• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أسحار رمضانيّة (22) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أسحار رمضانيّة (22)

   {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}.

   ما هي هذه الرسالات؟ ومن هو هذا (الاحد) الذي يجب ان لا يخشاه المُبلّغ؟ ولماذا؟.

   اعتقد ان رسالات الله تعالى عبارة عن كل ما يحقق كرامة الانسان التي وردت في قوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} ومنها:

   اولا: العدل والإحسان، كما في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

   ثانيا: احترام خصوصيات الآخرين، وعدم التجاوز عليها، كما في قوله تعالى {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

   ثالثا: الوفاء بالوعد، كما في قوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}. 

   رابعا: والوفاء بشكل عام، كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} وقوله تعالى {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} وقوله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} وقوله تعالى {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ}.

   اذن، هي منظومة متكاملة لا يصلح بعضها الا بالبعض الاخر، فلا يمكن ان نأخذ بجزء منها وندع الأجزاء الاخرى، لانها ستكون رسالات ناقصة وربما مشوّهة، وهذا ما يفعله أدعياء الدين من المتزمّتين والإرهابيّين الذين يأخذون من الرسالات ما يحقّق مآربهم ويغضّون الطرف عما لا يُعجبهم او لا يحلوا لهم او لا يساعد على تحقيق أهدافهم ومآربهم، ولقد تحدث القران الكريم عن هذه الحالة المريضة بقوله عز وجل {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فيما يحاول بعضهم لٓيّ عنق الحقيقة القرانية لتخدم أجنداته الحزبية الضيقة او الطائفية المقيتة، ولقد أشار اليهم القران الكريم بقوله {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.

   انهم يبحثون عن كل ما ينسجم مع أهدافهم المريضة، اما الذي لا ينسجم منه فتراهم يكفرون به، كما يحدثنا عن ذلك القران الكريم بقوله {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.

   وهم يكتمون الحقيقة القرانية كلما تعارضت مع أهدافهم المريضة، يقول تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ليس جهلا ابدا، فهم يعرفونها حق المعرفة، الا انهم كما يصفهم القران الكريم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

   وها نحن اليوم نرى نماذج سيئة منهم، يحرّفون ويغيّرون ويبدّلون ويحكمون بغير ما انزل الله تعالى، بحجة الخلافة وإقامة الدين، والدين منهم بُراء! فمن أجاز لهم ان يخيّروا شعبنا المسيحي بين الجزية والقتل، او الطرد من بيوتهم وأملاكهم؟ الم يقل رسول الله (ص) {الناس مُسلّطون على أموالهم وأنفسهم وحقوقهم}؟ الم يقل (ص) {من آذى ذمياً فانا خصيمه يوم القيامة}؟ فاي دين هذا الذي يلبسونه لبس الفرو مقلوبا؟ أيّة خلافة هذه التي يبشّروننا بها، وهي تقوم على القتل والذبح وانتهاك الأعراض والاعتداء على حقوق الناس؟ انتم أيها الغرباء، من أجاز لكم طرد أبناء المناطق الأصليين الذين عاشوا آلاف السنين فيها، بتعايش تام ووئام مع بقية الأهالي؟.

   اذن، فهذه الأصناف من الناس لا يبلّغون رسالات الله تعالى ابدا، من جانب، وأنهم يتصدون بالحرب والقتل والتدمير لكل من يسعى لتبليغها بالشكل الصحيح والسليم، ولذلك يلزم ان لا يخشاهم المبلّغ ابدا، فلا يخاف سلطانهم ولا يخشى إعلامهم التحريضي والتضليلي ولا يخاف حربهم النفسية التي يستهدفون بها المصلحون الذين يبلّغون رسالات الله تعالى.

   وهناك طائفة اخرى تحارب الذين يبلّغون هذه الرسالات، وهي المتمثّلة بأعوان الظلمة او القائد الضرورة، الذين يرفضون النقد ويتربصون بمن يسعى للإصلاح السياسي القائم على التعددية والحوار والتعايش والاعتراف بالآخر والشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات المجتمع المتعدّد الأعراق والأديان والمذاهب والكتل والاحزاب، يتربصون بهم بالتهمة والطعن بالولاءات والدعايات التسقيطيّة الرخيصة والتهريج ضدهم.

   هؤلاء، كذلك، يلزم ان لا يخشاهم صاحب المشروع الإصلاحي، الذي يهدف الى تبليغ رسالات الله تعالى، ففي كل مجتمع توجد فيه هذه النماذج من الجماعات التي تلتفّ حول القائد الضرورة همّها الدفاع عنه والتبرير له ومحاربة الآخر اذا اختلف معه وبأيّة طريقة من الطرق السياسية المدنية البعيدة كل البعد عن العنف والإكراه.

   انهم يرون انفسهم من خلال القائد الضرورة، ولذلك يشعرون بتفاهتهم اذا ما غاب عن الساحة، فتراهم يدافعون عنه حقاً وباطلا.

   وهي التي تجدها على موائد الطغاة تلحس فضلات قصاع القائد الضرورة، وتملأ جيوبها بالمال السحت الحرام، مقابل ان تتربص بالآخر الدوائر، وهي تافهة لدرجة انك تراها تنقلب حتى على ولي نعمتها بمجرد ان تتغير موازين القوى وتنقلب الكفّة، ولقد حدّثنا عنها القران الكريم بقوله {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.

   ان صاحب الرسالة يجب ان لا يخشى كل هؤلاء، لانه سيفشل في رسالته ولم يحقق نتيجة، وعليه ان يتذكر دائماً الحقيقة التي تؤكد ان لكل إصلاح ثمن، فمن يتهرّب من دفعه لا يُصلحُ شيئا ابدا.

   وكل رمضان وانتم بخير.

   19 تموز 2014

                       للتواصل:

E-mail: nhaidar@hotmail. com

Face Book: Nazar Haidar 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=48798
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13