يوجد شعار عشائري متداول في المجتمع من عصر ما قبل الاسلام ، حتى جاء الاسلام فغيّر من مفهوم الشعار من السلبي الى الايجابي،بما يتناسب ومفهوم الاسلام عن الحق والانسانية والعدالة والانصاف بحق الانسان المظلوم ،وهذا الشعار هو (انصر اخاك ظالما او مظلوما ) ، ومفهومه في عصر ماقبل الاسلام ان تنصر ابن عشيرتك على كل حال سواء كان ظالما او مظلوما ، حتى جاء الاسلام فغيّر مفهوم الشعار ، واصبح انصر اخاك الظالم بأن تردعه عن ظلمه ، وانصر اخاك المظلوم بأن تقف الى جنبه وتنتصر لقضيته ضد من ظلمه ، سواء كان من داخل العشيرة او خارجها ،واستمر هذا المفهوم في التداول كعرف عشائري مرّة انتصارا للمفهوم السابق واخرى انتصارا للمفهوم الاسلامي اللاحق ،الذي يدعو الى ردع الظالم لصالح المظلوم بغض النظر عن الانتماء العشائري ،او الديني اوالمذهبي ،او القومي ، وازاء هذا المفهوم الاسلامي الانساني ، نتساءل بأي عنوان تعاملت السعودية ومعها دول الخليج العربي عندما هاجمت شعب البحرين الاعزل بكافة انواع الاسلحة الثقيلة والخفيفة ، لنصرة الحكم الوراثي في البحرين ؟ ونسأل دعاة نشر الديمقراطية والحرية من امريكان او حلفائهم من الدول الغربية الاخرى ، لماذا السكوت والتغاضي عن هذا العدوان الطائفي الحاقد ؟ لماذا الكيل بمكيالين ؟ونسأل مرة اخرى دعاة مدعي الاسلام في السعودية هل تعاملتم مع شعار (انصر اخاك ظالما اومظلوما ) بالمفهوم الاسلامي الذي يدعو لنصرة المظلوم وردع الظالم ،ام تعاملتم بالمفهوم الجاهلي الذي مثلتموه انتم وحلفاؤكم خير تمثيل، بهجومكم الواسع على شعب البحرين المطالب بحقوقه سلميا ؟ ان الغربيين بقيادة امريكا دعاة نشر الديمقراطية والحرية لشعوب الشرق الاوسط والتي تعيش شعوبها الآن حركة الثورة ضد سلاطين الحكم الوراثي يسعون جاهدين للتأسيس لنظام المحاصصة على اساس الدين او المذهب او القومية اوالحزبية من اجل ان تبقى شعوب المنطقة ضعيفة مقسمة متناحرة تحقيقا لمصالحها ، وهذا ما اسسوه في لبنان ويبذلون جهودهم للمحافظة عليه ،ويريدون تأسيسه في العراق ، منذ سقوط صنم بغداد ولحد الان ، وتشكيلة الحكومة العراقية الاخيرة خير مثال على ذلك ، اذ يوجد في الحكومة الان (22 ) وزيرا فائضا استحدثوا ارضاء لهذه الكتلة او تلك، ويشكلون عبئا كبيرا على مسيرة الحكومة وعلى الاقتصاد ، كذلك يسعون لتثبيت ثلاث نواب لرئيس الجمهورية الذي يتمتع بمنصب شرفي حسب الدستور ، لا لشئ الا لتكريس نظام المحاصصة ،وتحقيقا للرغبة الامريكية التي تريد تكريس هذا النظام المفتت للشعب الواحد ،نظام المحاصصة في العراق ولّد الكثير من المآسي والسلبيات ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، انه ولد عند السياسيين العراقيين شعور ، (العشائرية السياسية ) ، واعني به شعار العشائرية بالمفهوم الجاهلي لا الاسلامي ، الذي يقوم على مفهوم ، انصر اخاك الذي هو من مذهبك او قوميتك او حزبك سواء كان على الحق او الباطل او الخطأ او الصواب ، وحسب التصنيف من الاخص الى الاعم ، وعندما اتحدث عن العشائرية ، اعني المفهوم العشائري الذي تحدثنا عنه في بداية كلامنا ، ولا اعني العشيرة كوجود ، لان كل فرد عراقي ينتمي الى احدى العشائر ، وتحتل العشيرة في العراق اهمية خاصة ،اذ تمثل العشيرة شريحة واسعة من المواطنين ، ولها دور ايجابي في المجتمع ، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولغاية هذا اليوم ، وقد حاول نظام