الفساد .. هو ظاهرة إجرامية تفتك بالمجتمع والدولة وخطر كبير على النمو الاقتصادي , والفساد له أشكال عديدة وخطيرة منها . الرشوة ( مبالغ مالية , هدايا أو هبات ) , ضغوط واستغلال مناصب ( حكومية أو سياسية , نفوذ ) وبغض النظر عن شكلياته فأن عواقبه وخيمة على المال العام واقتصاد البلد وبالتالي على حياة المواطن وموارده .
وللفساد أثاره السلبية على التنمية والتطور وحقوق الإنسان وهذا التأثير يخص جميع الدول دون استثناء ، وقد رسم الوضع العراقي صوره واقعية لربط الفساد بالفقر ، وكما نعلم أن أكثر الدول فقرا هي أكثرها فسادا وتعاطي للرشوة وعدم احترام حقوق الإنسان من غيرها .
أصبحت الدول أكثر وعييا وإدراكا لتأثيرات الفساد الخطيرة والبحث عن الوسائل والسبل لمكافحة هذه الآفة الخطيرة التي تنخر مقومات الدولة والمجتمع السليم ،والتصدي لها من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين بهذا المجال وتبادل الخبرات والرجوع إلى الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية OCSE ) ) الخاصة بمكافحة الرشوة للموظفين الحكوميين والأجانب بتاريخ 17/ 12/1997 .. واتفاقية ميريدا للأمم المتحدة بتاريخ 31/ 10/2003 .ومن أروع ماقرأت في مجال مكافحة الفساد خطة ( لأتسامح مع الفساد ) والتي التزمت شركة أنيل بتطبيق وتنفيذ قانونها الأخلاقي الداخلي برفقة ( 60 ) شركة دولية أخرى تعمل في مجال الطاقة والمعادن ضمن برنامج الأمم المتحدة ( Global Compact ) ..
مكافحة الفساد يعني معرفة مكان تفشي الفساد والأقنعة التي يرتديها لكي يخفي وجوده والقضاء عليه ، ولكن بدون خبرة ووعي وشجاعة ودعم للقوانين المتعلقة بهذا المجال والرقابة والتعليم والتربية وتوعية الرأي العام لايمكن لهذه العملية أن تنجح ..
يجب أن نعمل على نقل تجارب الآخرين في مكافحة الفساد من دول مرت بنفس التجربة المريرة التي يمر بها بلدنا اليوم وليس عيب أن نستفيد من تجارب الآخرين وأنا على علم بأننا سنواجه صعوبة كبيرة في ذلك كونه سوف يضر بشريحة كبيرة من المؤسسات والأشخاص الذي يتغذون على ماتنتجه هذه آلافه من خراب بالمجتمع ..
وان نعمل على تثقيف الناس بكافة الوسائل بخطورة الفساد كونه يفتك بالمجتمعات وينزل بالمواطن إلى أدنى المستويات في المجال الاقتصادي والثقافي والاجتماعي ..وإعادة الثقة إلى المواطن والإشادة بقدرته وشجاعته على بناء مجتمع واعي قادر على التصدي لكل أنواع الفساد ..
وهذا مثال حي على ( كيف يلعب الإنسان دور فعال في بناء بلده ) قرأته في كتاب دليل الأخلاق والنزاهة أعداد باتريتسيا ديل بيوندو وتعمل ألان في منظمة ترانسبيرانسي انترناشيونال في ايطاليا ..
( في عام 1992 أتى جون بانجورا إلى الدنمارك لاجئا ، وكن حينها مليئا بالحزن والمرارة بسبب الآلام والأذى الذي تعرض له هو وعائلته منذ اندلاع الحرب الأهلية في بلادة ، وكان في ذهنه شئ واحد فقط هو الثار والانتقام ، وبعد فترة من الزمن زاره قسيس وأخبره عن المعركة لتسليح الدول معنويا وروحيا ، ومن ثم عرض على جون شريطا تسجيلي ، مشاعر وأحاسيس جون هاجت لان رغبة جون في الثار كانت لاتزال قوية وحية ،، فيما بعد تم دعوة جون لحضور ندوة عالمية حول الصلح والمصالحة تم عقدها في ما يسمى ( مركز التسلح المعنوي ) في سويسرا .. وقابل العديد من الأشخاص من جميع أنحاء العالم والذين عانوا من الأسى والأذى . وتفطن حينها أن مرارته وتعطشه للثأر والانتقام أوقفاه عن الاجتهاد والعمل بشكل بناء من اجل بلده ، وتدريجيا ابتدأ يتغلغل في ذهنه مبدأ الفكرة التالية ( لماذا لا تستغل وقتك وطاقتك لمساعدة بلدك بدلا من عن خلق الاذئ والأسى ؟ ) بعد مرور حوالي عام من تلك الندوة اشترك في ندوة أخرى مماثله في تنزانيا . في حين كان يستمع للمحاضرين كان هنالك هاتفا يصرخ في داخلة قائلا \" بلدك تحترق ، ناسك تموت ، يجب عليك أن تفعل شئ ما \" . هذه التجربة شكلت نقطة تحول بالنسبة له ، حيث قام بتأسيس جمعية اسماها ( أمل لسيراليون (H- SL ) ) هدفها مساعدة أبناء بلدة ، الجمعية ألان تضم حوال ( 500) عضو ولديها مكاتب في عدة مدن منها بو وفرييتاون وكينيما وماكيني . وقامت الجمعية بإعداد برامج تاهيلية لجميع أبناء البلد وخصوصا المقاتلين السابقين حيث تم تعليمهم أسس الزراعة والصناعة والثقافة ولغة التحاور مع الشعوب المحلية وتعريفهم بالديمقراطية والمجتمع المدني المتحضر ) ..
هذا مثال بسيط من التجارب التي يمكن لنا نقلها والعمل بها ولو أفراد في بلد مزقته الحروب والمخططات الخبيثة ، وأنا على يقين أن العراقيين الشرفاء الشجعان بإرادتهم وتضحياتهم قادرين على بناء مجتمع متمدن وسليم قادر على مكافحة كل إشكال الفساد وعدم احترام حقوق الإنسان ( أذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ) ..
والبناء يبدأ من المواطن بعد القضاء على الرؤية التقليدية للهيكل الهرمي الذي يرى القيادة السياسية بالقمـــــة ومن ثم الإدارة ألعامه بوزاراتها ودوائرها وأقسامها وموظفيها وفي النهاية المواطنين . وانقلاب الهرم رأسا على عقب وأصبح المواطنين بالقمة ومن ثم الهيكل الحكومي ومن ثم القيادة السياسية التي يتم انتخابها لخدمة الشعب .. ويجب أن ينتج عن هذا الانقلاب مفاهيم جديدة عند المواطن على جميع الأصعدة ..
عباس ساجت ألغزي
المدير التنفيذي
للمركز العراقي لتنمية المواطنة والديمقراطية
|