لقد عانت المجتمعات البشرية مذ أقدم العصور التاريخية ، حتى اليوم معاناة مأساوية وكارثية على كل المستويات . وذلك بسبب الحكم والحكام السلاطين المتسلطين على رقاب الشعوب بالحديد والنار ، وبالقهر التوريثي ، وبالأمن والمخابرات وبالآسايش والباراستن والزانياري كما باللغة الكوردية ! .
وفي سبيل التحكم بالسلطة والاحتكار بها والفوز بالخيرات والثروات الوطنية الهائلة للشعوب أزهق الحكام في تاريخ بني الانسان ، في العالم كله أرواح آلاف الملايين من البشر . ولمزيد من الأسف والأسى البالغين فإن جريان الدماء الزكية البريئة للمظلومين والمضطهدين والأحرار والمثقفين والمعارضين والثوار تجري كجريان الأنهار في كثير من مناطق العالم ، وبخاصة في الشرق المكلوم وأفريقيا البئيسة وغيرها . هذا الى جانب معاناة الآلاف منهم يقبعون في غياهب السجون والمعتقلات الرهيبة ، حيث يعانون كل أشكال التنكيل والعذاب والتعذيب ! .
قبل بضعة حقب ماضية ، في جزء من العالم وهو الغرب تم حل المعضلة الأقدم والأخطر في التاريخ كله ، في مجتمعاته عن طريق الحكم والتحاكم بالنظام الديمقراطي . ولو إن الغرب كالشرق وغيره كان يعاني سابقا القهر والدمار والتخلف والاقتتال الفظيع والحروب المدمرة والعذاب الأليم . لكن رويدا رويدا تمكن من إرساء قواعد ومباديء الديمقراطية وتفعيلها نظريا وتطبيقيا . مضافا إنه تمكن من حل مشكلة النظام الملكي الذي كان سائدا يومها في الغرب كله بجعله مؤسسة رمزية فقط . وهكذا تم فك الشيفرة وحل العقدة المعقدة في الغرب ، الى حد كبير لأعظم وأقدم معضلة بشرية وهي الحكم والمعارضة والثورة والثروة الوطنية . وبذلك سار الغرب في طريق الازدهار والتطور والتقدم والرخاء والأمان وحقوق الانسان والمؤسساتية وغيرها من الايجابيات الكثيرة والكبيرة ! .
وتأسيسا لما ورد فإن الديمقراطية ليست ديكورا ، أو لونا ، أو ستارا للتستر بها وحولها ، بل إنها نظام لفلسفة الحكم السياسي والاداري للمجتمعات تقوم على مباديء معينة ومفاهيم معلومة أهمها :
1-/ التبادل الدوري القانوني للسلطة والرئاسة في المجتمعات .
2-/ عدم حصر السلطة والرئاسة في قبيلة وعشيرة ، أو في عائلة ، أو في حزب واحد .
3-/ براءة الديمقراطية وتناقضها مع الوراثة والتوريث السياسي للسلطة والرئاسة .
4-/ توزيع الثروات الوطنية توزيعا عادلا .
5-/ تفكيك السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية عن بعضها .
وفي حزب وإقليم وسلطة ما اذا لم تكن الديمقراطية ذو فاعلية تطبيقة بهذا النمط فالتظاهر بها ، أو تأسيس حزب بإسمها لا يعني على الاطلاق إن هذا الحزب ، أو هذه السلطة هي ديمقراطية ، لأن العبرة هي بالممارسة والتنفيذ والتطبيق والتجسيد الحيوي والملموس على أرض الواقع ، وما سواه فهو من باب التحايل على الناس والضحك على الذقون ! .
ومن غريب المفارقات وعجيب التناقضات إنه في الشرق المبتلى بأنواع البلوى فيه الكثير من الأحزاب والسلطات قد تأسست بإسم الديمقراطية [ وهكذا أسماء أخرى وهم من حقيقتها وتطبيق مفاهيمها براء ! ] ، لكنها بالممارسة والتطبيق العملي في واد والديمقراطية في واد آخر . لهذا لم يتطور الحكم السياسي ويزدهر في الشرق ليتجه صوب العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية .
والطامة الكبرى إن تلكم الأحزاب والسلطات تدعي الديمقراطية وتزعم بها وحكامها السلاطين هم حكام لمدى الحياة من جانب ، ومن جانب ثان فإنهم قد شرعنوا وقننوا التوريث السياسي للحكم والرئاسة وفرضوها فرضا على المجتمعات . ومن أحد المجتمعات الذي يعاني من هذه المعضلة هو الشعب الكوردي في إقليم جنوب كوردستان من قبل أحزابه كافة ، وبخاصة الحزب [ الديمقراطي ] الكوردستاني الذي يترأسه السيد مسعود بارزاني ! . |