ليسوا قلة اولئك الذين يبدلون جلودهم واقنعتهم حسب تغير الظروف والحالات مثلما تفعل الحرباء وهي تتنقل من بيئة الى اخرى او من محيط الى اخر , وقد صار معتادا ان تنطلق السنة واقلام العديد ممن يحسبون على الاعلام والصحافة بالوان شتى من التصريحات والمواقف والمقالات حتى لو كان بعض ما يصدر عنهم لاحقا يخالف ما كانوا يعتقدون به ويروجون له سابقا , ومن حسن حظ القراء والمتابعين وفي الوقت نفسه من سوء حظ اولئك المتلونين ان الذاكرة المكتوبة والمقروءة محفوظة ومتاحة للمراجعة في كل حين ليستخلص منها المتابع سير الخطوط البيانية المعبرة عن درجة الانعطاف في مواقف من نعنيهم بمقالنا وقد تصل هذه الدرجة الى الارتداد تماما من اقصى اليسار الى اقصى اليمين او من اعلى محاور القيم الموجبة الى اسفل محاور القيم السالبة , وهم لايجدون حرجا في ذلك ولايعجزون عن طرح المسوغات والاسهاب في بيان الاسباب متذرعين بما لديهم من خبرة في التحليل وقدرة على الاستقراء . اما القراء والمتابعون فليس امامهم سوى رسم علامات الاستفهام وقول لاحول ولاقوة الا بالله على ما يصفون!!..ولكن ما لا يمكن ان يمر دون وقفة عنده من كتابات اولئك المتلونين انهم في غمرة مواقفهم المتبدلة يغفلون بعض تواريخ الاحداث وتخونهم ذاكرتهم فيقولون مالم يتثبتوا منه وكانه حقيقة مسلم بها وواقع معروف,وقد عرضنا لمثال من هذا القبيل في مقالنا المنشور في موقع كتابات في الميزان بتاريخ 22\9\2010 تحت عنوان (( ابراهيم الزبيدي..جهل بالتاريخ ام ذاكرة شاخت)) ورابطه:
http://www.kitabat.info/subject.php?id=660
وقد تضمن تعليقا على مقال كتبه (ابراهيم الزبيدي) في موقع كتابات ذكر فيه ان ابا العباس السفاح هو الذي قتل ابا مسلم الخراساني !!
كان (ابراهيم الزبيدي) احد ابرز الوجوه الاعلامية العاملة في الاذاعة العراقية بعد انقلاب 17 تموز 1968 ويتذكر المواطن العراقي نشرات الاخبار التي كان يقدمها بصوته وبرامجه اليومية ومنها (عزيزي المستمع) وله ايضا اطلالات على مشاهدي تلفزيون بغداد الرسمي حينذاك ثم غادر العراق معارضا وتوجه الى سوريا مقترنا بزوجته المطربة السورية (دلال شمالي) التي كانت تغني للبعث (( من قاسيون اطل يا وطني ..فأرى بغداد تعانق السحبا / وتموز يدرج في مرابعها ..والبعث ينثر فوقها الشهبا!!!!))..ولا ادري اية شهب نثرها البعث علينا واية مرابع ابقى لنا !!وبعد الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 اصبحنا نقرا للزبيدي مقالات هنا وهناك يعارض فيها العهد الجديد ... لكن ما دفعنا لاعادة استذكاره والاشارة اليه ان الكاتب نفسه نشر مقالا في موقع كتابات الزاملي بتاريخ 26\4\2011 تحت عنوان:
المأزق الإيراني في دمشق
كتابات - إبراهيم الزبيدي
ورد فيه ما نصه ((ولبيان أهم وقائع حياة القائد المؤسس_ يقصد الرئيس السوري السابق حافظ الاسد_ ندرج ما يلي:.....فتح أبوابه على مصاريعها لعصابات البعثيين العراقيين المطرودين بعد سقوط نظام صدام، يدربهم ويجهزهم ويعيدهم إلى العراق، مع قتلة القاعدة، لذبح العراقيين في المساجد والحسينيات والمدارس والأسواق والمستشفيات لأهداف وحسابات انتهازية مصلحية ضيقة وغبية، دون ريب. )) ولا يخفى على المتفحص لهذا النص ان الكاتب وقع في خطأ تاريخي واضح حيث ان الرئيس السوري السابق توفي قبل الاحتلال الاميركي للعراق وكان لاخر لحظة في حياته على خلاف شديد مع نظيره في العراق ولم يكن بين حزبيهما الا العداوة والخصام فكيف ادعى كاتب المقال ان سوريا في عهد رئيسها السابق احتضنت عصابات البعث العراقي بعد الاحتلال وهيأت لهم الملاذ والحماية وقد توفي ذلك الرئيس قبل الاحتلال وقبل ان يتشرذم بعث العراق؟ بل ان قوله هذا يناقض ما ورد في مكان اخر من مقاله اذ يقول((واندلع الصراع بين الشريرين القوييْن الدموييْن، صدام وحافظ، ودفع الشعبان، العراقي والسوري، ثمنا باهضا لذلك الصراع.)) وقوله ايضا((لم تتوقف الغارات الانتقامية الدامية بين مخابرات البعثيْن، السوري والعراقي، من عام 1979 ولغاية سقوط نظام البعث في العراق في 2003، وراح ضحيتها المئات من الأبرياء، كان آخرَها تفجيرُ السفارة العراقية في بيروت عام 1983 ...)) ثم قوله((وانتهز الأسد فرصة حماقة صدام باحتلال الكويت فوقف بشدة وإصرار إلى جانب قوات التحالف التي قادتها أمريكا لإخراج قوات الغزو من الكويت وتدمير العراق. )) ؟!! لاشك ان كاتب المقال غابت عن ذهنه سلسلة تاريخ الاحداث فلم يلتفت الى هذا الخطأ ولا شك ان عنوان مقالنا السابق لايزال ينطبق عليه..
ان تناقض اقوال الكاتب الزبيدي لا ينحصر في هذا الموضع فحسب بل يتبين ايضا في حديثه حول العلاقة مع مصر اذ يقول ((عندما حل حزب البعث نفسَه نزولا عند شرط جمال عبد الناصر لقبول الوحدة عارض حافظ الأسد وبعضُ رفاقه الضباط البعثيين الموجودين في مصر قرار الحل، وشكلوا ما سمي بـ (اللجنة العسكرية) التي شاركت في الانفصال، وقادت جميع الانقلابات التي حدثت في سوريا بعد ذلك.)) لكنه يناقض هذا بقوله لاحقا((بسبب معارضته للانفصال طرد حافظ أسد من الجيش ونقل إلى إحدى الوزرات.)) فكيف يتوافق القول بان الاسد عضو في لجنة شاركت في الانفصال مع القول بانه مطرود من الجيش بسبب معارضته للانفصال؟!! واشير هنا الى تناقض طريف من نوع اخر فهو يسمي الرئيس السوري السابق (حافظ الاسد) على الطريقة البعثية السورية ثم يسميه (حافظ اسد) على الطريقة البعثية الصدامية !! ..
فهل شاخت ذاكرة شيخ المذيعين ام اختلطت عليه حوادث الزمان؟!...
النجف الاشرف ..في 26\4\2011 |