للوهلة الاولى يتبادر في اذهاننا ان القول يحمل روح الحقد واللوم وشيئا من الضغينة ضمن طبقات اجتماعية متفاوتة , الغني ينظر للفقير نظرة بؤس واحتقار فيحاول قدر الامكان ان يتجنب الاحسان اليه خوفا من ان يطمع الفقير في ماله وبالتالي سرقتة.
اما الفقير فينظر للغني نظرة حسد واحياناً نظرة لؤم اذ يعتقد ان كل ما يتمتع به الغني من ثراء إنما جاء نتيجة تسلط الغني على حقوق الفقير واستنزاف دمه وان كل ما يملكه الاثرياء من منازل فاخرة وعيش رغيد انما هو مبني على رؤوس المغفلين , الفقير بالكاد يحلم ان يصل الى درجة الاثرياء بينما الغني لا يأبى الرضوخ كي يعيش عيشة الفقراء بالتالي تتولد فجوة كبيرة بين طبقتين متناحرتين.
كلنا يتساءل لماذا يحذر الاثرياء من الاحسان على الفقير؟ من الواضح ان الاحسان على الفقير يحقق تكافل اجتماعي ومساوات ولو بنسبة ضئيلة لكن الاحسان بحد ذاته سلاح ذو حدين, عندما يتجاوز الحد الطبيعي تصبح له اثار سلبية " كل شي يزيد عن حده ينقلب ضده".
كما نعلم جميعاً ان النفس البشرية متقلبة تبعاً لما يحيط بها من ظروف وما تعيشه من واقع, الذي أود ان ابينه ان الانسان بطبيعته غير ثابت المزاج والرأي والسلوك , وانما يتغير تبعا لما ترتضيه له مصالحه وما ينم عنها من منفعة شخصية فأذا مسه الخير منوعا واذا مسه الشر جزوعا.
تخيل لو احسنت على محتاج للمرة الاولى! بالتأكيد سيقابل الاحسان بالاحسان ولو بكلمة بسيطة ردا للجميل ولربما انقذته من حالة جوع او مأزق او حاجة ماسة ومن ثم ان عطاءك هذا الغير متوقع احدث فرقا كبيرا بالنسبة له.
ماذا لو احسنت عليه مره اخرى؟ لا شك انه سيرد الاحسان بالاحسان لكن بدرجة اقل من المرة الاولى لانك فعلتها مسبقا , فأصبح عطاءك غير مفاجئ , متوقع الحصول لذا تتناسب ردة الفعل مع شدة الموقف.
لكن عندما تقدم مثل هكذا احسان عدة مرات متتالية سيصبح الامر عادة وهكذا فعل متوقع الحصول بدرجة كبيرة لانه اصبح قانون ثابت مستمر قد ينتظر المحتاج بشغف ان يستلم حصته كأنه يقبض مرتب شهري من الحكومة بكل بساطة, لم يعد نفس الشخص الفقير البائس المحتاج بل هو الان انسان اتكالي متعاجز ينتظر المغفلين ان يقدموا له يد العون.
فعندما يقطع المحسن عطاءه يتحول الانسان الفقير الى سبع ضاري ينقلب فجأة رأساً على عقب ليس فقط انه ينسى من احسن اليه بل يتحول الى ألد الاعداء , بالنتيجة اذا اردت ان تصنع عدوك بنفسك صل ثم اقطع , لانك ببساطة ستصل الى مرحلة لا يمكن فيها التملص عن العطاء فتصبح مخير غير مسير .هذا غير مقتصر فقط على العطاء المادي بل وحتى العطاء المعنوي من اهتمام وعطف وحتى الثقة انما يجب ان يدخل ضمن موازين النفس البشرية , لكي يبقى ضمن الحد المعقول وبالتالي يتحقق توازن ايجابي معقول والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |