دعت المرجعيةُ الدينية العليا الناخبَ العراقي إلى البحث في ماضي المرشّح، وأن يتحقّق من نزاهته وكفاءته وحرصه على العراق والعراقيين قبل أن يصوّت له، مؤكّدة أنّ مجلس النواب قد أخفق في تحقيق النصاب القانوني للجلسة التي كانت مخصّصة للموازنة وللمرّة الثانية، ولأسباب تتعلّق ببعض الأغراض والمقاصد، جاء هذا خلال خطبة الجمعة الثانية (4جمادى الآخرة 1435هـ) الموافق لـ(4نيسان 2014م) في الصحن الحسيني الشريف، والتي كانت بإمامة الشيخ عبدالمهدي الكربلائي.
وأضاف: "نحن نقترب شيئاً فشيئاً من موعد الانتخابات النيابية، وقد ذكرنا في خطب سابقة موقف المرجعية الدينية العليا من هذه الانتخابات، وفي هذه الخطبة نؤكّد وفق توجيهات مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني – دام ظلّه- على عدّة نقاط:
أوّلاً: أنّ انتخابات مجلس النواب تحظى بأهميّة بالغة في رسم مستقبل البلد، مستقبلنا نحن ومستقبل أولادنا وأحفادنا، والحكومة (أي السلطة التنفيذية) تنبثق من مجلس النواب، وهذا المجلس يُعدّ أيضاً السلطة التشريعية في البلد (أي سلطة إصدار القوانين والقرارات) بالإضافة الى دوره الرقابي على أداء المؤسسات الحكومية، فمن لا يشارك في الانتخابات إنّما يعطي الفرصة لغيره في رسم مستقبله ومستقبل أولاده وهذا خطأ لا ينبغي لأي مواطن أن يقع فيه.
ثانياً: لا نظنّ أنّ أحداً يُنكر أن بلدنا الحبيب العراق يعيش أوضاعاً صعبة، فمن الناحية الأمنية نلاحظ ما تشهده العديد من المناطق من اشتباكات مسلحة وتفجيرات دامية وأعمال عنف تذهب ضحيتها المئات من الأبرياء وغيرهم، وفي حالات كثيرة يكون للعنف الجاري صبغة طائفية خطيرة تهدّد النسيج الوطني لهذا البلد، أما من الناحية السياسية نجد أنّ مواقف القوى السياسية متباعدة كثيراً على خلفيات إثنية وطائفية وغير ذلك، والمهاترات بينهم تملأ وسائل الإعلام، والاحتقان السائد يمنع الاستقرار السياسي في البلد، ومن الناحية الاقتصادية نلاحظ أنه بالرغم من توفّر موارد مالية كبيرة للعراق من عوائد بيع النفط إلا أنه لا توجد خطط تنموية حقيقية تنهض بالاقتصاد وتوفّر لجميع المواطنين حياة كريمة، فهناك الملايين ممّن يعيشون تحت خط الفقر، والنشاط الزراعي والصناعي في أدنى المستويات منذ عقود من الزمن".
وبيّن: "أمّا من ناحية استشراء الفساد المالي والإداري فحدّث ولا حرج، حتى عُدّ العراق من الدول الأكثر فساداً في العالم، لذلك فإنّنا في ظلّ هذه الأوضاع نحتاج حاجة ماسّة الى التغيير نحو الأفضل وهو لا يتحقّق إلا بأيدينا نحن المواطنون، فإذا لم نُرد التغيير أو لم نعمل له بصورة صحيحة فإنّه لن يتحقّق وكما قال الله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقوم ٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم).
ثالثاً: إنّ المرجعية الدينية العليا أعلنت مراراً وتكراراً أنّها لن تدعم أيّاً من القوائم المشاركة في الانتخابات، وترى بعدَ عشر سنوات من التجارب الانتخابية المتعددة، أنّ المواطنين يُفترض أن يُشاركوا في الانتخابات مشاركة واعية تُبنى على حسن الاختيار، فلا يكفي أصل المشاركة، بل من المهمّ أن يتمّ اختيار الصالح الكفوء الحريص على المصالح العليا للشعب العراقي الحريص على قيمه النبيلة واستقراره وأمنه ورفاه أبنائه، والذي يفكّر في مصلحة الشعب ومستعدّ للتضحية في سبيله لا الذي يفكّر في مصلحة نفسه وجماعته، وكيف يستثمر كرسي النيابة أو الوزارة في سبيل الاستحواذ على المزيد من المزايا والمخصّصات المالية والمقاولات التجارية والحقوق التقاعدية غير المنطقية، وما الى ذلك مما يعرفه الجميع".
