• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نسخة منه الى جوازات بابل / احترامي للحرامي .
                          • الكاتب : مراقب حلي .

نسخة منه الى جوازات بابل / احترامي للحرامي

 جرت العادة في اغلب الدول المتقدمة أنه يتم اختيار الأشخاص الذي يعملون في الدوائر الخدمية الذي لها احتكاك مباشر بالموطن على أساس معايير غاية في الدقة منها الخبرة والكفاءة والمصداقية في العمل الخ ... وحيث ان هذه الدوائر الخدمية بالأشخاص اللذين يعملون فيها هي واجهة الحكومة المنتخبة من قبل المواطن للمواطن نفسه وهذه الاستراتيجية هي المتبعة في الدول المتقدمة التي لها تاريخها الناجح والمشرق في رضاء شعوبها وهذا بالتأكيد النقيض التام لما يتبع هنا في العراق حيث تستخدم الحكومة استراتيجية رضاء الاطراف أي وضع الشخص الغير مناسب في المكان المناسب من أجل رضاء الحزب الفلاني او لئلا يتكدر خاطر الحزب الفلاني وتعتمد وبكل فخر على معايير عدم الكفاءة او على اساس مبدأ احترامي للحرامي كما اسميه أي أن الشريف والكفوء ليس له مكان في الحكومة العراقية .                                   


هناك روايات لطالما سمعناها في عصور ليست ببعيدة عن هتلر ودولته وهي في اوج مراحل القوة والتطور يحكى ان هتلر كان واقف على سطح احدى البنايات الكبيرة وهو يحضر استعراض عسكري فأعطى أمر للقطعات العسكرية بالتحرك وبدأت القطعات العسكرية بالمسير الى أن شارفت على السقوط من على سطح البناية ولم يعطيه أمر بالتوقف فبدأ الجيش يسقط شيء تلو الاخر من على سطح ذلك المبنى دون تردد فألتفت على مستشاريه وقال هذا هو الجيش وهذه هي البلاد التي سأقود بها العالم .


أما برواية اخرى وعن هتلر أيضا وبعد وصوله الى حافة الهاوية وهو يشارف على السقوط وفي أحدى الاجتماعات حيث سأل هتلر مستشاريه ما أذا وصل الفساد الى مؤسسات القضاء ومؤسسات التعليم فأجابوه أن الفساد قد وصل فرد قائلاً أنهم شارفوا على السقوط وأن أمرهم قد أنتهى .. وعندنا بالعراق الأمر قد تعدى ذلك بكثير والوضع لا نحسد عليه .


ومن هذا يمكن أن نستدل على ان قوة الحكومة وديمومتها وشربها لأكسير الخلود يكمن في سلامة وكفاءة الكوادر الادارية التي تدير كل أنواع مؤسساتها وخلوها من الفساد الإداري وبالعكس فأن وجود مرض السرطان الاداري في المؤسسات الحكومية سينهش وينخر جسد العراق ويجره الى حافة الهاوية حيث حال يرثى له .


ففي الأسبوع الماضي ذهبت الى مديرية جوازات بابل لكي أقوم بعمل جواز وهذه أحد حقوقي كمواطن وكذلك هي ابسط حقوق المواطن أيضاُ فرأيت هناك مالم أشأ أن اراه وما لم يشأ أي مواطن شريف وحريص على بلده أن يراه فرأيت بأم عيني الفساد واستغلال حق المواطن والإهانة له وتهميشه والتقليل من قيمة وآدمية الأنسان حيث تجسدت صور الاستغلال هذه في طوابير اليأس للمواطنين المساكين والذي كثر بها ألقاء اللوم على الحكومة والسؤولين وعض أصابع الندم لأدلائهم بأصواتهم لمن انتخبوهم والوعود الكاذبة التي وعدوهم ووعدوا العراق بها وهذا المرار الذي يعانوه في طوابير الموت لمديرية جوازات بابل هو الشاهد حيث كان هناك طابور في أول مرحلة لعمل الجواز وهو طابور التدقيق لمعاملة الجواز وفيه يتعدى عدد المراجعين المئة ولا يوجد سوى أثنان من الموظفين وفي اغلب الاحيان موظف واحد الذي يقومون بتدقيق معاملة الجواز وعدد المراجعين في حالة تزايد .


وهناك في طوابير الموت المزدحمة أستوقفني موقف لطلاب مدارس جلبوا معهم كتبهم المدرسية ليقرئوا وهنا موقف لفت انتباهي وأثارني لأمرأه تضحك بصوت عال وبدون حشمة مع ميك أب ولبس فاضح ومعها ولديها تريد عمل جواز لهم وإذا بضابط تدقيق الجوازات ذو الوجه العابس والصوت الغليظ والقبيح الذي يقابل به المواطنين اليائسين قد تحول الى صوت ناعم ووجه ضاحك وتعدى على حق مئات المراجعين من طلبة وشيوخ كبار في السن وأطفال مع ذويهم وشباب حالمين بالسفر ما وراء المحيطات ومهندسين وأطباء وإذا به يقدم هذه المرأة عليهم وبعد اعتراض المراجعين عليه أجابهم بنفس تلك الصورة والصوت القبيحين وبكل صراحة ووضوح أن هذه المرأة لديها (واسطة) وهذه حالة من عشرات الحالات التي رايتها هناك وهذا كله في طوابير الرجال اما عن طوابير النساء (فحدث ولا حرج) .