البعث بقيادة صدام المقبور استغلال العشائر وتوظيفها لخدمة مخططاته ضد الشعب العراقي ، والعشائر العراقية النجيبة وعت نوايا صدام وحزبه الدموي لذا كانت على حذر منه ومن نواياه السيئة ، اما بعد سقوط صدام فقد ساهمت العشائر وبشكل فاعل في القضاء على الارهاب والعصابات المسلحة ، التي تريد ابتزاز المواطنين تحت عناوين شتى ،وتعاونت مع الحكومة لاجل استتباب الامن واشاعة الاستقرار في المجتمع ،ووقفت بعض العشائر مواقف مشرفة حتى بوجه بعض افرادها من العشيرة الواحدة ، عندما انحرف هؤلاء عن الخط الوطني ووقعوا في اسر المجموعات الارهابية المسلحة ، حيث تعاونت العشيرة مع الدولة بالوقوف بوجه هؤلاء ، وقامت بتسليمهم الى السلطات ،لينالوا جزاءهم وفق القانون ، وبذلك جسدوا بشكل عملي شعار ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) بالمفهوم الاسلامي الانساني الذي ينتصر للمظلوم لا للظالم ،كما ساهمت العشائر الوطنية في حل كثير من المشاكل التي عجز القانون عن حلها وفق الاعراف العشائرية الايجابية التي تساعد في بناء الصف الوطني ، والتصدي للانحراف ، لكن الذي يؤسف له ان الشعور بالعشائرية وتبني القيم غير العادلة والمنحازة لصالح الشخص المنتمي الى جهة معينة او كتلة او حزب تسللت الى السياسة والسلطة ، فنرى كثيرا من الاشخاص السياسيين ممن يرتكبون اخطاء كبيرة او صغيرة بحق الشعب او الوطن ، اوبحق مواطن اومجموعة مواطنين ، تقف مجموعته السياسية الى صفه ،حتى لو كان مخطئا اوفاسدا اداريا اوفاشلا ،ولا يصلح للعمل في المجال الذي هو فيه ،سواء كان يتولى منصبا حكوميا مدنيا اوعسكريا ،او يتولى أي مسؤولية اخرى ،ارتكب فسادا في المجال المالي او الاداري ،اواساء الى شخص او جهة او شريحة معينة من المجتمع ،واحيانا يرتكب جريمة جنائية او ارهابية ، نرى من يقف معه من السياسيين ويدافع عنه حقا اوباطلا ، مطبقا المفهوم العشائري الجاهلي ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) ،فنرى من يدافع عن هذا المنحرف كونه ينتمي الى هذه الجهة اوتلك اوهذا الحزب او ذاك ،فيدبلج الامور حتى يسوقها لصالح الشخص الذي ارتكب الخطأ ، ويظهر وكأنه لم يفعل شيئا ،وهذا تجسيد للمفهوم العشائري السلبي الذي يدعو الى نصرة الفرد المنتمي لجهة اوحزب معين ظالما او مظلوما ،وهذا المفهوم المتعصب الذي لا يلتفت الى مفهوم العدالة ورفع الظلم عمن لحق به وعدم الانتصار له ،اذا شاع قي الوسط السياسي والحكومي سيسبب ضررا كبيرا للمجتمع ، وهذا الشعور بالعشائرية المتعصبة التي لا تنتصر للمظلوم بل تنتصر لمن ينتمي الى العشيرة السياسية ظالما كان او مظلوما والذي اسميناه ب (العشائرية السياسية ) انما هو نتيجة من نتائج المحاصصة المفروضة على الوضع السياسي في العراق ، والمرفوضة اساسا من الشعب العراقي ، لان المحاصصة دعوة الى التفريق لا الى التوحيد ودعوة لتكريس الطائفية والعنصرية ،والامثلة على ذلك كثيرة لو اردنا استقصاءها منذ سقوط صنم بغداد المقبور ولغاية هذا اليوم ، لكننا نضرب مثالا واحدا ظهر في الاعلام هذه الايام يعكس موقف العشائرية السياسية التي نتحدث عنها ، وهو الموقف بين السيدة ( عالية نصيف ) عضو البرلمان العراقي ، وبين السيد( العيساوي ) وزير المالية العراقي ، ولا نقول ان الحق هو الى جانب السيدة عالية او السيد العيساوي لاننا لانعرف تفاصيل ماجرى وكل يرى الحق في جانبه ، وربما العملية برمتها ناتجة عن سوء فهم