• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل تؤيد حل الأحزاب السياسية الدينية ؟! ( 3 ) .
                          • الكاتب : علي جابر الفتلاوي .

هل تؤيد حل الأحزاب السياسية الدينية ؟! ( 3 )

  أن عمل الأحزاب السياسية الدينية أكثر خطورة وحساسية من الأحزاب غير الدينية  لأن أي خطأ في عمل هذه الأحزاب سيجلب الضرر الى الرمزية الدينية المقدسة ، بل يجلب الأساءة الى الأسلام ذاته ، وفي رأيي أن أي حزب أسلامي لا يكون أسلاميا ما لم يكن أفراده نماذج حيّة للاسلام المتحرك في الحياة ، ولا نعني بالنموذج الحي أن يكون فقيها ، أو حاملا لسيفه ، بل أن يتمثل مبادئ الاسلام في سلوكه بحيث يعرض نفسه نموذجا أسلاميا أيجابيا يجذب الاخرين في التعامل الحسن ، والشعور بالمساواة  واحترام الاخر الى غير ذلك من الصفات الايجابية ، لا سلبيا يجلب النفرة والتقزز الى النفوس مثل ما هو موجود في الساحة السياسية اليوم من نماذج أحزاب سلفية متطرفة أساءت الى الأسلام والمسلمين .

 أود ألأشارة الى أن بعض الأحزاب تعول كثيرا على المحاضرات في صياغة السلوك الحزبي المطلوب ، هذه المحاضرات لا تنفع لوحدها في بناء سلوكيات أفراد الحزب ، أرى أن القدوة الحسنة أشدّ تأثيرا في صياغة السلوك الحسن من النصح والأرشاد ، وهي التي تصهر وتربي أفراد الحزب على السلوك الأيجابي ، كذلك مرحلة النضال السلبي لكل حزب أن وجدت لها أهميتها ودورها في صياغة السلوك الحسن لأفراد الحزب .   

 في هذا الجانب نستطلع رؤية السيد كمال الحيدري بخصوص الفهم السليم للأسلام الذي يبني السلوك الأيجابي للفرد المسلم ، يقول السيد كمال الحيدري في كلمة له على الفيس : (( لقد أثبتت التجربة العملية أن ( الدين ) حينما يُحمّل مثقلا بالأحكام الفقهية الفرعية أو يُطرح كأيدولوجيا لبناء الأجتماع السياسي أو أستلام السلطة ، دون تجربة باطنية عميقة ، ودون تهذيب أخلاقي مدروس ، يتحول الى أداة ضد ( الدين ) وجوهر الديانة ! 

أن الأنغماس في تفريعات الأدلة الفقهية والقواعد الأصولية دون تذكير بهدف المعلم الأكبر والهتاف الأصدق ( أنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) سيملأ حياة الناس بفنون الأحباط ويمهد للردة عن الألتزام بأحكام الفقه والشريعة )) .

 هنا السيد كمال الحيدري يتطرق الى صفتين مهمتين لنجاح الاسلام السياسي الاولى التجربة الباطنية العميقة للمتصدي السياسي ، والأخرى التهذيب الأخلاقي المدروس  وكلمة ( المدروس ) توحي بأن يكون التهذيب الأخلاقي ممنهجا .

  في رأيي أن أي حزب ديني يدّعي أنه يريد أقامة حكم الله في الارض من خلال أقامة حكومة أسلامية هو أدعاء غير واقعي ، لأن حكم الله لا يقيمه الا المعصوم من نبي أو أمام ، لكن في الأمكان أن نتعايش في ظل نوعين من الحكومات .

 الأولى مدنية ، تقترب من الاسلام وقيمه في العدل والحرية والمساواة ، وأحترام المبادئ العامة للأسلام ، مثل هذه الحكومة المدنية ، لا تتعارض أو تتقاطع مع القيم والمبادئ الاسلامية التي هي أنسانية أصلا ، تقر بها جميع الشرائع التي تدعو لأحترام الأنسان ومقدساته ، وأحترام حقوقه الانسانية التي يقر بها العقل أيضا .

 الثانية حكومة أسلامية لا تُؤطر بالأطارالحزبي الضيق ، بل تتحرك ضمن فضاءات الأسلام الواسعة ، ويجب أن يكون المتولي للسلطة على رؤية السيد كمال الحيدري من أصحاب التجربة الأيمانية الباطنية العميقة ، أضافة لما يتمتع به من تهذيب أخلاقي مدروس ، ونؤكد على كلمة ( مدروس ) أي أن يخضع لبرنامج أخلاقي مبرمج ، أقامة مثل هذه الحكومة الأسلامية لا يتعارض مع الحقوق المدنية للأنسان التي يتمتع بها في ظل حكومة مدنية تحترم قيم الاسلام ، وفي رأيي أن أقرب حكومة أسلامية لهذا التوصيف هي حكومة أيران ، بعيدا عن رؤى المتشددين والمتطرفين .

