• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : السيد الشهيد محمد باقر الصدر لمحات من سماته الشخصيه وومضات من فكره : القسم الثاني .
                          • الكاتب : علي جابر الفتلاوي .

السيد الشهيد محمد باقر الصدر لمحات من سماته الشخصيه وومضات من فكره : القسم الثاني

ومن سمات السيد الشهيد ( قدس ) أسلوبه المتميز بالموضوعية والعلمية والمنهجية ومخاطبة العقل ومقارعة الأفكار المخالفة بالحجج العلمية الموضوعية فلم يكن نسقياً بمعنى طرح المفاهيم التي يريد توصليها بالأسلوب الذي سار به من سبقه ، فقد كان السيد الشهيد ( رض ) ، لا يؤمن بالأسلوب الواحد كنسق في التعامل مع الأمة ومع العالم ، فهو يميز بين النظرية وبين الواقع ، فالإسلام نظرية لا تخضع للتغيير كونها نظرية إلهية غير خاضعة للتبدل أو التغيير )) أن هذا الدين هو اشرف رسالات السماء وخاتم تلك الأديان الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى للإنسان في كل مكان وفي كل زمان ، ولهذه الصيغة النظرية للرسالة صيغة ثابتة لا تتغير ، ولا يمكن أن نؤمن فيها بالتجدد))المحنة وحب الدنيا ـ السيد الشهيد . 

 
فالسيد الشهيد ( قدس ) من خلال منهجه الموضوعي في تحليل النظرية القرآنية للمجتمع يحدد الثابت من النظرية الإسلامية والمتغير منها ، فهناك خطان وفق النظرية القرآنية الاجتماعية خط علاقة الإنسان بالطبيعة وخط علاقة الإنسان بالإنسان هناك استقلال بين الخطين من جهة وتفاعل بينهما من جهة أخرى ، فالاستقلال نسبي )) هذا الاستقلال النسبي يشكل القاعدة لعنصر الثبات في الشريعة الإسلامية والأساس لتلك المنطقة الثابتة من التشريع التي تحتوي على الأحكام العامة المنصوصة ذات الطابع الدائم المستمر في التشريع الإسلامي(( هذا الاستقلال بين الخطين هو ما يعبر عنه بحالة الثبات في النظرية الإسلامية ، أما المتغير منها سماه الشهيد الصدر( ( قدس )) بمنطقة الفراغ في كتابه) اقتصادنا ( وهذا الفراغ هو )) الأساس للعناصر المرنة والمتحركة في التشريع الإسلامي ..... هذه العناصر المتحركة والمرنة والتي ترك للحاكم الشرعي إن يملأها(( المحنة وحب الدنيا . هذا ما يتعلق برؤية السيد عن النظرية الإسلامية ، فهو لم يعطها الثبات الجامد بل هناك المتغير منها ) الفراغ ( الذي يملأه الفقيه المجتهد حسب فهمه وامكاناته لفهم الظروف والمستجدات والاحاطة بعوامل التطور وحاجات ومصلحة الإنسان . إما ما يتعلق برؤية السيد الشهيد ( رض ) عن الواقع ، فنظرته لهذا الواقع تأتي بمنظار متجدد ملتزم فهو لم يكن نسقياً في التعامل مع الواقع ، بل يدعو إلى أن يكون التعامل مع الواقع متغيراً حسب الزمان والمكان ، لأن لكل نظرية لابد لها من واقع تطبق عليه وألا تصبح نظرية خياليه ، وبما أن النظرية الإسلامية هي نظرية واقعية ، فلابد من أسلوب لتطبيق هذه النظرية هذا الأسلوب في العمل واقعه ومساحته الأمة المسلمة إذ هي التي ستطبق مبادئ هذه النظرية ولكن بأسلوب متغير حسب الزمان والمكان فالسيد الشهيد ( قدس ) لا يدعو إلى تطبيق الأسلوب الثابت في التعامل مع الأمة لأجل تطبيق النظرية واعتبر ذلك عيباً وخللاً في تطبيق النظرية ويعلق الشهيد على هذه الحالة في العمل في كتابه المحنة بقوله )): أما العمل في سبيل هذه النظرية ـ يقصد النظرية الإسلامية ـ أساليب العمل الخارجي ... في حالة العمل كانت لدينا حالة أنا أستطيع أن اسميها الاستصحابية لأساليب العمل ) حالة النزعة الاستصحابية ...( الاستصحاب الذي قرأناه في الأصول طبقناه على أساليب العمل ... وطبقناه على حياتنا ، فكنا نتجه دائماً إلى ما كان و لا نفكر أبداً في انه هل بالامكان أن يكون أفضل مما كان ؟ 
 
