• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أسحار رمضانيّة (11) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أسحار رمضانيّة (11)

   {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
   هي طبيعة الطغاة وزبانيتهم، والقائد الضرورة وعصابته في كل زمان ومكان، لا يقبلون ان يتحدث احدٌ قبلهم، ولا ان يعمل احدٌ قبلهم، كما انهم لا يقبلون ان يغيّر احد رعاياهم معتقداته قبل ان يؤذن له، انهم يخلقون من انفسهم سقفا فكريا وثقافيا وعقديا وكل شيء، فلا يحق لمواطن ان يفكر بطريقة تختلف عن طريقة تفكيرهم، ولا يحق لاحد ان يغيّر عقيدته، فيستبدل عقيدة النظام بعقيدة اخرى، كما لا يحق لاحد ان يتابع الا الاخبار التي تنشرها وسائل الاعلام التي أممها القائد الضرورة لصالحه، حتى {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} فهو السقف وهو القياس.
   ان الطاغوت يخشى كثيرا فترتعد فرائصه فرقا اذا فكّر الناس بحرية وناقشوا الامور بعيدا عن عيونه وغيروا رأيهم او عقيدتهم اذا ما عرفوا الحق، ولذلك تراه ينشر العيون بين الناس لمراقبتهم لئلا يفكر احدهم بصوت عال او يناقش أمرا لا يرضى به وعنه الحاكم.
   ان حرية المعتقد والتعبير هي اخطر انواع الحرية على الحاكم الظالم، لانها تعتمد العقل وليس العاطفة، ولذلك يقف بوجهها الطاغوت مهما كان الثمن، فيقتل ويصلب ويطارد ويعتقل اذا ما شعر او تناهى الى سمعه بان فئة معينة تبنّت الإصلاح الفكري او العقدي في المجتمع.
   للمواطن في سلطة الطاغوت الحق في ان يفعل ما يشاء الا ان يتمتع بحرية المعتقد والفكر والتعبير، ولذلك فانّ فرعون استنكر على وزرائه إيمانهم بموسى عليه السلام وتغييرهم عقيدتهم قبل ان يجيز لهم ذلك، لأنّ عقول الناس آلات يتحكم بها الطاغوت عن بُعد، فإنْ أجاز لهم شيئا آمنوا به وان لم يُجِزْ لهم ذلك فليس من حقهم ان يغيّروا عقيدتهم مهما كان السبب.
   ان على الشعوب المتخلّفة ان لا تسمح للطاغوت او اي من زبانيته في ان يتصرف بعقولهم، فيجيز او لا يجيز لهم، ابدا، فالإنسان بعقله اولا، فإذا صادره الطاغوت او سيطر عليه او تحكّم فيه، فان الانسان بهذه الحالة سيتحول الى دابة تمشي على الارض، او كما يصفه القران الكريم {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.
   ومن اجل ان يتحكم الطاغوت بعقول الناس، ليسلبهم حق حرية المعتقد والتعبير والرأي، تراه يوظّف جيشاً من وعّاظ السلاطين والأقلام المأجورة وأشباه المثقفين، همُّهم التسبيح والتمجيد بالقائد الضرورة وشرح خطاباته وتفسير كلماته والتبرير له والتصفيق والتهليل له والهتاف باسمه، وتضليل الرأي العام وغسل أدمغة الناس لصالح عقيدة الطاغوت.
   انه يخصص ميزانيات مفتوحة لهذا الغرض من اجل ان يتحكّم بعقل المواطن، فلا يدعه يسأل او يفكّر او يفتّش او يبحث بحريّة، ليبقى إمّعة يعتقد بما يعتقد به الطاغوت ويؤمن بما يريد فقط لا غير، واذا صادف ان تمرّد احدٌ على عقيدة الطاغوت فان هذا الجيش جاهز لتنفيذ المهمات الخاصة ضده والمتمثلة بسياسات التسقيط والتشكيك والاتهام الباطل واغتيال الشخصية، واذا اقتضت الضرورة، فكواتم الصوت جاهزة على ان يدفع الضحية ثمن الرصاصة التي ستخترق رأسه، كما يحدثنا عن ذلك القران الكريم بقوله {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} او كما في قوله تعالى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.
   ان الطاغوت يسعى، اولا، الى تجهيل الناس للسيطرة على عقولهم، وبالتالي للتحكّم بطريقة تفكيرهم، والتي ستكون ساذجة في هذه الحالة بدرجة كبيرة، ولهذا السبب نرى ان نسبة الجهل والأمية في بلاد الطاغوت عالية، اما في البلاد التي لا يحكمها طاغوت فان نسبتها تقترب من الصفر، ولذلك فليس غريبا ان نقرا في تقرير الجامعة العربية بان نصف الشعب العربي لا يقرا ولا يكتب، لانّه محكوم بنظام سياسي استبدادي، بوليسي وشمولي، ليسهل على الحاكم التسلط عليه، بعد ان يخفّ وزن العقل فتكون الطاعة للحاكم عمياء بامتياز، وصدق الله تعالى الذي قال {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
   وكل رمضان وانتم بخير.
   8 تموز 2014
                       للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=48312
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14