الباص , ولوح للسائق بالانطلاق , وترجل , انطلق الباص يطوي الشوارع طيا , يخرج من شارع ويدخل في شارع اخرى , انتهت اول مشلكة للمسنين الثلاث بسلام , لكن لا تزال هناك خمسة وعشرون نقطة تفتيش ( سيطرات ) بين بغداد والبصرة , الخطر لم ينته بعد , ولا بد من حيل جديدة , كي يتمكن المسنين من الوصول الى البصرة سالمين وغانمين .
وصل الباص الى نقطة تفتيش بغداد الرئيسية , توقف للتفتيش , فتح الباب , صعد احد رجال الشرطة , نهض بريهي من كرسيه , اتجه نحو الشرطي , قبل ان يبدأ تفحص الاوراق الرسميه للمسافرين .
بريهي : يا بعد عمك اريد احاجي ضابط السيطرة .
الشرطي : يالله .... بس مو تتأخر
نزل بريهي , تطارده انظار ابيدي وشلواح , دخل في بناية السيطرة , فألقى السلام على الضابط .
بريهي : استاد .. اريد ابلغ ... هويتي ضاعت بالكراج .
الضابط : صار ... راح اسويلك كتاب مفقود ... بس لا تهمله .. من توصل بالسلامه تبلغ اقرب مركز شرطه
بريهي: جا شلون ... استاد ... لازم ابلغ المركز .
الضابط : شسمك ؟
بريهي : اسمي راهي مدلول زماط
كتب الضابط على ورقة البلاغ , فوقع وختم عليها بختم النقطة , وناولها لبريهي , الذي اخذها وهو يبتسم ابتسامة عريضه , تملئ وجهه , فتشكر كثيرا من الضابط , وعاد للباص منتصرا, اما شرطي التفتيش , اقترب من ابيدي .
ابيدي : يا بعد عمك ... انه مواليدي ساقطة
الشرطي : انت كلك ساقط ... مو بس مواليدك .
ابيدي : مقبوله منك يا بعد عمي .
الشرطي : شنو زعلت
ابيدي : اكو واحد يزعل من الحكومة .
اجتاز الشرطي , واستمر في تفتيش هويات المسافرين , حتى انتهي به المطاف الى شلواح , الذي بدا مرتبكا وغير مستقر , المسافر الشاب الذي يجلس بالقرب من شلواح لاحظ ارتباك شلواح .
- اشبيك حجي ... خو ماكو شي .
- لا ماكو شي ... جا شكو
- اليشوفك يكول جنك مسويلك عمله
- لا لا لا عمله ولا كمله
- جا اشبيك تتراجف
وصل الشرطي الى شلواح , تظاهر شلواح بالنوم العميق , حاول ايقاظه , , ليطلب اوراقه , احتج المسافرين على الشرطي .
- يمعود .. رجال جبير ... تعبان ونايم ... عوفه الخاطر ظروفه
- لازم اشوف هويته
- هسه هويته شتسوي بيها ... خطيه يمعود ...اشو هو بكد جدك
اقتنع الشرطي بعد اصرار المسافرين , وبعد ان وضع احدهم ورقة نقدية في جيبه , فأستدار وهمّ بالنزول من الباص وهو يقول وهو يتفحص الورقة النقدية في جيبه :
- هسه كلش خطيه
وانطلق الباص من جديد , فطمأن المسافرون شلواح .
- حجي الشرطي راح ... انكلع
- رحم الله والديكم
- بس انته حجي شمسوي ؟
- انه مو شلواح ... ولا اعرف بريهي وابيدي ... ولا شارد من السجن
انفجر المسافرون بالضحك , فتعارف على المسافرين , وتبادل اطراف الحديث معهم , فقد كان شلواح يحفظ الكثير من الروايات القديمه الممتعة , فيسأله المسافرون , ويستغرد في سرد القصص المسلية والقيمة عن احداث الماضي الغابر , فبينما شلواح على هذه الحال , بريهي كان يتكلم مع ابيدي , وعن ما فعله واراه ورقة البلاغ , واكد بريهي على ابيدي ان يقوم بالمثل في النقطة التالية , وان يغير اسمه , استوعب ابيدي الحيلة وقرر فعلها .
بعد نصف ساعة من النقطة الاولى , توقف الباص في النقطة الثانية , صعد الشرطي , طلب ابيدي من الشرطي ان يكلم ضابط النقطة , فترجل ماشيا نحو مبنى النقطة , اقترب الشرطي من بريهي , استعجل الاخير وابرز ورقة البلاغ التي لديه , مع ابتسامة تملئ وجهه , فقال الشرطي : خليه بجيبك ..