وهذه النزعة الاستصحابية إلى ما كان والحفاظ على ما كان، تجعلنا غير صالحين لمواصلة مسؤولياتنا ، وذلك لان أساليب العمل ترتبط بالعالم ... ترتبط بمنطقة العمل ... وترتبط بالبستان الذي تريد أن تزرع فيه ، وهذا البستان ... هذه الأمة التي تريد أن تزرع فيها الخير .. التقوى ... الورع .... الأيمان ...هذه الأمة ليست حالة واحدة ، الأمة تتغير نعم إسلامك لا يتغير ... لكن الأمة تتغير ... الأمة اليوم غير الأمة بالأمس في مستواها الفكري ... في مستواها الأخلاقي ... في علائقها الاجتماعية .... في أوضاعها الاقتصادية ... في كل ظروفها .. الأمة اليوم غير الأمة بالأمس (( . هكذا ينظر السيد إلى أساليب العمل ويرفض الجمود في أسلوب التعامل مع الأمة )) لابد لنا أن نتحرر من النزعة الاستصحابية ، من نزعة التمسك بما كان حرفيا بالنسبة إلى كل أساليب العمل ، هذه النزعة التي تبلغ القمة عند بعضنا )) هذه الاستصحابية أو النسقية هي التي اعتبرها الشهيد خللاً في التعامل مع المجتمع هذا المنهج جعل الشهيد يميّز بين نوعين من التفكير تفكير رياضي يتم التعامل به مع العلوم البحتة ، أما المجتمع فله نسق في التفكير مختلف يقوم )) على أساس الحدس الاجتماعي ـ الذي ـ يتكون من الخبرة والتجربة ومن الإطلاع على ظروف العالم وملابساته(( ـ المحنه وحب الدنيا
 
 
 
ومن سمات شخصيه الشهيد ( قدس ) ابتعاده عن النسقية في الأسلوب كما أسلفنا أو كما اسماها هو الابتعاد عن الاستصحاب ، أيضاً من سماته انه يخاطب العقل في طرحه للمفاهيم التي يريد توصليها للأخر ، ففي بحثه ) النبوة الخاتمة( ، يتناول السيد الشهيد وبأسلوب عقلي موضوعي لماذا التجديد في النبوات بمعنى بعد كل فترة يبعث نبي ، ولماذا كانت نبوة محمد ( ص ) خاتم النبوات ؟ فبحثه يعتمد )) على تقصي الأسباب من زاوية عقلية))فعندما يتساءل الشهيد عن أسباب التجديد والتغيير في النبوة بمعنى )) لماذا لم يحل معضلة الإنسان نبي واحد ، أو رسالة واحدة ؟ ((يجيب الشهيد على هذا التساؤل بأربعة أسباب نذكرها ليطلع عليها القارئ وليأخذ لمحة عن منهجه العقلي في الإجابة على التساؤلات المتعلقة بتجديد النبوة: 
 
1. استنفاذ غرض النبوة . 
 
2. انقطاع تراث النبوة . 
 
3. محدودية نفس النبي . 
 
4. تطور الإنسان المدعو . 
 
فكل سبب من الأسباب السابقة هو سبب معقول لتغيير النبوة وتجديدها ، فالسبب الأول مثلا عندما تكون النبوة لعلاج حالة معينة في المجتمع ، أي حالة مرضية غير صحيحة فتاتي هذه النبوة لعلاج تلك الحالة ، وبعد انتهاء العلاج لا يعقل أن تستمر النبوة العلاجية هذه كخط عام للإنسان في المستقبل )) فمثلاً ما يقال من إن المسيحية كانت تتجه إلى نزعة روحية مفرطة ـ يعني الإفراط في الروحية ـ والتركيز على الجانب الغيبي بدرجة اكبر بكثير من التركيز على أي جانب من جوانب الحياة المعاشة المحسوسة .. والتركيز على جعل النفس منقطعة عن كل علائق الدنيا ، هذا التركيز الذي قامت على أساسه فكرة الرهبنة المسيحية كان علاجاً لمرض كان يعيشه شعب بني إسرائيل حينما ظهرت المسيحية . هذا المرض ـ وهذا الانغماس المطلق في الدنيا .... وهذه الحالة النفسية التي تجعل الإنسان اليهودي مشدوداً إلى درهمه ، وديناره ، ويومه ، وغده)) ،النبوة الخاتمة . 
 
مثل هذه الحالة تعتبر حالة مرضية تحتاج لعلاج ، فجاءت المسيحية لعلاج حالة المادية المسيطرة على الإنسان اليهودي ، والتي تعتبر شذوذاً )) وانحرافاً لأنه دواء للمريض وليس طعاما للصحيح(( 
 
