فيما يلي تسلسل ما قالة المنحرف احمد القبانجي وتعليقاتنا عليها
• هنالك ضعف بلاغي في الآية: «يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ»؛ إذ هذا بعيد عن الواقع لأنه لا يوجد شخص يحسب أن ماله سيخلده بل الكل يعلم أنه سوف يموت!
تعليق : هذا الإشكال لا يمكن تسميته إشكالا بلاغيا، بل هذا إشكال معنوي لكن هذا الجاهل لا يعرف الفرق بينهما، إذ أن البلاغة قد أوصلت إليك المعنى فما عليك إلا أن تناقش في هل أن هذا المعنى صحيح أم لا؟
فعلى سبيل المثال لو أن شخصا أتى بعبارة بليغة عن الثالوث المقدس لدى النصارى (الآب – الابن – الروح القدس) يوصل بها المفهوم الذي يريده، فإن البلاغي لا يقول له أن كلامك ليس بلاغياً لأن التثليث باطل، وإنما يقول له: الإشكال في صدق انطباق المعنى من عدمه.
ولو دقق هذا الرجل في الآية لوجد أن الكلام فيها بليغ ومؤدي لمعاني عميقة، فلو تفهّم طبيعة الأغنياء – بعد استثناء من يكون منهم عزيز النفس – لوجد أن الثري الذي عنده عادة جمع المال وتعديده يكون منهوماً بالمال وجمعه إلى درجة أنه ينسى حياته ويشعر بأنه كلما جمع المزيد فإنه سيُخلّد أكثر أو يعيش أكثر، فهذه المسألة بديهية فضلا عما يعززها في ثقافة العرب الجاهليين إذ أنهم كانوا يعتبرون الخلود في أمرين: المال والبنون؛ ولذا خلد بعضهم اسمه بالجود كحاتم الطائي وغيره في تلك الأزمنة حيث كانوا ينشدون الخلود بهذا المعنى.
فهنا يأتيهم الجواب الإلهي أن: كلا، لا فائدة في جمع المال للعيشة المادية للبدن أو المعنوية للاسم والذكرى مع الكفر، إذ النتيجة ستكون «لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ» أي السقوط في النار التي سوف تحطم رأس الثري الكافر الملقى بها“.
• الآية تقول: «لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ»، أي من يجمع المال ويعدده سينبذ في الحطمة، والسؤال: لماذا سيُنبذ في الحطمة مع أنه لم يرتكب ذنبا، ما هذا إلا من الضعف البلاغي!
تعليق : ”هذا الرجل غفل عن صدر السورة، إذ أنها تقول «وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ» أي أن من صفات هذا المنبوذ في الحطمة أنه يطعن في الناس أو أعراضهم، عبر التفحش في حقهم أو الافتراء والبهتان عليهم بنسبة المعايب لهم، كمن يطعن في رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فمثل هذا ألا يستحق أن ينبذ في الحطمة؟
• من الضعف البلاغي في القرآن تكراره القول «وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ» وتبعه ذلك بقوله «نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ»، فلماذا لم يقل منذ البداية: «كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ» ويختصر الموضوع؟!
تعليق : ”هذا التعبير في قمة البلاغة، إذ أنه يوقع المعنى في نفس المتلقي المخاطب، بما يجعله يهتز من الأعماق، إذ سياق الآيات أشار إلى معنى ”الحطمة“ والمقصود بها أنها تحطّم الضلوع، فهذا التعبير يجعل المتلقي يرتعد من هذه النار فيهتز وجدانه ببلوغ هذا المعنى العميق وتأثيره في النفس، ثم يتهيّب أكثر بسماعه التكرار «وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ» وبعدها قوله: «نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ»، أي نار الله المشتعلة فيجعل المتلقي يرتعد خوفا أكثر وأكثر، فهذا التخويف والتحذير من ارتكاب المعاصي هو من الحكمة الإلهية لإبعاد البشر عن الإقدام على الأمور القبيحة والمعاصي والكفريات، في مقابل الترغيب الذي يأتي بالروائع اللفظية لاستدراج المخاطب.
فأين الضعف البلاغي الذي يدعيه هذا الجاهل؟! ثم أن هذه الآيات يتبعها قوله تعالى: «الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ»، فهذا تعبير بلاغي عظيم جاء به سبحانه وتعالى بدلا من أن يقول بأن هذه النار ستحرق الأفئدة، فالتعبير الأول يجعل المتلقي يتخيّل هذا الموقف، أي إطلاع النار على قلبه وانقضاضها عليه لالتهامه، ولذا فسّر أبي ذر هذه الآية بعبارة دقيقة إذ قال: ”بشّر المتكبرين بكي ٍ في الصدور وسحب على الظهور. (تفسير القمي - الجزء2 - الصفحة441)“.
• من الضعف البلاغي في القرآن قوله: «إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ»، فمن هم بالنار فأنهم بالنار، فما الفائدة لو كان بالمكان فتحة أو كان مغلقا؟
تعليق : ”هذا منتهى الجهل، فالآن نحن لو قلنا بأن هناك شخص قد وضع في التنور، وأطبق التنور عليه، أفلا يكون هذا دافعا للاهتزاز والارتعاب واستشعار مدى عذاب ذلك الشخص الملقى بالتنور لشدة احتراقه؟ أي التعبيرين أبلغ أن نقول وضعناه في التنور وأغلقنا عليه فتحة التنور؟ أم نقول وضعناه في التنور وتركنا الفوّهة مفتوحة؟“.
• من الضعف البلاغي في القرآن قوله: «فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ» فما هي التي تكون ممددة؟ هل هي النار أم الإنسان الهمّاز اللمّاز؟ فإن كان الإنسان فقل (في عمد ممدد) وإن كانت النار فهذا تعبير ضعيف، إذ كيف تكون النار ممددة؟
تعليق : ”نعم النار تتمدد في الكناية هذا أولا، ثانيا: الممددة هي العُمُد، التي هي جمع عمود، وهي هنا صفة خاصة لما كان يسمى بالمقاطر، أي الأخشاب الطويلة التي تجعل فيها ثقوب لرجلي الإنسان المراد ربطه من وسطه إلى الأعلى بغرض إلصاقه بها لتعذيبه؛ فالله (تبارك وتعالى) يستعير هنا هذا التشبيه، وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: ”ثم مُدّت العُمد وأوصدت عليهم وكان والله الخلود“. (بحار الأنوار - الجزء8 - الصفحة279) وعليه فأنه لا إشكال يتوجه إلى هذه السورة“. |