ضحك بريهي , واعاد الورقة في جيبه , طلب المسافرون من شلواح التظاهر بالنوم العميق , وغطوه ببعض المناشف , فما ان وصل الشرطي اليه , اعترضه المسافرون :
- الحجي مريض
- ميخالف ... بس خلي اشوف هويته
- يمعود اكلك رجال تعبان ومريض ... صدك جذب
نهض احد المسافرين , واقترب من الشرطي , ووضع شيئا من النقود في جيبه وقال :
- نكلك شايب ومريض وتعبان
- خطيه كلش خطيه ... ديرو بالكم عليه
ترجل الشرطي , وصعد ابيدي , ملوحا بورقة الى بريهي , ابتسم بريهي واخرج زفرة ارتياح عميقة , فتكلم بريه وابيدي مع شلواح , واخبروه ماذا يفعل ؟ وكيف يقوم بذلك ؟ , عند النقطة الثالثة .
شلواح : ها ها ... هذه الحجي ... بس انه ما دبرها
بريهي : اضبط روحك وسويها
ابيدي : خلص نفسك وخلصنه وياك عاد
سمع المسافرون الفكرة واعجبوا بها , شجعوا شلواح على القيام بها , لكن شلواح بقى مترددا مرتبكا , فلم يفلح احد بأقناعه , فلا زالوا يحاولون اقناعه , حتى توقف الباص في النقطة الثالثة , ارتعشت فرائص شلواح , صعد شرطي التفتيش , فوقع بصره على ابيدي وبريهي واقفين بالقرب من شلواح , سئلهم عن السبب , واخبروه بأن هذا الرجل قد اضاع هويته , فطلب الشرطي منهم العودة الى كراسيهم , توجه الشرطي نحو شلواح وقال له
- وين ضاعت هويتك حجي
لكن شلواح لم يقو على الاجابة , فبادر احد المسافرين :
- الحجي لسنه ثكيل
- اكيد ؟
- أي والله كوه كوه يحجي ..
- جا خله يسوي بلاغ عد ضابط النقطة .
- خلي اروح وياه
- عفيه روح انته وياه
ترجل شلواح والمسافر من الباص , وتوجهوا نحو مكتب ضابط النقطة .
المسافر : استاد ... الحجي امضيع هويته بالكراج
الضابط : خلي يحجي هوه
المسافر : مو لسانه ثكيل ... وكلش مريض وتعبان .. و و و و
الضابط : شنو اسمك ؟
المسافر : اسمه جدعان مريعش لهواك
دون الضابط الاسم في البلاغ , وسلمه للمسافر , وقال له :
- دير بالك عليه ... ايبين الحجي كلش وضعه موتمام
- اخليه بعيوني
شلواح لم يستطع ان يتفوه ولو بحرف واحد , وتظاهر بالاعياء وعدم القدره على السير , فأسنده المسافر , وعادا الى الباص منتصرين , فما ان صعدا .
شلواح : الله خلصني ... وهذا السبع
واشار الى المسافر .
بريهي : هسه ارتاحيت
اما ابيدي فشكر المسافر كثيرا , وبالغ بالشكر , اطلق دخانا كثيفا اسودا من العوادم ( الاكسوز) بوجه النقطة , وانطلق يطوي الشوارع طيا , مترنحا متبخترا كعادة الباص (الريم) , اجتاز النقطة الرابعة والخامسة و ... و .... حتى وصل البصرة .
وصل الباص الساعة الثانية عصرا , ترجل المسافرين من الباص , ودع شلواح بعض المسافرين , فضل بريهي الجلوس في احد المطاعم لتناول وجبة الغداء , والتفكير في كيفية عبور الحدود الى الكويت , فيما يبدو انها اخر مرحلة خطر يمرون بها , توجه ابيدي سائلا بريهي :
ابيدي : انت رايح كبل للكويت ؟
بريهي : رايح اربع مرات
شلواح : جا احنه بركبتك
بريهي : عبرت الحدود اسهل من شرب استكان الجاي
وتناول استكان الشاي , شرب منه قليلا , ووضعه على المنضدة , وقال :
بريهي : بس لازم نوصل للحدود بالليل .
شلواح : نجرينه سياره ... واروح هسه كبل لا ياخذنه الوكت
خرجت بريهي من المطعم طالبا سيارة اجرة , اتفق مع احد السائقين , صعد الجميع , وانطلق السيارة نحو منطقة سفوان , وبعد ساعتين ونصف , وقفت السيارة , وقال السائق :
- وصلنه
- جزاك الله خير
انحرف المسنين الثلاث عن الطريق العام , متخذين من الصحراء القاحلة مسلكا , بينما هم كذلك , سمعوا صوت اقدام متسارعة نحوهم , توقفوا برهة , فأذا برجل يرتدي بدلة زيتوني مهرولا , ما ان وقع ناظرهم عليه , حتى قالوا بصوت واحد :
- بعثي !!!
