• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وترجل الفارس السادس .. السيد علوي قامة دين وجهاد .. هلا عرفتموه!! .
                          • الكاتب : السيد جعفر العلوي .

وترجل الفارس السادس .. السيد علوي قامة دين وجهاد .. هلا عرفتموه!!

 اللقاء الأول،،،
  لعله في 1979 حين التقيت بالسيد علوي السيد حسن في جلسة عمل رسالية، فأعجبتني شخصيته، فهو من جانب طويل القامة، عريض المنكبين، وأكبر مني سناً بشكل ملحوظ ولكنه في غاية التواضع والخلق الحسن، ويعرفني بشكل عام وكذا عائلتي ووالدي بالخصوص، وبدأ في الحديث بشكل سريع. وكان قد قيل لي أن السيد علوي من أبرز العاملين في منطقته الماحوز، كما أنه بحكم عمله مهندس في شركة "بتلكو" وأصبحت لديه علاقات رسالية بعدد من العاملين معه. وحين انغمست في الحديث وجدت خارطة عمله مزدحمة بالشباب والأنشطة، عندها أدركت أنني أمام إنسان مؤمن غير عادي  يملك جدية وإخلاصاً. ثم أدركت أنه من خيرة المريدين لأستاذنا المجاهد آية الله السيد هادي المدرسي وممن يهتم بحضور صلاة الجماعة خلفه وحضور محاضراته.   
السيد علوي قد أكمل دراسته في بريطانيا وهذا مما زاده تعدداً في علاقاته مع أطراف إسلامية متنوعة وأكسبه معرفة حضارية عامة. وكان يحضر لقاءات في دار الحكمة في لندن ويعرف عدداً من القيادات والشخصيات هناك.  إلا أن السيد (أبو عباس) جبل على التواضع والبساطة إلى حد كبير، فلم تكن تغره المواقع والسفرات والدورات التي يحضرها من جانب عمله. 
شخصية واعية عاملة   
   وتعمقت العلاقة مع هذا المؤمن الذي كان يعمل بملء طاقته وأكثر، كما كان لديه حضور اجتماعي متميز في قريته، ويتحمل مسئولية الاهتمام والتربية الدينية  بالشباب والأولاد في منطقته وقرية الغريفة التي تربطه بها علاقات النسب والجوار.
لقد كان السيد علوي واعيا للوضع القائم وضرورة تحشيد الشباب وتنظيم الصالح منهم للعمل الرسالي وهذا ما جعله يتفاعل بهمة عالية ويسعى بكل قوة لتحقيق انجازات في هذا الشأن، ساعده على ذلك يقينه وتوكله على الله وسعة قلبه التي كانت تترجم في جمالية الإبتسامة والضحكة التي لا تفارقه. 
    
عزيزاً رغم آهات السجن
بعد اعتقالي الأول وهجرتي الى بريطانيا في منتصف 1980 لم أر السيد أبو عباس الا بعد عام، وفي قضيتنا (ديسمبر 1981) اعتقل قبلي بيوم أو أكثر. في المعتقل كنت أسمع المجرم الجلاد عادل فليفل يسخر منه ويعمد الى إهانته بشكل خاص، وقد تعرض كبقية الأخوة الثلاثة والسبعين الى صنوف التعذيب ثم الإيذاء النفسي والجسدي الذي استمر حتى عام 1989حيث كنا محشورين فقط في زنازننا بلا مراوح ولا مكيفات وفي الصيف تلتهب أجسادنا بالطفح الجلدي المؤذي. وكم كان يؤلمني ويؤلم أحبتنا في السجن إذا تعرض أبو عباس لكبر سنه وشيبته للأذى أو الضرب لسبب تافه ولكنها حماقة وإجرامية ضابط السجن إيراهيم الخليفة وزبانيته العاملين معه.
وفي السجن كان المرحوم يسعى بكل ما أوتي من وجاهة وشخصية ومنطق  لتخفيف الضغوطات على السجناء عبر مقابلة ذلك الضابط ورؤسائه ويبدي لهم من الحجج أن ما يجري خلاف الإنسانية والعدل فيقابلوه بلؤمهم واستهزائهم، ولكن لم يمنعه ذلك من الاستمرار في المطالبة. 
      وقد سعى المرحوم لاكتساب المعارف؛ فيلتهم الكتب الواحد بعد الآخر بعد أن سمحوا بها لنا في آواخر الثمانينات. وكنت أجري معه حوارات حول ما يقرأ حيث يلخص لي وجهات نظره في الكتب التي يقرأها. ورغم طول البلاء وشدته في السجن حيث لم نر أهالينا طوال الخمسة أعوام الأولى، وكنا في حالة شبه مجاعة بسبب قلة الطعام كماً ونوعاً في السنين الأولى ومعظمنا نقص وزنه بشكل ملحوظ، أمام كل ذلك كان السيد علوي صابرا مصابرا، وفي أحاديثه العامة لزملائه السجناء كان يبث الرؤية الإيمانية ويذكرنا بالأنبياء والأئمة عليهم السلام وأمل التغيير قوياً جداً في نفسه، إلا أن تلك المعاناة وتعذيب المخابرات وعذابات السجن أثرت في صحة السيد بشكل ملحوظ ولم يعد كما كان قبل.
       لقد كانت أعوام السجن مليئة بالغصص والنكبات ولكن مملؤة أكثر بالتقدم الإيماني والمعرفي والاجتماعي بل بالراحة النفسية العميقة حيث كنا -نحن الثلاثة والسبعون - أسرة رسالية واحدة متماسكة وكان الجو العام في حالة من التفاعل والحيوية والتفاؤل بالفرج العام لبلدنا ولنا كسجناء قدماء وباتت اللطائف والمزحات الجميلة هي البلسم الدائم ناشرة عبق المحبة الرائعة بين الأخوة.
حرية وعناء
  في عام 1993 أطلقوا سراحه بعد أن قضى 12 عاماً في السجن وكان محكوماً بخمسة عشر سنة وحينها كان يعاني من آلام جمة ومتاعب جسدية. وافترقنا ما يقارب ستة أعوام وبعد الإفراج عني في 1999 التقيته ولكني وجدته في حالة صحية متعبة حتى كنت أتألم كثيراً لحاله وأوصي أولاده بالعناية به. رغم ذلك كان يحاول الرجوع الى عمله السابق. وأقولها بحق أن مجتمعنا لم يقدر جهود الأخوة الثلاثة والسبعين ولم يتم احتضانهم مادياً ولا حتى معنوياً سوى من التيار الرسالي الذي وقف وحده محيياً ومذكراً بهم حتى أقام احتفالاً بحقهم أغلقت على أثره  جمعية العمل الإسلامي لمدة شهر ونصف. 
     
