صلابة رأس
( شرهان كله ) اسم تخشاه الناس , وتتفادى شخصه , عرف بالجرأة والاقدام , بالفتّوى والشقاوة , لعل ابرز ما يخاف فيه ويحذر منه ضربات رأسه ( كله ) , التي يوجهها الى خصومه , فيفقدهم الوعي , وربما حطم جماجمهم , فرأسه كبير وجمجمته صلبة .
ذات مرة , كان يقف في وسط السوق , فلاحظ بدويا يجر حماره , اجتازه ولم يلق التحية عليه , فأستوقفه , زجره ونهره , واحتج البدوي بأنه لا يعرفه , واعتذر اعتذارا مرا عندما لاحظ اصرار شرهان كله واندفاعه , لكن الاعتذار لم ينفع , فوجه اليه ضربة رأس قوية , اردته صريعا , ثم نظر الى الحمار , وتفحص جمجمته , لم يسبق له ان كلكل رأس حمار من قبل , فقرر ان يفعلها هذه المرة .
تجمهر الناس حول المكان , فهموا وادركوا ما يدور في خلده , صفقوا له , وشجعوه , التفت نحوهم , وابتسم لهم ابتسامة رضا , وابتسموا له ابتسامة وداع .
**************************
بخلا ام قناعة !
طالما كنت اتجول في الاسواق , فتعتريني الرغبة بالشراء , شراء كل الاشياء , ما احتجت اليه او ما لم اكن له بمحتاج , المهم كان عندي ان اشتري , وامتلك , لكن ... الجيوب كانت فارغة , فأخرج منها بخفي حنين , او حتى بدونهما ! .
تغيرت الاحوال وتبدلت , وامتلأت تلك الجيوب , فعاودت الكرة , دخلت ذلك السوق الذي طالما كنت اخشاه , لكثرة ما فيه من الاشياء الجميلة , وغلاء اثمانها , لكني لاحظت غياب رغبتي الجامحة , وعزوف نفسي عن تلك الهواية المقيتة , فخرجت منه ايضا , بدون خفي حنين , ولم اشتر شيئا .
************************
سمكة
حدق طويلا في حوض السمك , يراقبها وهي تجوب الحوض ذهابا وايابا , فهاج في خلده ان يطرح سؤالا على والده الذي يجلس بالقرب منه :
- بابا ... الا تمل السمكة من الذهاب والاياب في نفس الاتجاه ؟ ! .
- كلا ... يا بني .
- لماذا ؟ .
- لان ذاكرتها قصيرة ... ربما عدة ثوان وتنسى كل شيء .
- هكذا اذا ... تسلك الطريق ثم تنساه وتعود لتسلكه مرة اخرى ! .
- نعم .
أستغرق الولد في تأمل عميق , فأندهش الوالد وقرر ان يسأله :
- اين ذهبت بفكرك وخيالك ... يا بني ؟ ! .
فأجاب الولد :
- ماذا يحدث لو كان للإنسان ذاكرة كذاكرة السمكة ؟ ! .
************************
مأتم
جلست في ذاك المأتم الكبير , تفحصت الوجوه , لاحظت ان كل اقرباء الفقيد قد كانوا هناك , حزنت لحزنهم , كما حزنت للفقيد ذاته , نهضت مودعا مصافحا لهم واحدا واحدا , قائلا ( جعلها الباري جل وعلا خاتمة الاحزان ) , فلم يمض وقت طويل , حتى اقتحمتهم سيارة ملغمة , لتنفجر في وسطهم ... ما اعجل ما تحققت به دعوتي ! .
**************************
كاسرة القلوب
تظن نفسها ذكية , تترك خلفها الكثير من القلوب المحطمة , وترى نفسها جذابة , وفعلا كانت كذلك , ذات ليلة , جذبت عدة كلاب سائبة , هجمن عليها في زاوية مظلمة , أطلقت صرخات الالم وطلب الاستغاثة , فطرقت اسماع عشاقها القدامى , رغم كثرتهم , لكنهم لم يهبوا بل لم يبادروا لإنقاذها , بل حتى لم يكلفوا انفسهم بمعرفة ما دهاها , واكتفى كل منهم بالقول :
- هذا الذي هجرتيني من اجله ! .
****************************
التوقيع
لاحظ ابن المدير ان عدد الخراف يزداد يوميا في حديقة البيت , خروف واحد يوميا على الاقل , يأت به احدهم , ويقول ( هذا من فلان ... ابلغ سلامي لابيك ) .
ذات يوم , بينما كان يلعب على رصيف الشارع , مرّ ثلاثة رجال مسهبين في الحديث , ازعجهم الثغاء , سألوه مندهشين ( ما هذا ؟ ! ) , فأجابهم :
- ان عدد الخراف يزداد يوميا .
فقال له احدهم :
- نعم ... نعم ... بالتأكيد ...لا غرابة في ذلك ابدا ... لأن توقيع ابيك صعب ... وغال جدا ! .
******************************
الجدار
طلبت منه زوجته ان يبني جدارا يفصل بيته عن بيت اهله , وكذلك ألحت امه ان يبني هذا الجدار , لم ترغب احداهن برؤية الاخرى , حاول الاصلاح بينهن فلم يجد ذلك نفعا , جلب ادوات البناء بعد ان استنفد كل حيل الإصلاح , فشرع بحفر الاساس , بينما كان مسترسلا بالحفر , باغتته افعى ولدغته .
************************* |