كان فيما يبدو هاربا , وان هناك من يطارده .
ابيدي : هاي فرصتنه .
بريهي : هو واحد واحنه اتلاثه
شلواح : الموت للبعثيين
هرولوا نحوه , بريهي وابيدي بادلوه اللكمات , بينما شلواح انقض على رجليه , فأوقعه ارضا , احكم بريهي وابيدي سيطرتهم عليه , وتراجع شلواح للوراء قليلا , ثم اتى مسرعة فقفز في الهواء , صارخا بصوت مرتفع .
شلواح : ســـــــــا ســـــو كـــي
واستقر بكل ثقل وزنه على صدر البعثي , فتراجع بريهي الى الوراء , واتى مسرعا وقفز في الهواء صارخا .
بريهي : كراندايزر
ورمى كل ثقل جسمه عليه , قرر ابيدي ان يفعل كما فعلوا , فقفز في الهواء صارخا .
ابيدي : الرجل الحديدي
والقى كل ثقل وزنه على بطن البعثي , الذي اثقلته الجراح , وتركوه يتلوى من الألم , وسارعوا نحو الحدود , بينما هم كذلك , اعترضهم ثلة من الجنود , طلبوا منهم الوقوف , فوقفوا , فيما يبدو انهم سرية استطلاع من الجيش الايراني , سألوهم اذا كان أي منهم رأى بعثيا هاربا , فأخبروهم بمكانه وما فعلوا به , وسألهم بريهي عن طريق حدود الكويت , فأخبروه انه بالطريق الصحيح نحو الكويت , وطلبوا منه ان لا يعبر الحدود حتى يرخي الليل سدوله .
قريبا من الحدود , عسكر الثلاث في منخفض ارضي متوسط الحجم , وانتظروا مرور الدورية العراقية , الوقت يسير ببطئ , واجهدهم الانتظار , وبريهي يراقب الطريق , حتى لمح اضواء قادمة , فيما بدا له كأنها سيارة تسير على خط الحدود , فبشر رفيقيه :
- اجت الدورية
اجتازت الدورية بدون ان تشعر بوجود عيون تراقب , صرخ بريهي برفيقيه :
- همّو ريولكم ... بسرعه .... هرولو
وبعد مسافة قليلة , طلب منهم التوقف , والانبطاح والانتظار .
بريهي : انبطحوا هنا ... لمن تمر دورية الكويت
شلواح : بس لا يشوفونه
ابيدي : (( وجعلنا من ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ))
بريهي متفاخرا : انه عندي خرزه ... تعمي اعيونهم عمي !!
شلواح : خلي اكعد يمك .... حتى اتستر بخرزتك
بعد نصف ساعة , مرت الدورية الكويتية بدون ان تراهم , فقال بريهي
- خرزتي حمتني وحمتكم .
ابيدي : لا لا لا ... القران حمانه
فتشاجرا , تململ شلواح :
- هسه هو وكتها .... خل نركض كبل لا تجي دورية غيرها
فهرولوا داخل اراضي الكويت , حتى اذا ما ابتعدوا كثيرا من المخفر الحدودي وعن طريق الدوريات , توقفوا كي يرتاحوا , ويلتقطوا الانفاس , فالخطر قد زال , بعدما شعروا بالارتياح واصلوا السير , وانحرفوا تجاه الطريق العام , املين بالحصول على سيارة اجرة .
في الشارع العام , حصلوا على سيارة اجرة , طلب بريهي من السائق ان يقلهم الى الجهراء , فأوصلتهم السيارة الى قرية صغير قريبة من الجهراء , تدعى الرويه , ترجلوا من السيارة , فأمعن بريهي النظر هنا وهناك , وكأنه يفتقد شيئا , ابتسم وخاطب رفيقيه ملوحا بسبابته بأتجاه احد المنازل :
- هذاك بيت لهمود ابو التنك
طرق الباب , نادى مناد من خلف الباب :
- يا هو ...
- صد يج
فتح الباب , فأذا برجل متقدم بالسن , تجعد وجهه , وابيض شعره , مكشوف الرأس , يرتدي ثوبا ابيض , فما وقعت عيناه على بريهي ارتسمت على وجهه علامات الفرح فقال بشوق خانق :
- يا هو ... بريهي ... صدك جذب
- أي بريهي ... جا طنطل !!
