من الأخطار الجسيمة التي واكبت المسيرة الاقتصادية على مدى عدة عقود هو التخبط العشوائي بين سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج الذي يتبع استلام الحزب الواحد للسلطة واندفاعه غير المدروس وراء شعارات كانت بمثابة ساحة اختبارات لمصداقية هذا الحزب وغيره وكانت الأحزاب ذات التوجه القومي تتبارى فيما بينها لإثبات اشتراكيتها المقيتة بصورة مشوهة عن الاشتراكية الماركسية وكانت مدة الستينيات حقبة صراع بين هذه الأحزاب والتباهي بطرح أفكارها الاشتراكية.. وبين النكوص بعد مدة وبعد فشل هيمنة الدولة على وسائل الإنتاج لضعف جهازها التنفيذي وفساده.. وأدى هذا النكوص إلى تحول رأسي إلى سياسة حرية السوق وللحالتين أضرار ألمت بالاقتصاد العراقي وأدت إلى تخبطه لعقود وعدم ادائه لدوره في البناء والتحول للأفضل.فهيمنة الدولة على وسائل الإنتاج أدت إلى الاعتماد الكلي على ما تنفذه الدولة وأصبح المواطن أسير ما تقدمه الدولة من خدمات ومشاريع وشجعت المجتمع على الاتكالية والسلبية وعدم الإبداع والابتكار.ولما كانت الدول ذات السيطرة الشمولية والأسلوب الدكتاتوري تهيمن على كل شيء.. فلقد جرت البلاد إلى اقتصاد مؤطر يخضع لنزوات الحاكم المستبد برأيه، واصحب الاتفاق الحكومي غير المبرمج يستهلك كل الدخل والريع الوطني وقادت البلاد إلى الاستهلاك بدل تشجيع الاستثمار واف ساح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة الفعالة في البناء الاقتصادي. ولعدم ثبات الرؤيا لدى هذه الحكومات وعدم اعتمادها على التخطيط المسبق فلقد أدركت في السنوات الأخيرة من حكمها فشل السياسة الاقتصادية المعتمدة على الدولة وقامت بالتحول نحو حرية السوق وقامت بإنهاء المشاريع الحكومية وبيعها للقطاع الخاص ولكن البيع لهذه المشاريع تم بصورة غير مدروسة حيث سيطرت جماعات أمية لا تمت إلى الإنتاج بصلة وليست عندها الأحاسيس الوطنية وأكثرهم من أقارب الحاكم والمتزلفين والأعوان. فادى إلى خراب تلك المشاريع واتجهت الدولة الى الاستيراد وفسحت المجال أمام من هب ودب أن يستورد ما شاء له ذلك وازداد الأمر خطورة بعد سقوط النظام المقبور حيث أصبحت الحدود مفتوحة بصورة مطلقة واستغلت الدول المجاورة هذا الفراغ وراحت تصدر للعراق كل أنواع البضائع الاستهلاكية التي أدت بدورها الى منافسة المنتوج الوطني واستطاعت التغلب عليه كونها تعتمد الصناعات الكثيفة رخيصة الثمن والرديئة النوعية وأغلقت كل الحرف والصناعات الوطنية أبوابها وجعلت أسواقنا أسواقا استهلاكية لبضائع فائضة عن الحاجة.ان هذا الانفلات العشوائي للاستيراد يستنفذ مجمل الدخل القومي ويؤدي الى ركود الاستثمار والأعمار والبناء والاعتماد على القدرات الذاتية.ان الكثير من الدول قد اكتفت محلياً وأصبحت تقوم بتلبية كل احتياجات السوق والمستهلك من إنتاجها وصناعتها الوطنية ولا تسمح لأي مستورد بالدخول إلى أراضيها وبذلك حققت هذه الدول عدة مردودات اقتصادية منها أنها حافظت على دخلها الوطني واستغلته في الاستثمار المجدي، وهي شغلت معظم الأيادي العاطلة وساهمت في بناء أوطانها صناعياً وزراعياً.فمتى تلتفت الدولة الى هذه الناحية وتبدأ بالتخطيط الأمثل لترشيد الاستيراد والبدء في العد العكسي للاكتفاء الذاتي ..