لو أستعرضنا الأحزاب الأسلامية التي لا تؤمن بالتكفير والتطرف ، لم يبق من هذه الأحزاب الا القليل ، وحتى قسم من هذا القليل يدعي أنه يريد تطبيق الأسلام في الحياة ، ولا أدري أي أسلام يعني ، لأن رؤى فهم الأسلام تعددت وكثرت حتى داخل المذهب الواحد ، وكل يدعي أن فهمه للدين والقرآن هو الصحيح ، وفهم الاخرين ناقص أو على خطأ ، وأذا تيسر لهذا الحزب أن يستلم السلطة سيبذل جهده لصياغة حياة الناس وفق رؤاه الحزبية ، وسيعمل لسنّ القوانين المتوافقة مع فهمه للدين ، ويصادر فهم الآخرين ، وفي حالة الأعتراض ربما يلجأ الى القوة والعنف في فرض رؤاه الدينية ، وهذا ما قام به ( الاخوان المسلمون ) في مصر ، وما يحصل الان في ليبيا وتونس واليمن وسوريا .

في رأيي أنّ الاسلام الانساني الرحب لا يمكن حصره في القنوات الضيقة ، لأنّ في ذلك أساءة للدين ، وتضييع لقيمه الانسانية العالمية ، لذا من الخطورة الكبيرة أن يستلم حزب أيدلوجي ديني زمام السلطة بالكامل ، لأنه سيبذل جهده لدفع الناس للسير في أتجاه واحد ،وهو الأتجاه الذي يريد ، وفي هذا خطر كبير على الدين ، وتشويه لمعالمه الأنسانية الواضحة .

من خلال هذه المعطيات أرى دعوة بعض الأحزاب لأنشاء حكومة دينية ، أنما هي دعوة ظاهرها حسن ، لكن باطنها ينطوي على سلبيات كثيرة ، وهذا ما نشاهده اليوم على أرض الواقع ، عليه ندعو كل حكومة لتطبيق المبادئ الأسلامية العامة التي تدعو الى العدل والحرية والمساواة من غير فرض الأجتهادات الشخصية لبعض الاحزاب أو الرموز الدينية ، لأن مثل هذا الفرض يشوه صورة الدين التي لا يمكن حصرها في القنوات الضيقة للأحزاب أو الشخصيات التي لا عصمة عندها .

من خلال المعطيات في الحلقتين ( 1 ) ، ( 2 ) أرى أن مقبولية الحكومة الأسلامية هذه الأيام في ظل العنف والقتل العشوائي وقطع الرؤوس وأكل أحشاء القتلى ، أمر صعب ، بعد أن أصبحت هذه الأعمال الوحشية تُسوّق باسم الدين ، أما السياسيون الأسلاميون الآخرون الذين لا يرضون عن هذه الأفعال الوحشية ويدينونها ، فأن البعض منهم مصاب بداء الفساد ، أو اللهاث والركض غير المشروع وراء المصالح والمنافع الشخصية والحزبية ، بعيدا عن المعايير الدينية في النزاهة والعدالة والمساواة ، وبعيدا عن المصالح العامة للشعب والوطن ، هذه النماذج التي تعرض نفسها مرتدية رداء الدين ، وأحيانا ناطقة باسمه ، أساءت كثيرا للدين ، وولدت الأحباط في نفوس الجماهير ، وليت هؤلاء يكونوا قدوة حسنة الى الآخرين ، أن كانوا أسلاميين حقا ، ليطرحوا أنفسهم نموذجا جذابا وجيدا ، وليس نموذجا سيئا يجلب السمعة السيئة للدين ويبعد الجماهيرعنه ، لقد تشوهت سمعة الاسلام السياسي   وأخذت الجماهير تلعن هؤلاء وتبتعد عن الدين ، بسبب الأفعال المشينة للمتطرفين والمنحرفين من أدعياء الدين .