- مو كالوا بريهي انعدم ... وضيعو صريطه
- لا شردت من السجن
فتعانقا عناقا مرا , ودعاهم الى الجلوس بعد ان تعرف على ابيدي وشلواح , فقصوا كل ما حدث لهم , ولهمود يستمع بأعجاب , فقطع الاخير كلامهم قائلا :
- هسه ارتاحوا ... و ناموا ... وباجر انكمل
- أي والله ... كلش تعبانين
في صباح اليوم التالي , قرر بريهي ان بولديه وزوجته بالنرويج , فأرشده لهمود الى مكتب الاتصالات , فتكلم بريهي مع ابنه صابر طويلا , والح عليه ابنه بالمجئ الى النرويج بدلا من الاقامة في الكويت , ووعده ان يحصل له على لجوء سياسي طالما هناك امر باعدامه هو ورفيقيه , فطلب بريهي من ابنه ان يرسل له بعض المال للرحلة بعد ان اقتنع بكلامه والحاحه عليه .
قرر بريهي ان يشاور رفيقيه , فأن وافقا ذهبوا جلهم , وان رفضا , يذهب وحده , جمع بريهي رفيقيه :
بريهي : اريد اخذ شورتكم
شلواح : شكو ؟
ابيدي : كول
بريهي : اريد اروح للنرويج يم اولادي ومرتي
شلواح : للنربيج النوبه !
ابيدي : شنو هاي النربيج ؟ !!
لهمود : للنرويج ... بس هاي بيها (( فسقي ))
شلواح : انه اخـــــوك ... بيها (( فسقي ))
لهمود : انه سمعت ... يكولون بالنرويج فسقي
ابيدي : جا احنه من دولة بعثية .... لدولة فسقيه
بريهي : ما كو حيله ... انه هم اريد اكعد يم اولادي وزوجتي .... بعد ما بيه حيل للشغل
لهمود : ايه ... راح يطونكم لجوء وراتب ... سيارات
شلواح : صدك ؟! ... ونسوان
لهمود : يطّون كلشي
ابيدي : جا خوش
بريهي : يعني ترحون وياي .... لو اروح وحدي ؟
شلواح : والله احنه بركبتك
ابيدي : وياك وين ما تروح .... جا منهو النه .... ما نعرف غيرك وما بقه النه احد
لهمود : جا انه اعرف واحد يزور جوازات
بريهي : جار وحله ... وخله يحضر النه اتلث جوازات .... بيش ما صارن
نهض لهمود مسرعا , وعاد بعد اكثر من ساعة ونصف , مبتسما :
لهمود : راح ايكملهن بيومين .
بريهي : خوش حجي
يومان مرا كأن لم يكن , فطرق الباب , نهض لهمود ليفت الباب , واذا برجل شاب يسلم اربع جوازات للهمود , الذي شكره كثيرا .
لهمود : هاي اربع جوازات
بريهي : جا الرابع المن
شلواح : تبي تجي ويانه
لهمود : جا ما فارك بريهي ... بريهي صديج العمر
بيدي : خافنك ادور فسقي !!!
لهمود : ايكول الزلمه ... من نركب الطياره .... لازم نشكك الجوازات ... ومن نوصل نسلم ارواحنه للشرطة ونخابر اولاد بريهي حتى يكفلونه
شلواح مستغربا : نركب طياره !
ابيدي : خوب نركب قطار .... انه اخاف من الطياره ... الطياره تذكرني ابطيارات صدام القصفن العماره ذاك اليوم
لهمود : على كل ... الطياره راح اتطير بعد ثلث تيام ... الساعة بالتسعة الصبح لازم احنه بالمطار
بريهي : ماشي ... بس كون صاحبك امظبط التزوير
**************************************
حضر بريهي ورفاقه الساعة الثامنة صباحا , ارتدوا احلى الثياب , وزينوا رؤوسهم باليشماغ والعقال , اتخذوا لهم على احد الاريكات مجلسا , وانتظروا الموعد بفارغ الصبر , حتى سمعوا المنادي يطلب من المسافرين للنرويج التأهب , سارعوا بالنهوض وتوجهوا نحو الطيارة , صعدوا السلم , واتخذوا لهم كراسي متقابلة , حيث جلس بريهي ولهمود متجاورين , يقابلهما ابيدي وشلواح , طلبت المضيفة من المسافرين ربط الاحزمة , لكنهم لا يعرفون كيف , طلب لهمود من المضيفة ان تربط لهم الاحزمة , فربطتهم بالتتابع , حتى اذ ربطت حزام شلواح , توجهت نحو ابيدي الذي يجلس على يساره , ابتسمت المضيفة لهم وانصرف:
شلواح : حاطه ريحه
ابيدي: من نوصل للنربيج .. اشري ريحه مريحه
ابيدي : انته تعرفها هاي البت ؟.