في السنوات الأخيرة بقى رحمه الله طريح الفراش والمرض لعدة أعوام فاقداً للذاكرة والصحة ولكنه ظل في قلوب معارفه وأحبته طودا شامخا من التدين والأخلاق والعمل والحكمة. 
أبطال من الأخوة  73 فقدناهم
    في السجن فقدنا شاباً مؤمناً منا تعرض لنكسات نفسية حادة بسبب التعذيب هو الشهيد رضي زين الدين من الدراز، وفي السجن سمعت برحيل المجاهد البطل والمؤمن الفذ جعفر العيسرينه بالمرض القاتل. ثم انتقل بعد خروجي من السجن (1999) بأعوام الى رحمة الله الشهيد الحي -كما كان يطلق عليه- عباس العيسرينه (كلاهما من رأس رمان) بعد عذاب مرض نفسي خانق بسبب السجن، وأخيراً في ظل هذه الثورة ترجل الفارس بعد الفارس الى حومة المنية حيث فقدنا المجاهد البطل الحاج محمد حسن مكي (من دمستان) ثم المؤمن الطيب عبدالله أحمد يوسف (من الحجر). وأخيراً ترجل السادس منا وهو القائد المجاهد الصابر الحكيم أبو عباس. وعزاؤنا فيهم كربلاء وأبطالها.
فرحمك الله يا أبا عباس.. يا عنوان المعرفة والإيمان والعمل، ولعن الله ظالميك ومانعي حقك الخاص والعام، ولئن حال الموت بينك وبينهم فحسابهم القادم عسير (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ).
 
حلمك سيتحقق 
   أما الآن فنم هادئ البال في عالمك الجديد فقد أديت ما عليك بعد عمر بلغ 67 عاماً، وهاهي الأجيال الشابة المؤمنة في البحرين والمنطقة تتحرك لتحقيق حلمك في دولة يسودها العدل الإلهي وترتفع فيها رايات آل محمد الذين أحببتهم وقلت لي في لحظات مريرة (هم وحدهم منجوك فتوسل بهم) وتحققت تلك النجاة. 
 
      فسلام عليك أيها السيد العلوي يوم ولدت ويوم عذبت وامتحنت ويوم رحيلك مظلوماً ويوم تُبعث حيا. ولتطمئن أيها الفارس المؤمن أن راية تحرير الوطن التي حملتها وعملت تحت ظلها، هي اليوم خفاقة تتقدم وتتجدد في عزيمة الثوار الأبطال حتى ترتفع على كامل أرضنا طاهرة مطهرة من دنس المحتلين وآثارهم، ويعلو صوت التوحيد والتكبير والتهليل والعدل والحرية والكرامة على أرض البحرين الكبرى في فرحة عظمى وأمجاد فرج إمام وعالم يقترب.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=49357
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13