توطئة.
قبل الدخول في موضوع هذه الحلقة لابد من القول ان خلاصة ما تقدم من البحث هو أنه لا وجود لهذا الصيام بالطريقة التي اجمعت عليها صحاح المسلمين ، بل وجدنا أن هذا اليوم الذي انجى الله فيه اليهود من فرعون هو يوم فرح وسرور واكل الطعام والتأنق فيه كما نرى ذلك واضحا في سفر الخروج 12 : 1 ...((وكلم الرب موسى وهارون في أرض مصر قائلا: وهذا الشهر يكون لكم رأس الشهور. هو لكم أولُ شهور السنة (محرم)...في (العاشر) من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة.. تأخذونه من الخرفان أو من المواعز...وهذا (تأكلونه): أحقاؤكم مشدودة، وأحذيتكم في أرجلكم، وعصيكم في أيديكم. وهو فصح الرب. ويكون لكم هذا اليوم تذكارا فتُعيدونه عيد اللرب. في اجيالكم تُعيِّدونه فريضة ابدية)).
اذن يتبين لنا من هذه النص التوراتي ان هذا اليوم الذي انجى فيه الله بني إسرائيل من فرعون ، هو يوم (أكل) وليس يوم صيام وهذا اليوم كما عينه الله لهم هو اول اشهر السنة وفي العاشر(كما نُسميه عاشوراء) فيه يحتلفون بنجاتهم ببذل الطعام وذبح الذبائح من ماعز وخرفان ويستمر الاكل فيه من الصباح وحتى المساء. وهو تشريع يوم عيد واحتفال يستمر في أجيالهم. لابل هو فريضة أبدية فمن أين جئتم بالصيام وانتم تُبطنون الفرح في هذا اليوم الذي قُتل فيه حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
الأيادي الخفية لليهود واتباعهم .
حاول اليهود ومنذ وقت باكر على دس مثل هذه الأحاديث في مصادر المسلمين وقد ساعدهم في ذلك وجود خلفاء لا يهمهم من الإسلام غير كراسيهم ورواة لا يتورعون عن الكذب والاختلاق من اجل الحطام . فكان من اليهود امثال كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن اثال وسرجون والأخطل وغيرهم مثال على ذلك وقد نجحوا في ذلك بحيث افرد لهم المؤرخون قسما كبيرا من الحديث والتاريخ الاسلامي اطلقوا عليه (الاسرائيليات).
هذا قديما واما حديثا فقد حاول أحفاد اليهود وعملائهم تركيز دعائم الاستشراق اليهودي في البلاد العربية وفرض مفاهيمه من خلاله . وقد ساعدهم على ذلك الكثير ممن تهود فكريا وروحيا ونفسيا من أبناء هذه الأمة من علمانيين ودينيين او ممن يتظاهر بالاسلام وما أكثرهم .
فتح الدكتور طه حسين الباب على مصراعيه مساعدا الصهاينة على إنجاح مشروعهم ، فقد ألقى العديد من المحاضرات عن أثر اليهود في الأدب العربي ـ ويبدوا أنه من هنا أصبح عميدا للأدب العربي ـ ودورهم في الجزيرة العربية وتبعه في هذا اليهودي إسرائيل ولفنسون كما عمل في هذا الميدان بمثابرة شديدة خريجو مدارس الإرساليات التابعة للبروتستانت والذين يؤمنون بدعوى اليهود من أن لهم حقا في فلسطين وفي مقدمة هؤلاء : صروف ونمر ومكاريوس وزيدان وسركيس وغيرهم الذين بدءوا بنشر الحديث عما يسمى (( إحياء الآداب العبرانية ونشرها ويتحدثون عن تاريخ اليهود في الجزيرة العربية ومصادر التاريخ الإسلامي وعلى ضوء ذلك كتب مراد فرج أسماء الشعراء اليهود العرب سنة 1939 .
ثم توالت الكتب التي تُشيد بدور اليهود وأثرهم في تعاليم الإسلام فكان حصيلة ذلك مؤلفات كثيرة منها:
كتاب : الأسماء والأعلام اليهودية في القرآن ، مشتقاتها : بقلم : يوزف هوروفيتش ( 1631- 1874) .
كتاب : إشارات إلى صيغ تشريعية عربية قديمة في القرآن : بقلم : يوزف كورت زولنرنك ، نشر عام ( 1934) م
حاول مؤلف هذا الكتاب أن يثبت من خلال الدس والتحريف والاعتماد على الفرض والتخمين ، أن التشريعات التي وردت في القرآن الكريم هي من التشريعات البابلية والسومرية . وبعضها مقتبس من الديانات الأخرى التي سبقت الإسلام .