للمواقف ، كما لا نقول ان هذه الحالة هي الوحيدة التي حصلت في الساحة السياسية العراقية بل سبقتها حالات كثيرة ، وربما سنرى او نسمع عن حالات اخرى ايضا ما دام نظام المحاصصة هو المتحكم في العملية السياسية ،لكننا نؤشر على ظاهرة العشائرية ذات النفس السلبي في التعامل مع هكذا مواقف ،والحديث طبعا عن الكتل السياسية التي ينتمي لها الاشخاص الذين يختلفون مع الاخرين ، ويجدر التنويه اننا لا ندعو الى عدم وقوف الكتلة الى جانب المنتمي لها اذا وقع الظلم او الحيف عليه ، بل لابد من الوقوف الى صفه لاننا لابد وان ننتصر للمظلوم ضد من ظلمه ، لكننا لا نتفق مع الكتلة او الحزب الذي ينتصر للفرد المنتمي بغض النظر عن التعرف من الظالم ومن المظلوم ،ان الانتصار لعضو الحزب او الكتلة من دون الالتفات ايهما على الحق وايهما على الباطل هذه هي العصبية التي تولدت من نظام المحاصصة في الساحة السياسية العراقية ، وهي التي تولد التعصب الاعمى الذي نعني به ( العشائرية السياسية ) ، مثل هذه الحالات توحي الى الناس وكأننا نعيش في عصر العشائرية ما قبل الاسلام والتي تدعو الى مقولة ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) ، وهي كثيرة اليوم في الساحة السياسية العراقية ، ونعتبرها من السلبيات ، وظاهرة غير حضارية ، ومن المؤكد انها من نتاجات المحاصصة ( المشاركة) ، والغريب في الامر ان من يدعو الى المحاصصة اما ان يكون من فئة من يعمل بأجندة خارجية ، خاصة الاجندة الامريكية ، او من فئة الفاشلين سياسيا ولا يملكون رصيدا شعبيا ، فيتشبث بالمحاصصة عسى ان يحصل على بعض المكاسب ويحقق ما عجز عن تحقيقه بواسطة صندوق الاقتراع ،ان نظام المحاصصة وما يخلف من سلبيات ، هو عبء كبير يعاني من اثاره الشعب العراقي ،والتي منها الانحياز العشوائي والتعصب الاعمى لصالح الحزب او الكتلة التي ينتمي اليها الفرد ، لذا نرى أي طرح يشتمل على نقد او تقويم واحيانا تنبيه من اجل لفت الانتباه لغرض التقويم يفسر تفسيرا عدائيا ويرد عليه بكلام مقابل وربما جارح من الطرف الاخر ،واحيانا يتطور الفعل ورد الفعل الى التهديد والوعيد وعدم الاحترام للاخر ،والشعب يرفض كل هذه الحالات السلبية التي انتجتها المحاصصة ، سيما ونحن في العراق الجديد نحتاج الى اشاعة ثقافة الاختلاف واحترام الاخر المختلف ، وعلينا ان نلجأ الى الحوار خير من لغة التهديد والتسقيط ، لان هذه القيم السلبية لا تخدم المجتمع ولا تتناسب مع الوضع العراقي الجديد المنفتح على الاخر ، اما من يبقى مصرا على ممارسة هذه السلبيات التي تهدم ولا تبني فسيكون معرضا للشبهة والارتباط بالاجندة التي تريد تخريب العملية السياسية ويصبح في الصف المعادي للوضع الجديد في العراق ، واخيرا ندعو جميع السياسيين والكتل والاحزاب ، الى الابتعاد عن لغة التعصب الاعمى ، التي تجسد المفهوم العشائري ماقبل الاسلام الذي ينتصر لابن العشيرة حقا اوباطلا ،كما ندعوهم للابتعاد عن التعنصر القومي او الديني او المذهبي ،والتحلي بروح الوطنية التي تجمع الجميع على الحب والوفاء للوطن ،وعلى كل سياسي ان لا يدعي انه يمتلك وحده الصدق والحق ، وغيره على الخطأ او الباطل فالكل وطنيون ويمتلكون نسبة من المصداقية ،لكن لكل رأيه واجتهاده في العمل مع احترام الرأي الاخر ، وعلى الجميع ان يتحركوا بروح الوطنية والابتعاد عن روح المحاصصة التي لا تولد غير السلبيات من الفرقة والكراهية واشاعة الضعف في المجتمع .
|