عاملان جوهريان في تحطيم الأوطان وتمزيق المجتمعات , وتحويلها إلى مستنقعات تتوطنها الآفات وتتعفن فيها الموجودات , وبتفاعلهما تفقد البلدان قيمتها ودورها وتدخل في أنفاق مظلمة , تتكاثر فيها الكواسر ووحوش الويلات.
هذان العاملان لا تتهاون بهما المجتمعات المعاصرة , ودرجة تحملها لهما تساوي صفرا , ومَن يجرؤ على العمل أو التصريح بهما يواجه عواقب قانونية وأخلاقية ويرفضه المجتمع بقوة ويزدريه.
فالتجارب البشرية السابقة , علّمت الناس أن الفساد والطائفية طاقات تدميرية وإفنائية فتاكة لا يمكنها أن تستكين إذا إنطلقت من عقالها.
وفي بلدان تولتها حكومات عقيدتها الفساد والطائفية , تجني مجتمعاتها المرارات والويلات المتفاقمة ذات التداعيات المأساوية المروعة , وبخسائر حضارية وإنسانية باهضة.
فالحكومات الطائفية الفاسدة أساس البلاءات الوطنية والتواجدات المتطرفة والتفاعلات الدامية , لأنها أغفلت الوطن والإنسان وإستحوذت على الثروات , وتنعمت بالمحسوبية والثراء الفاحش على حساب الملايين من المسحوقين والمقهورين بالحرمان والخوف والترويع.
ولا يمكن لأية قوة في الأرض أن تصلح أحوال المجتمع إذا إستشرى فيه الفساد وتسيّدت الطائفية والتبعية , وعليه فأن أية قوة مهما كانت حليفة لا يمكنها أن تنزلق في مستنقع طائفي فاسد.
وعلى المجتمعات الهادفة لحياة أفضل أن تراجع نفسها , وتتحرر من ربقة الطائفية وأصفاد الفساد والتبعية , وتتعامل بروح وطنية وقدرات معاصرة ذات تأثيرات مستقبلية إيجابية.
وعندما تكون البلدان ثرية وفاسدة وطائفية , فأن العلة ستكون وخيمة والمعضلة شديدة لوجود ما يمول السلوك الطائفي الفاسد ويعزز الخراب والدمار , لأن الثروات ستستخدم لتوفير ما يساهم في سبادة الفساد والطائفية.
والغريب في سلوك الفساد والطائفية أنه ينطلق من قواعد أخلاقية سامية , فالفاسد الطائفي لا يحسب نفسه كذلك , وإنما يستحضر ما يبرر سلوكه ويكرره , حتى ليصل عند البعض منهم إلى طقوس عبادة , وآليات تقرب إلى ربّ الطائفي الفاسد.
فطاقات الطائفية والفساد متآصرة ومتوالدة وذات تدفقات سلبية في جميع الإتجهات , لأنهما يتدرعان بما يكفل لهما الحياة , ويتذرعان بما يناقض سلوكهما .
تلك حقيقة المعاشرة والزيجة الطائفية الفاسدة , وما تلده من موجودات مدمرة للذات والموضوع , ومؤهلة لمزيد من الضياع والخراب والخسران. |