شلواح : لا ... جا هيه عرف ؟
ابيدي : أي عرف ... هاي بت عجرش الله يرحمه
شلواح : انه اخـــــــــوك .... بت عجرش ابو الكطل
ابيدي : عجرش ابو النفط الله يرحمه
حلقت الطائرة في السماء , ارتجف شلواح كثيرا :
شلواح : هسه احنه طايرين بالجو ؟ !
ابيدي مرتجفا ايضا : امعلكين بالسمه .
شلواح ترتعد كل فرائصه : يبـــــــــــو ي ... احنه فوك والناس جوه
ابيدي : امقبطين بالسمه
شلواح : يا يمـــــــــــه فهيمه !
ابيدي : اوداعتك ... اذا اطلع ايدي من الشباك .. اتناوش الكمر
شلواح : يــــــــــــــــــــع .... انه اخو وضحه
التفت شلواح نحو لهمود :
شلواح : اذا طك بنجر بالطياره ... شلون ؟ .
لهمود : نموت فطيسه
اقترب المضيفة , اشار اليها لهمود كي تفك الاحزمة , ابتسمت وبادرت لفتح احزمة لهمود وبريهي , وما ان فتحت حزام شلواح :
شلواح للمضيفه : سلمي لي على ابوج عجرش الله يرحمه
ابيدي : اشبيك كمت اتخربط
نهض لهمود , وطلب من رفاقه ان يعطوه الجوازات , وتوجه للحمام , وهناك مزقهم ورماهم في البالوعة , وعاد ليستقر في كرسيه .
مرّ وقت غير بالقصير , حتى هبطت الطائرة في مطار ما في النرويج , ترجل المسافرون .
لهمود : هسه لازم نسلم ارواحنه للشرطة
شلواح : انه اخاف من الشرطة
لهمود : ولك جا همه عبالك مثل شرطة العراق ...
بريهي : يكولون شرطتهم حبابون
ابيدي : اذا حبابين ميخالف
وقعت ابصارهم على رجل يرتدي زيا مشابه للشرطة , اسرع اليه لهمود , مادا يديه , كانه يريد ان يقول له اعتقلني , لكن الرجل لم يبالي واستمر في مشيه .
بريهي : هذه الشرطي ما يلزم
لهمود : خلي اندور عله شرطي يلزم
شلواح : جا همه عدهم شرطه يلزمون .... وشرطه ما يلزمون ؟ !
ابيدي : هذه الحجي .... هل اكول عدهم فسقي
لمح احد الشرطة تحركاتهم الغريبة , فتوجه نحوهم , ما ان اقبل عليهم .
بريهي : اخوك بريهي ابو الخرز من الناصرية
لهمود : اخوك لهمود ابو التنك من الناصريه
شلواح : اخوك شلواح ابو الكواني من السماوه
ابيدي : اخوك ابيدي ابو التتن من العماره
ساقهم الى مكان ما , ادخلهم في غرفة خاصة , لكنهم سلموه رقم هاتف , واشاروا اليه , اخذ الشرطي الورقه وخرج من الغرفة .
بعد مرور وقت طويل , فتح الباب , ودخل الشرطي وابن بريهي صابر , تعانق مع والده , والقى التحيه على رفاق والده بحراره , وسار خارج الغرفة مصطحبهم معه, حتى دخلوا قاعة المسافرين , حيث كانت القاعة مزدحمة , القى بريهي نظرة على الناس :
بريهي: هي هي ... جا كول تسواهن لاعبه بالسطعش
لهمود : اشتغل الخصباك
ابيدي : استغر الله
شلواح : بده الخريطي
ابيدي : جا هيه النربيج اجانب ؟ !
بريهي وهو ينظر الى امرأة عجوز , كشفت شعرها : جا كول تسواهن لاعبه بالفلك
ساروا ببطئ بين المسافرين , وعيونهم تنظر الى هنا وهناك , قطعت طرقهم احدى الشابات , استأذنتهم بأنها تريد ان تأخذ صورة معهم بزيهم , ناولت الكامرة لصابر , وتوسطتهم مبتسمة
, و بعد ان ومض ضوء من الكامرة , اخذتها و مضت في حال سبيلها .
بريهي : هـــــــا ي النسوان موش تسواهن
لهمود : تره تسواهن خوش مره
شلواح :يا جماعة تره احس روحي رجعت شاب
ركب الجميع في سيارة صابر وانطلقوا , وبعد قليل توقفت السيارة , ترجل صابر وطلب من الجميع الترجل .
بريهي : خير ... خو ماكو شي
صابر : الخير بوجهك ... بويه ... بس منا اوغاد لازم تغيرون ملابسكم
لهمود : شلــــــــــون !
