• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : دمية على الرف ( 1 ) .
                          • الكاتب : د . ايمان محمد .

دمية على الرف ( 1 )

 

المرحلة السادسة في كلية الطب في احدى جامعات بغداد /العراق , مجموعة طلبة و طالبات متجمعين في نادي الكلية يتبادلون الأحاديث بلباقة  و ادب , لا تخلو احاديثنا من الفكاهة المقبولة التي يبادر بها زملائي كي يجعلونا نبتسم , ابتسم و اضحك لطرفهم الشيقة و احاديثهم المسلية عن مواقف حصلت لهم في مطعم او احد اعراس اقاربهم او حتى في جلسة عزاء , يقول احدهم و كان كردي : يقولون الانسان الخيّر الناس تضحك بفاتحته

فيرد عليه الآخر : ليس هكذا لقد قلبت المثل طبعا فأنت كردي هههههه و ينفجر ضاحكا

ابتسم انا في برود و افكر في داخلي "لا احب هذه السخرية , كردي, دليمي ,ناصرية ...الخ مما يتنابز به العراقيون" ...  يرد زميلنا الكردي  الابيض البشرة ذو الشعر الاسود اللامع الذي يشبه تسريحة شعر جاك في فيلم التايتنك و عيناه السوداوتين تحدق الينا واحدا تلو الآخر و جسده الاكثر ظهورا على الطاولة المستطيلة التي نتجمع حولها بسب كونه الاطول فينا : في احدى المرات ذهبت لحضور عزاء شيخ عشيرة و كان الشيخ والد صديقي المقرب اليّ و اذا بعدد من الناس لا استطيع احصاؤه في صيوان العزاء فسلمت على صديقي و بعض اقارب المتوفى بينما صديقي يعرفني عليهم الواحد تلو الآخر و انا اصافح و اقبل الاكتاف حتى وصلت شاب جالس غير آبه بالعزاء و الحزن المنتشر في المكان و لكنه وقف حين اقتربت منه فسألت صديقي ما قرابة هذا الشخص لك ؟ فرد : لا أنه ابن الجيران اتى يساعدنا

فسحبت يدي من يده و قلت له "اكعد ما اخذ من خاطرك , انت ما الك علاقة بالموضوع هو انت ابن الجيران و جاي تساعدهم"و تعني (اجلس لن اعزيك فأنت لست من اقارب المتوفى)

فإنفجر الحاضرون ضاحكين من ما قلت و صاروا يتبسمون و يقولون الخيّر الناس تضحك بفاتحته..

يرد احد الزملاء : الأمر لا يدعو للضحك , لابدّ انك اضحكتهم بإسلوبك الفكاهي

نضحك و نتناقش حول المحاضرات و بعض الكراريس , يأتي حيدر تجاهنا , اووه ذلك الشخص البغيض ما الذي جاء به الآن كم اكره رؤيته , عبوس الوجه رغم بياض بشرته و تلك اللحية السوداء الخفيفة تثير انوثتي و لكن مزاجه المتقلب لا يروق لي و غروره بنفسه يزعجني و يجعلني انفر منه و ارفض عرضه عليّ بالزواج الذي صارحني به قبل اسبوعين , لكن نظرته اليوم غريبة او مخيفة و كأنه ينوي شن هجوم او احداث ضجة ما , يسلط نظره عليّ و يعض شفته السفلى بأسنانه , ماذا يريد هذا المتهور و انا بين الزملاء و الزميلات في النادي ؟

يتوقف امامي و انا جالسة ارفع رأسي بتردد ثم احنيه بسرعة الى كراسة بيدي , يصمت الجميع و ينظرون اليه فهو لم يلقِ التحية , يدعوه احد الزملاء " اجلس حيدر فنحن نتناقش حول مواضيع في مادة الاطفال تفيدنا في الامتحان النهائي "

يرد بعجرفة : لم آتِ لأجلس معكم , و يسمّر نظره تجاهي و يقول : لماذا يا مروة ترفضين الزواج مني , انا احبكِ ,الكل هنا يعلم بحبي لك , لماذا ترفضين حبي ؟لماذا ؟

تشهق صديقتي الجالسة بجانبي , و تمسك بذراعي و كأنها تشجعني كي لا أخاف , لكنِ لست خائفة و ارده و عينيّ في عينيه اللتان تقدحان غضبا : انا ارفضك بسبب اسلوبك و لن اتزوجك حتى لو كنت آخر رجل في هذه الدنيا ... و الملم كراريسي و آخذ حقيبتي و اخرج بثبات و هدوء و وقار , تتبعني صديقتي و هي تقول : لماذا يا مروة ؟ فقد يتغير من اجلكِ لو وافقتِ على الارتباط به كما وعدكِ امامي قبل اسبوعين , اعطهِ فرصة لن تخسرِ شيئا".

ارد عليها : لا اعتقد يا سمّر انه يتغير هذا(  hopless case ). تعني حالة ميأوس منها

تخرجت من الجامعة و استمر حيدر يلاحقني , مرة يتصل عبر النت و احذره و ارده لكنه لا ييأس , بدأت افكر هل يحبني ذلك الرجل حقا" ؟

حصلت على وظيفة في احدى المستشفيات فاجئني بزيارة عند الظهر و انا في الطوارئ قال انه اتى لمساعدة احد اقاربه و تبادلنا بعض الاحاديث عن سياق العمل و المقيميين الاقدميين و اعتذر لي عن اي ازعاج سببه لي و قال انه يحترمني و انه يحسد الانسان الذي سيتزوجني في المستقبل ,تكررت زيارات حيدر و في كل مرة يختلق عذرا و بدأت اعتاد الحديث معه و اكتشف فيه اشياء بدت لي جيدة وقتها و ذات مرة اتى و  بيده وردا وصار يبتسم و يتكلم بلطف , كنت متعبة من العمل و بحاجة الى من يخفف عني , شعرت بطاقة حياة تدب بروحي و انا ارى تلك الورود البيضاء و الوردية , انها الواني المفضلة كيف علِم بشغفي بالزهور ؟

تبادلنا التحايا و كنت لازلت ارفضه و لكنِ قبلت منه الازهار , تكرر ذلك المشهد حتى صار روتينيا", صار يأتي كل اسبوع و احيانا اسبوعين و احيانا يغيب شهرا فأقلق و اود قدومه , صرنا نتبادل الاحاديث و وجدت نقاط تقاطع مشتركة بيننا , و استمر الحال هكذا عاما كاملا

في نهاية العام وجدتني احبه و اخبرت والديّ عن قبولي بالزواج منه

تتفاجئ والدتي من قراري : كيف يا مروة ؟! او ليس ذلك الشاب الذي رفضته مرارا و تكرارا في الجامعة ما الذي تغير الآن ؟

_امي أنه يعشقني بجنون , انه رومانسي و قد تغير من اجلي

_كما تشائين يا مروة ,كل ما اتمناه ان اراك سعيدة

تساهلت معه في المهر و تحملت اعباءا مادية من مالي الخاص الذي جمعته من رواتبي للعام المنصرم , اشترطت ان يكون لي سكني الخاص وافق على ذلك و لكنه طلب مني ان اتعاون معه فيما يتعلق بالامور المادية بعد الزواج , اكدت له اني سأكون زوجة مخلصة و اعينه و اكون معه دوما", كنت سعيدة و اشعر و كأن فراشة تطير في صدري الذي صار حقلا من الأزهار لم اكن اعلم ما يخبإ لي القدر من مفاجآت احالتني فراشة بلا جناحين ...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54938
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14