فهذا السبب وكذلك الأسباب الأخرى هي أسباب موضوعية يتقبلها العقل كحجة يقنع بها الإنسان العاقل بالأسباب التي تدعو إلى التجديد والتغيير في النبوة فمخاطبة العقل هي سمة أخرى من سمات أسلوب السيد الشهيد ، تضاف إلى السمة السابقة التي تميز بها الشهيد في أسلوب طرحه لتصوراته والمفاهيم والنظريات الإسلامية التي يريد تبليغ الأمة بها وهو الأسلوب العلمي المستند إلى جمع الحقائق الموضوعية والأدلة الواقعية والتحليل لهذه الأدلة لصياغتها بما يخدم الهدف الذي يروم تحقيقه وهذا الأسلوب تميّز به السيد الشهيد عن غيره من الباحثين والمفكرين الإسلاميين فهو لم يلجأ إلى مسلّماته الشخصية . لإقناع الأخر ، حتى لو كانت نصوصاً من القران أو السنة ، على اعتبار إن الأخر ليس بالضرورة أن يكون مؤمناً بالنص المُتبنى عند المحاور كحجة وان امن به كوجود لكن مضمون النص مُختَلََف عليه عند الاثنين ، أذن لا يمكن الاستدلال به كحجة ، لذا فالسيد الشهيد يلجأ وبقدرات عالية إلى الأسلوب العلمي المنهجي في إثبات المفاهيم والأفكار التي يريد أقناع الآخرين بها ، ولجوؤه إلى هذا المنهج العلمي أثار عليه بعض الشبهات ممن يقعون ضمن دائرة النسقية والنصيّة التي لا تستعين بالمنهج العلمي الموضوعي في الاستدلال لذا فالسيد الشهيد يعتبر سابق لثقافة عصره الذي عاش فيه .  وكمثال على ذلك كَتَبَ الشهيد بحثاً بعنوان (( بحث حول المهدي )) إذ يناقش فكرة المنقذ والمخلّص للبشرية واليوم الموعود الذي تسود فيه العدالة وينتهي الظلم بأسلوب نفسي موضوعي يتناغم مع تطلعات الإنسانية في الخلاص إذ يقول )) ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب ، بل عنوان لطموح اتجهت أليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها ، وصياغة لإلهام فطري ، أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب ـ إن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض ..... بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي على المؤمنين دينياً بالغيب ، بل امتد إلى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على اشد الأيدلوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات ، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات ، وامنت بيوم موعود ، تصفي فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام(( وهكذا لأسباب نفسية فطرية تؤمن البشرية بهذا اليوم الموعود ويأتي دور الدين لدعم )) هذا الشعور النفسي العام ((
 
فالسيد الشهيد يثبت بالأسلوب النفسي العلمي أن اليوم الموعود طموح أنساني للخلاص من الظلم ثم تأتي الفكرة الدينية لتنسجم مع هذا الطموح وتدعمه وتعطيه وضوحاً اكبر ، فالمسلم تأتيه القناعة بفكرة المهدي عن طريق العلم والاستعداد النفسي العام وعن طريق الدين والنصوص التي تؤكد هذه الفكرة . وبنفس الأسلوب العلمي هذا يخلص الشهيد إلى نتيجة مفادها أن طول عمر الإنسان لا يتعارض مع الطبيعة البشرية والسنن الإلهية وقد وجد في التاريخ من البشر من وصل عمره ألف عاماً إلا قليلا كالنبي نوح ، ويقول السيد الشهيد )) ولا ادري هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط ، بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد ، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة ؟ّ! احدهما مارس دورهُ في ماضي البشرية وهو نوح الذي نص القران الكريم على انه مكث في قومه ألف عام إلا خمسين سنة ، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد ، والأخر يمارس دورهُ في مستقبل البشرية ، وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم(( ويعلل السيد الشهيد إطالة العمر بعاملين اولهما انه يتم بواسطة القوانين الطبيعية التي أودعها الله تعالى في الكون ولم يتح للبشرية أو العلم أن يكتشفها الآن ، وربما تأتي مئات من السنين حتى يتمكن الإنسان أن يفهم أو يكتشف هذه القوانين الطبيعية التي مكنت الرسول ( ص ) للإسراء إلى السماء أو )) اتاحت لأخر خلفائه المنصوصين العمر المديد قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك (( والعامل الثاني يتحقق طول العمر فيه بمعجزة إلهية تعطل القانون الطبيعي تحقيقاً لأمر الهي تتطلبه المحافظة على رسالة السماء أو الحفاظ على حياة حجة الله في الأرض كضرورة لإنجاز مهمة هذا الحجة على الأرض ، كما حصل لإبراهيم ( ع ( عندما القي في النار ، أو خروج النبي محمد ( ص ) ، من بين حشود الناس من قريش وهي مجتمعة لقتله ، حينئذ تتدخل الإرادة الربانية لتعطيل ذلك القانون )) وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعد لها ربانيا فانه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقا لما تقرره القوانين الطبيعة (( . 
 
وهكذا نرى السيد الشهيد كيف يسوق الأدلة الموضوعية والعلمية لطرح أطروحة الإمام المنتظر أو اليوم الموعود ليثبتها إلى العقل السليم خارج أطار النص أو النقل.
A_fatlawy@yahoo.com 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5168
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 04 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15