صابر : أي عمو ... هنا محد يلبس دشداشه
شلواح : انه اخـــــــــــــــــــوك
ابيدي : نلبس لبس الاجانب ! .... نــــــــــــــــــــو
رفضوا في بادئ الامر , وبعد اصرار من صابر , وافقوا , فدخلوا المتجر , ارشدهم صابر الى مكان الملابس التي تناسبهم والمكان الذي يقيسونها فيه , فنظر بريهي عن يمينه , فرأى امراة في يدها ثوبا , ودخلت في غرفة صغيرة .
بريهي : جا كول تسواهن لاعبه قاله باله
شلواح : شو هاي الهدوم صايره خيطي بيطي ... ما نعرف ملابس الكبار وين والزغار وين
ابيدي : هاي الهدوم ملبوسه ؟ لو جديده ؟
قرروا جميعا ان يقوم صابر بأختيار ما يناسبهم , بذل صابر قصارى جهوده كي ينتقي ملابس تليق بهم , ويرضون عنها , بعد ان فرغوا عادوا للسيارة , اخذ صابر بيد ابيه .
صابر : بويه ... تره امي ما تدري انته هنا
بريهي : خل اوصل هسه ... وانه اكطعها اتكطع .
صابر : ليش ؟
بريهي : جا كول امك لاعبه هبّه
صابر : اهنا النرويج موش العراق حتى تبسطها
شلواح كان ينصت .
استطرد صابر
- اهنا محد يكدر يضرب مرته لو بته
شلواح : جا شلون ... انخليهن دايحات من شارع لشارع
لهمود : صدك هاي الدولة امخصبكه
**************************************
ركنت السيارة امام عمارة كبيرة , ترجل صابر , واخبر الجميع بالوصول , نزلوا من السيارة
شلواح ناظرا للعمارة : هنا بيتك ؟ ... خاف اتجذب علينه
ابيدي: هاي مديرية الامن لو وزارة الداخلية ؟
بريهي : ادخلو ... واسكتو ... احنه شردنه من ذاك السجن ما نكدر نشرد من هذه !
دخلوا للبيت , اتخذ كل منهم مجلسا , وغاب صابر في البيت , عاد ومعه امرأة عجوز , بالكاد تسير , جالت نظرها في المسنين , بعد ان القت التحية , جفل بريهي لما رأى , ونظرت اليه .
- بريهي ... صدك جذب .... هاي اشجابك .
- جابي الشوك
شلواح مازحا : اتكول اكطعها اتكطع ... جا وينك ؟
تسواهن ضربت بعصاها الارض : ايكطعمن ؟
بريهي : لا هيجي ما كو شي ... فالتفت لشلواح : اني الك ...
استطرد بريهي : ام محمود تعاي عندي حجي هوايه وياج
واخذ بيدها , واختفوا في احد الغرف , استاذن صابر بالخروج لقضاء امر ما , لهمود ذهب الى الحمام , اما شلواح فذهبت الى المطبخ , قرر ابيدي ان يلقي نظرة على التلفاز .
ابيدي: يــــــــــع يـع يع ....
اقفل التلفاز , والقى به من النافذة , عاد صابر محملا ببعض الاكياس , فدخل الى المطبخ , ورجع ليجلس مع ابيدي , فجأة سأل صابر:
وين التلفزيون ؟
ابيدي : شمرته
صابر: وين ؟
ابيدي : من الشباج
صابر : ليش ؟
ابيدي : طلع بيه من هذه اليع يع .....
صابر : شنوا ليع يع ؟
ابيدي : فسقي
*****************************
وفي صبيحة اليوم التالي , قرر المسنون الاربع التجول , ساروا في الشوارع , تنقلوا بين الازقة , طافوا في المدينة , مستطلعين الحضارة , مستكشفين بدائع الطبيعة , منبهرين بروائع الصناعة , مذهولين بأتقان البنايات والعمارة .
بعد ان تعبوا , وانهارت قواهم , شعروا بالجوع , فقرروا العودة , ولكن !
بريهي : شلون نرجع ؟
شلواح : جا تهنه !
لهمود : اليسأل ما يتيه
ابيدي : يا هو النسأله .... اذا كله اجانب
بريهي : نشوف واحد ما يعرف اجنبي
التفت بريهي هنا وهناك , محاولا البحث عن شخص يفهمونه ويفهمهم , حتى وقع بصره على رجل عجوز .
بريهي : الله بالخير حجي .
تكلم العجوز بكلام غير مفهوم .
بريهي : حتى الشايب يعرف اجنبي ! ... ليمتها اتعلم ... مدري
فقرر ان يسأل احد الاطفال .
بريهي لاحد الاطفال : شلونك جدي ...
بدا الطفل لا يفهم شيئا .