كتاب : المستشرقون والدراسات القرآنية . د . محمد حسين الصغير طبع بيروت الثانية سنة 1406 هـ 1986 م
ثم جاء المستشرق الفرنسي جوزيف هاليفي فكتب موضوع السامريون في القرآن . ونشره في المجلة الآسيوية التابعة لمؤسسة كارنيجي عام ( 1908) م
وللأستاذ بومشتارك المستشرق الألماني المولود عام ( 1871) م بحثان في علاقة الإسلام بغيره من الديانات وهما :
أ - النصرانية واليهودية في القرآن ، نشره في مجلة الإسلام ، سنة 1927 م
ب - مذهب الطبيعة الواحدة النصراني في القرآن ، نشره في مجلة ا لشرق المسيحي ، عام ( 1953 ) م
وكتب يوزف هوروفيتش مقالا بعنوان : الأسماء الأعلام اليهودية في القرآن - مشتقاتها في سنة 1925 ، وله أيضا :اشتقاق لفظ القرآن . مقدمة الفهرست لابن النديم 26 يبدو انه اقتبس منه كثيرا لوجود التشابه بينهما
وكتاب : اليهودية في الإسلام : إبراهام كاش.
مارسل ديولافوا ( 1845- 1921) . وبدون أن يقوم بدراسة المصادر الإسلامية قام بكتابة كتاب بعنوان الكنيسة والمسجد صدر ضمن سلسلة منوعات ديرنبورج سنة ( 1909) حاول فيه وبشتى الأساليب أن يدعي بأن الإسلام استقى تعاليمه من الديانة اليهودية.
يقول (آتلخان) : ((وبعد عصر النبي محمد لما رأت اليهودية أن الإسلام قد أنتشر وتمكن من القلوب وأنهم لا قبل لهم بمقاومته علانية ، اعتنق بعض خبثائها الإسلام بغية الدس فيه وأشهر هؤلاء كعب الأحبار الذي أخذ يحدث المسلمين بالإسرائيليات)) . (1)
ويزعم (سدرسكي) أن جانبا عظيما مما ورد في القرآن والتفاسير يرجع إلى الإجادة اليهودية ، وقد أشار الدكتور بشر فارس إلى فساد هذا الرأي وقال أن بين النصوص الإسلامية والنصوص اليهودية والمسيحية مسافات وأن اتفق لبعضها أن تتقارب .
أما محاولة بروكلمان في القول بأن المصادر الأصلية للقرآن مأخوذة من النصرانية فقد حاول كل منهم أن يتخصص في جانب من جوانب الشبهات المثارة .
قال كازانوفا : أن القرآن في مكة من وحي النصرانية وفي المدينة من وحي اليهود .
يقول توراندريه : لا شك أن الأصول الكبرى للإسلام مستقاة من الديانتين اليهودية والمسيحية وهذه حقيقة لا يحتاج إثباتها إلى جهد كبير .
ويقول برنارد لويس : روايته لقصص الكتاب المقدس توحي بأن معرفته به كانت عن طريق غير مباشر ، وربما كانت عن طريق التجار والرحالة اليهود والنصارى الذين كانت أخبارهم متأثرة بالمؤثرات المدراشية وكتب الأساطير اليهودية الابوكريفا .
ويقول أندرسون : ليس من شك في أن محمدا اقتبس أفكاره من مصادر التلمود وكتب الأساطير اليهودية والمصادر المسيحية .
ويقول في مكان آخر : بينما كان محمد وأصحابه يصلون مرتين في اليوم في مكة ، وثلاث مرات في المدينة كاليهود ، فقد جعلت الطقوس المتأخرة المتأثرة بالفرس عدد الصلوات المفروضة في اليوم خمسا .
ويقول : جعل الرسول يوم الجمعة يوم صلاة عامة على غرار السبت اليهودي وأنه شرع صوم يوم العاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم على غرار الصوم اليهودي في يوم الكفارة .
ويقول ترتون : الصوم أول ما شرع كان تقليدا لما عند اليهود ، ثم بدل وغير وصار أشبه بصوم النصارى مع شئ من التغاير .
وقد لخص كولد سيهر هذه المفتريات في جملة واحدة ، فقال : تبشير النبي العربي ليس إلا مزيجا منتخبا من معارف وآراء دينية عرفها واستقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها والتي تأثر بها تأثرا عميقا .
ونظرا للعلاقة الحميمية والقديمة بين اليهود ومدرسة الخلفاء فقد تبنى أهل السنة هذا المبدأ فأصبحت كتبهم تعج بروايات اليهود والنصارى مما دفع الكثير من مؤرخيهم إلى تأليف المصنفات تحت عنوان (الاسرائيليات) ولم يسلم من هذه المؤامرة إلا خط آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لتعاقب إثنا عشر إماما على حراسة وحفظ تراث النبي عليه الصلاة والسلام .
المصادر
1- أسرار الماسونية ، ت : الجنرال جواد رفعت آتلخان ، طبع بغداد الأولى 1376.