ومع الحر الشديد والمناظر الترابية الخلابة والنفايات وقلة الخدمات البسيطة يصبح الوضع مخيف .


فيا ترى هل يجوز اثنان من الموظفين يعملون لتسيير معاملات مئات المراجعين في اليوم وكما نعلم أن تعداد سكان الحلة يتعدى المليون والنصف المليون فألا يجدر بالحكومة ان تضع بدل الاثنان عشرة من الموظفين لامتصاص الزخم وأيضاً يكون هناك تناسب بين عدد الموظفين والمراجعين ومع وجود عدد لا نحسد عليه من البطالة فأن تعيين هؤلاء العشرة من الموظفين لا يؤثر على ميزانية الحكومة ولا على أي فاسد أدارياً في مثل هذه الدوائر الخدمية .


أما عن المحطة الأخيرة في معاملة الجواز وهي محطة البصمة فهنا تكمن المأساة حيث لايوجد سوى أربع أو خمس أجهزة بصمة لكل محافظة بابل بأقضيتها ونواحيها ويمكن ان تشاهد في هذه المرحلة كل أنواع الفساد الاداري والتحايل على المواطن والقانون من قبل موظفي الجوازات حيث لايوجد طابور محدد يمكن ان تقف فيه وتسلم به امرك الى الله وتقول عسى أن احصل على جواز فالفوضى هنا عارمة والاولوية ليست للمواطن العادي بل بالدرجة الأولى لأصحاب (الواسطة) كما يسمون وكذلك لأصحاب الرتب العسكرية وذويهم و منتسبي الجوازات وذويهم أيضا ويمكن أن تشاهد في هذه الطوابير القاسية أناس وقفو لساعات ولم يستطيعوا الوصول الى غرفة الاحلام (غرفة البصمة) وكذلك يمكن ان تميز نوعاً ثانياً من الناس وهم اللذين لم يعانوا بتاتا في الوصول الى جهاز البصمة بل وصلوا الية بمنتهى السهولة وبدون اي عناء واكيد هؤلاء هم أصحاب (الواسطة) وهم الأعلى شأن من المواطنين العاديين .


كما اثار استغرابي ضابط برتبة رائد يقوم بإدخال الناس الى غرفة البصة وهو المسؤول عن تنظيم طابور المراجعين وادخالهم الى المحطة الاخيرة وهي غرفة البصمة وقد تناسى الطابور النظامي للمراجعين تماماً وأستغرق وقته في أدخال أصحاب (الواسطة) وغيرهم من المعارف والأصدقاء الخ ... وبعد أثارته لسخط المراجعين الغاضبين واليائسين بنفس الوقت هناك وألقائهم اللوم عليه أجابهم بكل صراحة ووضوح انه موجود هنا من أجل مراجعين (الواسطة) وليس من أجلهم .


أما الشيء العجيب في كل هذا أن مديرية جوازات بابل تملأها إعلانات هيئة النزاهة وهي تحث على الكف عن الفساد والرشوة وتوعد المرتشيين والفاسدين أداريا بأشد العقوبات وإعلانات أخرى تحمل صوراً لفاسدين أداريا وهم يقبعون في دهاليز السجن المظلمة لكن كل هذا لم يحرك ضمائرهم بل ولم يحرك شعره على ظهر أناملهم .


أما أثناء تصفحي في شبكة المعلومات الدولية الانترنت أعجبتني كلمات لأبيات شعرية وهي للكاتب عبد الرحمن بن مساعد ربما تعبر ولو بالقليل عن واقع الفساد الاداري المتفشي في العراق وأهديها بدوري لكل العاملين في مديرية جوازات بابل ولكل فاسد أدارياً في العراق مع فائق تقديري واحترامي للحرامي .



احترامي للحرامي


صاحب المجد العصامي


صبر مع حنكة وحيطة


وابتدأ بسرقة بسيطة


وبعدها سرقة بسيطة


وبعدها تعدى محيطه


وصار في الصف الأمامي


احترامي للحرامي


صاحب النفس العفيفة


صاحب اليد النظيفة


جاب هالثروة المخيفة


من معاشه في الوظيفة


وصار في الصف الأمامي


احترامي للحرامي  


يولي تطبيق النظام


أولوية واهتمام


ما يقرب للحرام


إلا في جنح الظلام


صار في الصف الأمامي


احترامي للحرامي


يسرق بهمة دؤوبة


يكدح ويملي جيوبه


يعرق ويرجي المثوبة


ما يخاف من العقوبة


صار في الصف الأمامي


احترامي للحرامي


صار يحكي في الفضا


عن نزاهة ما مضى


وكيف آمن بالقضا


وغير حقه ما ارتضى


صار في الصف الأمامي


احترامي للحرامي


احترامي للنقوص


عن قوانين ونصوص


احترامي للفساد


وأكل أموال العباد


والجشع والازدياد


والتحول في البلاد


من عمومي للخصوص


احترامي للصوص






  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=4379
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 03 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13