بريهي لرفاقه : حتى الطفل يعرف اجنبي ... هسه هذه الطفل ليمتها اتعلم اجنبي
شلواح : جا شراح انسوي
احتاروا في امرهم , واستغرقوا في تفكير عميق , واخيرا .
بريهي : خلي اخابر صابر .
لقد كان صابر قد اعطاهم هاتف نقال .
بريهي : الووووو
صابر عبر النقال : بويه وين صرتو
بريهي : يمكن تيهنا
صابر : انت وين هسه ؟
بريهي : انه هسه يم لهمود
صابر : لا بيا شارع
بريهي : وانه شمدريني
صابر: بويه ... اكو شرطي قريب .
بريهي : أي اكو
صابر : انطي الموبايل للشرطي .
على الفور , ذهب بريهي للشرطي , واشار للنقال , فتناول الشرطي النقال , وتكلم فيه , فأبتسم واغلقه , فأشار الشرطي لسيارة الاجرة , وتكلم مع السائق , فصعدوا في السيارة .
*****************************
في البيت ,استاء بريهي من كونه بلا عمل , فليس من عادته التكاسل , لكن ماذا يمكن ان يعمل في النرويج وهو بهذا السن ؟ , بعد تفكير طويل , اقترح على رفاقه ان يقوموا بأفتتاح مقهى , مقهى على الطريقة العراقية , فقد لاحظ اثناء تسكعه انه لا توجد مقاهي عراقية او عربية , رحب رفاقه بالفكرة , وفاتحوا صابر , الاخير رحب بالفكرة بدوره و باشر بالاجراءات .
بعد شهر واحد , تم افتتاح المقهى , وكتب على واجهته , مقهى بريهي , بالعربية والنرويجية , وبعد حملة من الاعلانات , توافدت الزبائن عليها , عراقيين مقيمين بالمهجر او عرب , كان لشخصية بريهي ورفاقه الدور الاكبر في جلب الزبائن .
انتهت الحرب العراقية- الايرانية , ودخل العراق بحرب مع امريكا بعد دخوله الكويت , نزح الكثير من العراقيين الى الخارج بعد توالي الاحداث , وبريهي ورفاقه كانوا يراقبون ما يحدث من خلال تلفاز المقهى , فأزداد عدد زورا المقهى , وتكونت جماعات , البعض منهم اسلامي , يتخذون كراسي لهم خاصة في المقهى الى اليمين من كرسي بريهي , وجماعة علمانية تجلس الى يساره , والبعض مستقل , ليس لهم علاقة بذا او ذاك , يجلسون امامه , فتحدث مناوشات كلامية بينهم , يكون الفصل فيها طبعا لبريهي , فالجميع كان يحترمونه كونه كبيرا بالسن , وايضا محايد .
وفي ذات يوم , بلغت حدة الخلافات اوجها , فتناوشوا بكلمات نابية , ونهضوا من كراسيهم , كأنهم يريدون الشجار , فجفل بريهي ورفاقه , طفح الكيل , فتوسطهم بريهي بعد ان خلع احد نعليه وصرخ فيهم :
- بس ... كافي .... انتم جايين تتعاركون .... اجيتو من العراق وجبتو الطلايب وياكم
سكت الجميع , وحلّ الصمت , وعاد كل منهم الى حيث كان يجلس , رجع بريهي وجلس على كرسيه مغاضبا , متمتما بكلمات لم يفهمها احد , الصمت لا يزال يخيم على المقهى , فهذه اول يرى فيها بريهي غاضبا فاقدا اعصابه , شاهرا نعله , فأسرع شلواح واحضر قدح ماء وقدمه لبريهي الثائر , شرب قليلا منه , نهض احد الاطراف , توجه نحو بريهي اعتذر منه وقبل يده وانصرف خارجا من المقهى , فبادر الجميع وقاموا بالمثل , انصرف الجميع فلم يبقى في المقهى سوى المسنون الاربع , قرر بريهي ان يعود للبيت .
***********************************
في اليوم التالي , توافد الاشخاص عينهم , مبدين احترامهم لبريهي , مكررين الاعتذار , وبعد ان جلس الجميع , خاطبهم بريهي محاولا الاعتذار , لانه رفع نعله عليهم , وقرر ان يدعوهم الى وليمة , الدعوة تكون عامة , و من غير استثناء .
بادر الاسلاميون الى عمل وليمة مشابهة الى وليمة بريهي , والدعوة عامة بدون استثناء , كذلك رد الطرف المقابل , وبعدها كانت الوليمة على حساب المستقلين .
لم يشعر بريهي ورفاقه بما يدور حولهم من احداث , ولم يستيقنوا او يتمعنوا في ما يحدث في العراق , فقد كانوا بسطاء عقليا وفكريا وثقافيا .
