بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً{115}
تبين الآية الكريمة ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ ) , نهيه عن الاكل من تلك الشجرة , ( مِن قَبْلُ ) , ان يأكل منها , ( فَنَسِيَ ) , نسي العهد , ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) , تصميم وارادة , عزما وحزما , وصبرا عما نهي عنه .
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى{116}
تبين الآية الكريمة ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ) , قول الله تعالى هنا بمعنى الامر , ( اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ) , امر الله تعالى جميع الملائكة بالسجود لادم , فامتثلوا الامر الالهي , ( إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ) , استثناء ابليس اللعين , رفض الامتثال .
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى{117}
تروي الآية الكريمة خطابه عز وجل لادم وحواء "ع" ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ ) , اشارة الى ابليس اللعين , فأنه العدو الاول والاخير لادم وحواء وذريتهما , ( فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ) , التي انزلكما الله بها , ( فَتَشْقَى ) , من الكد والكدح في طلب المعاش , وتحمل مشاق الحياة , وما يعتري الانسان فيها من تعب ومرض ... الخ , يلاحظ ان النص المبارك خاطب ادم "ع" فقط , في ذلك عدة اراء منها :
1- خوطب الرجل , لان الرجال قوامون على النساء .
2- لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى{118}
يستمر الخطاب الرباني لادم "ع" مبينا :
1- ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا ) : يبين النص المبارك مؤكدا عدم وجود الجوع في الجنة .
2- ( وَلَا تَعْرَى ) : وكذلك يؤكد النص المبارك عدم وجود العـري فيها ايضا .
وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى{119}
يستمر الخطاب الرباني لادم "ع" مضيفا في البيان :
1- ( وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا ) : يؤكد النص المبارك على نفي العطش في الجنة .
2- ( وَلَا تَضْحَى ) : كما ويؤكد النص المبارك ايضا الى عدم تعرضك لحر الشمس .
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى{120}
تكشف الآية الكريمة ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ ) , ان الشيطان الرجيم دخل على ادم "ع" عن طريق الوسوسة , ( قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) , يذكر النص المبارك جانبا من تلك الوسوسة , وكانت تصب في محورين :
1- ( قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) : شجرة من يأكل منها يخلد , ولا يموت ابدا , من طبائع الانسان انه يبحث عن الخلود , فكان هذا محور الوسوسة الاول .
2- ( وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) : لا يزول ولا يفنى , من طبائع الانسان انه يطلب ما لا يفنى من النعم , فكان محور الوسوسة الثاني .
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى{121}
تروي الآية الكريمة ( فَأَكَلَا مِنْهَا ) , استجاب ادم وحواء لتلك الوسوسة الشيطانية , فأكلا من الشجرة , ( فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) , فكانت النتيجة ان ظهر لكل منهما عورة الاخر , وسميت سوأة , لأنها تسوء صاحبها , ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ) , اخذا ورق الجنة , الزقاه عليهما , ليسترا نفسيهما به , ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ ) , بالأكل من الشجرة , ( فَغَوَى ) , ضل عن طلبه في الخلد والملك الذي لا يفنى , فتبين ان ابليس اللعين كان عدوا لهما , يعد هذا الامر بمثابة درس عملي لادم وحواء , ادركا من خلاله عداوة ابليس اللعين وخطورته عليهما وعلى ذريتهما .
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى{122}
تبين الآية الكريمة ( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ ) , قربه , ( فَتَابَ عَلَيْهِ ) , قبل توبته , ( وَهَدَى ) , الى الثبات على التوبة , وكذلك التمسك بأسباب العصمة .
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{123}
تروي الآية الكريمة خطابه جل وعلا لادم وحواء ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً ) , الخطاب لادم وحواء , ويندرج ابليس اللعين معهما , كونهم اصل الذرية , فآدم "ع" ابو البشر , وابليس اللعين ابو الشياطين , ( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) , فيها عدة اراء نذكر منها :
1- عداوة الشياطين للإنس .
2- العداوة فيما بينهم , كعداوة البشر لبعضهم البعض , وكذلك عداوة الشياطين لبعضهم .
3- كلا الامرين السابقين , وهو المتحقق , حيث يعادي البشر بعضهم بعضا , من جهة , ومن جهة اخرى يعاديهم الشياطين , والشياطين بعضهم لبعض عدو .
لكن الآية الكريمة لم تغفل ان تذكر ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ) , كتب سماوية , رسل وانبياء , ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) , فمن اختار الهدى واتبعه فانه لا يضل في الدنيا , ولا يشقى في الاخرة .
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{124}
تبين الآية الكريمة حال الجانب الاخر , الجانب الذي اختار الاعراض عن هداه جل وعلا ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ) , كتبي ورسلي وانبيائي , فقابلهم بالجحود والتكذيب , ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ) , ضيقة , وفسرها بعض المفسرين على انها عذاب القبر , كما يرى السيوطي في تفسيره الجلالين , ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) , يبين النص المبارك حال الكافر عند الحشر يوم القيامة , يكون اعمى .
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً{125}
تروي الآية الكريمة قولا للكافر الاعمى يوم القيامة ( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى ) , في الاخرة , ( وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ) , وقد كنت بصيرا في الدنيا .
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى{126}
تروي الآية الكريمة الجواب على سؤال الكافر ( قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا ) , كذلك هو الامر , حيث ان آياتي البينات اتتك في الدنيا , ( فَنَسِيتَهَا ) , عميت عنها , تركتها , ولم تؤمن او تنظر لها , ( وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) , كذلك اليوم تترك في العمى والعذاب في النار .
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى{127}
تبين الآية الكريمة ( وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ) , بالمثل نعاقب من اسرف ( تجاوز الحد ) على نفسه بالشرك وركوب المعاصي , ( وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ) , بما جاء به الرسل والانبياء "ع" , ( وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ) , يبين النص المبارك ان عذاب الاخرة اكثر ايلاما , وادوم بقاءا .