وأكّد الكربلائي على المواطنين أنْ لا تغرّنّهم الوعود البرّاقة والخطب الرنّانة والإعلانات الكبيرة التي تملأ الشوارع والساحات، ولا القليل من المساعدات والخدمات التي يسعى البعض في تقديمها قبيل الانتخابات، بل يجب البحث عن ماضي المرشّح والتحقّق من نزاهته وكفاءته وحرصه على العراق والعراقيين قبل أن يصوّتوا له".
موضّحاً: "وإذا كان نائباً في مجلس النواب أو عضواً في الحكومة أو في مجلس المحافظة أو مسؤولا ً في أيّ موقعٍ رسميٍّ آخر، فتحقّقوا أيها الناخبون إن كان قد عمل بواجباته الوظيفية بتفانٍ وإخلاصٍ ولم يبحث عن مصالح شخصية وما ماثلها قبل أن تمنحوا أصواتكم له، دعوا الوجوه التي لم تجلب الخير لهذا البلد واستبدلوها بأشخاص آخرين تتحقّقون من كفاءتهم وصلاحهم وحرقة قلوبهم على هذا الشعب المظلوم".
وأضاف: "هناك فرصة كافية الى موعد الانتخابات يمكن خلالها أن تصلوا أيها الناخبون الى المرشّح الصالح الكفوء، حاولوا أن تتعرّفوا عليه بأنفسكم وإن لم يتيسر فاستعينوا بأهل العقل والحكمة والتجربة للتعرّف عليه، لا تهتمّوا كثيراً بالانتماءات العشائرية والمناطقية والفئوية ونحوها، اهتموا بالشروط الأساسية التي يجب توفرها في عضو مجلس النواب، أن يكون كفوءً لهذه المهمة، أن يكون نزيهاً لا يضعُفُ أمام الاغراءات المادية، أن يكون شجاعاً لا يجبن في الدفاع عن المصالح العليا للشعب العراقي".
مشدّداً: "أعود وأكرّر قوله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقوم ٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم)، إن كنتم تريدون أن تتغيّر أحوالكم نحو الأفضل فإنّ الخطوة الأولى والأساسية في هذا السبيل هي المشاركة الواعية في الانتخابات النيابية، تحمّلوا المسؤولية وتوكّلوا على الله واستعينوا به ليُسدّد خطاكم فإنّه وليّ السداد".
أمّا الأمر الثاني وهو ما يخصّ الموازنة العامة للبلد فقد بيّن: "منذ أسابيع عدّة وأبناء الشعب العراقي ينتظرون ويترقّبون مصادقة مجلس النواب على قانون الموازنة لِما لهذه المصادقة من دور مهمٍّ في الإسراع بتحقيق مصالح أساسية للشعب العراقي من التعجيل بالبدء بالمشاريع الخدمية وتوفير فرص عمل لأكثر من 160 ألف درجة وظيفية مخصّصة في هذه الموازنة.. ولكن –ممّا يؤسف له– نجد أنّ مجلس النواب أخفق في تحقيق النصاب القانوني للجلسة التي تُقرأُ فيها الموازنة للمرّة الثانية لأسباب تتعلّق ببعض الأغراض والمقاصد".
وقد بيّن في ختام الخطبة: "إنّنا نضع أعضاء مجلس النواب أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية أمام الله تعالى وأمام الشعب العراقي في الإسراع بالمصادقة على هذه الموازنة".
داعياً الى حلّ الإشكالات الموجودة بين الأطراف والقوى السياسية التي أدّت وما تزال الى تأخير هذه المصادقة.
مؤكّداً إنّ التعجيل بهذه المصادقة يعتبر جزءً من الواجبات الأساسية التي يفترض بالنواب أن يقوموا بها في هذا الوقت..
|