اجتاحت امريكا العراق , وهرب صدام مذعورا , يجر خلفه جلابيب العار والشنار , فأحتفل العراقيون كافة في مقهى بريهي , وعزموا على العودة للعراق , فعاد المنتمون للاحزاب اولا , تبعهم القليل من المستقلين , ولم يبقى في مقهى بريهي سوى عدد قليل من زبائنه الدائميين .
حزن بريهي ورفاقه حزنا عميقا على فراقهم , فقصرت همتهم بالعمل , بينما هم كذلك , ادار ابيدي التلفاز , باحثا عما يسليهم , فشاهدوا اخبار العراق والحكومة , تمعنوا النظر بأعضاء الحكومة الجديدة , تبدو وجوههم مألوفة لهم , فقد طالما ارتادت هذه الوجوه مقهاهم , تنفس بريهي الصعداء , وتابعوا الخلافات بين اعضاء الحكومة , وانه يجب يتوحدوا لخدمة البلد الواحد .
بريهي: هذوله كامو يتعركون على الكراسي ... مثل ما جانو يتعاركون بالكهوه
لهمود: لازم يتوحدون
بريهي : اروح الهم ...
ابيدي : بس الجماعه صاروا هل كراسي وحرسي وحشم
شلواح : بعد ما يعترفون بينه
بريهي : انه اجبرهم ... انه اعلمهم .... وشوفو !
قرر بريهي ان يؤسس حزبا سياسيا محايدا , لغرض التوفيق بين الاحزاب ولمّ شملها , وبنفس الوقت يطالب بحقوق المسنين .
فاجرى اتصالات كثيرة مع الحكومة , واخبرهم بنيته العودة للعراق مع ثلة من الشيبة , وانهم سيدعون للوحدة , وانهم سيكونون بمثابة المستشارين كونهم متقدمين بالسن , رحبت الحكومة بهذة الخطوة الشجاعة لبريه و جماعته , وتقررت الزيارة في غضون سبعة ايام , وان الحكومة ستقيم لهم حفل استقبال كبير تكريما لهم ولسنهم .
بريهي : شلواح ... افتر بالنرويج واجمع شكو شايب عراقي ... وانت ابيدي روح للسويد واجمع شكو شايب بيها ... وانت لهمود افتر بأوربا واجمع الشياب العراقيين ... وانت صابر روح اكريلنه طيارتين .
شلواح : هم طيارة .... جا انه ما اروح !... هم زين حتى اشوف بت حجي عجرش ابو الدهن
ابيدي : طيارتين المن ... وحدة كافي
بريهي : طيارتين اهيب ... جا احنه اشويه
تجمع المسنون لليوم الموعود , امتلئت الطائرتين , وحلق في كبد السماء , قاطعة المسافات , هادرة بأصوات العودة , مزمجرة بالحنين الى الوطن .
وفي المطار , احتشد الكثير من الناس , وحضر كافة المسئولين الحكوميين من يعرف بريهي ومن لا يعرفه , من سمع به ومن لم يسمع , على اختلاف مستوياتهم , وتنوع ماهيتهم , على حد سواء , فما ان هبطت الطائرة الاولى , حتى تعالت الهتافات , مرحبة بعودتهم , نزل بريهي , فتسارع الحكوميون لمعانقته , عناقا طويلا , مرّا , بعد ان فرغ بريهي وجماعته من عناق المسئولين والشخصيات , توجهوا ليعانقوا الجماهير , ليعانقوا الشعب , واحدا واحدا .
لكن الذئاب تتصيد , تترقب الفريسة , وتقدر الفرصة المناسبة للانقضاض , فيعانق بريهي احد الذئاب , المفخخ بحزام ناسف , لينفجر ناثرا اجساد الناس في الهواء , ويغادر بريهي وجماعته الدنيا وما فيها , بحلوها ومرها .
******************************
اجتمعت ثلاثة اشباح , حول ثلاثة قبور , في مكان ما في العراق .
شبح بريهي : شكو شنو الصار ؟
شبح شلواح : جن احنه ميتين !
شبح ابيدي : جا وين لهمود ؟ !
بينما هم كذلك , اقبل عليهم شبحين .
شبح شلواح : جن هذا لهمود ؟ بس منو الوياه ؟ !
بعد ان اقترب الشبحين اكثر , شبح بريه : جن هذه النقيب الطلعنه من السجن !
تعانقت الاشباح , وتبادلوا التحيات , واخبرهم النقيب انه لقى حتفه بسيارة مفخخة , ولهمود اخبرهم بانه لم يعثر على شئ من جسده , فقال شبح بريهي :
((( جا احنه من الوطن ........... لجنة عــــــدن ))) |