   هذان النموذجان من الأسلاميين التكفيري المتطرف ، والفاسد الذي يتاجر بالدين لمصالح شخصية وحزبية ، كلاهما متواجدان اليوم في الساحة السياسية العراقية والعربية والأسلامية ، فهل هذا يعني أننا فاقدون الأمل في العثور على العناصر المؤمنة الجيدة من السياسيين الأسلاميين ، وهل هذه السلبيات ستقود لأغلاق باب الأسلام السياسي بسبب أفعال وتصرفات من يمثل هذا الاسلام في الساحة السياسية ؟

طبعا لا ننفي وجود السياسيين الأسلاميين الجيدين الذين نعتز بتأريخهم وأفعالهم لخدمة الدين والوطن والمجتمع ، لكن هذه المجموعة المعتدلة المخلصة والنزيهة من السياسيين الأسلاميين تحاربها مجموعات الصنفين المنتميين الى الأسلام ، وهماالمتطرفون ، وتجار الدين  ، وهذه الحرب ليس في العراق فحسب بل في جميع البلدان العربية والأسلامية ،الأمر الذي أصبح من الصعب أن نطالب بحكومة دينية ، ثم أن الحكومة الدينية لا يمكن أقامتها مع تجاهل الأتجاهات والرؤى الحديثة لأقامة الحكومات ، أضافة لقناعتنا أن الحكومة الدينية الخالصة لا يقيمها الا الحجة المنتظر ( عج ) الذي ينتظر قدومه المؤمنون ، فهل هذا يعني أننا لا نسعى لأقامة حكومة تلتزم بالمبادئ العامة للأسلام ؟

 في رأيي أنه بالأمكان أقامة حكومة مدنية تحترم قيم الاسلام العامة ، يعيش المسلم في ظلالها من دون أن يشعر بأنتهاك لحقوقه أو مقدساته ، ومثل هذه الحكومة لا يقيمها حزب بعينه ، بل الشعب يتوافق بمختلف ألوانه وأطيافه على أقامتها بموجب الدستور ، وهذا هو النوع الاول من الحكومات الذي يكون مقبولا دينيا وأجتماعيا ، وأراه مناسبا لمجتمعاتنا العربية والأسلامية . 

والنوع الثاني من الحكومات هو ما نسميه ( الحكومة الأسلامية ) ، مثل هذه الحكومة تقام من قبل أسلاميين صادقي الأيمان ، وفق منظومة أخلاقية وقيمية مقبولة في العصر الحديث ، وعلى هذه الحكومة أحترام حقوق الانسان ، والحقوق المدنية الأخرى ، وتكييف الأحكام الأسلامية بما يتناسب مع العصر من دون أن تتقاطع مع الثوابت الأسلامية ، هذه الحكومة يمكن تحققها على أرض الواقع أنْ كُلف بأدارتها مؤمنون صادقون متنورون ، مثل هذه الحكومة لا أدعي أنها حكومة الله في الأرض لأن حكومة الله لا يقيمها الا الأمام المعصوم عليه السلام ، لكنها حكومة تكون هي الأقرب الى الدين مع مراعاة ظروف العصر الحديث ، والمسلم الذي يعيش في ظلالها لا يشعر بفجوة بينه وبين مدنية العصرالذي يعيش فيه ، فهي تحترم حقوق الأنسان ، مع أحترامها لمبادئ الاسلام وقيمه العامة من عدل وحرية ومساواة ، ولا أرى تقاطعا بين مبادئ الاسلام العامة التي تدعو لها هذه الحكومة الأسلامية وبين حقوق الانسان  ، لأن مبادئ الاسلام في الأصل هي أنسانية عامة ، مثل هذه الحكومة اليوم غير موجودة على أرض الواقع ، لكن أستطيع أستثناء حكومة أيران الأسلامية ، فهي الأقرب لمواصفات هذه الحكومة الاسلامية المعتدلة ، بعيدا عن التطرف ، أو المتاجرة بالدين ، مع السير بوحي المبادئ العامة للأسلام ، وأحترام حقوق الانسان المعترف بها دوليا .

بقي أن نعرف هل يوجد في الساحة السياسية الأسلامية حزب يكون الأقرب الى هذه القيم والمعايير التي أشرنا اليها ؟ 

في رأيي أن أقرب الأحزاب الأسلامية المتواجدة في الساحة السياسية العربية والأسلامية يمكنه التعايش مع الحكومة المدنية ، هو حزب الدعوة الأسلامية ، ويمكنه حسب تصوري أقامة حكومة أسلامية معتدلة بالمواصفات التي ذكرناها ، لو أتيحت له الفرصة الكاملة لتشكيلها ، وستكون هذه الحكومة هي الأقرب الى مبادئ الأسلام ، مع أحترام حقوق الأنسان ، فهوالحزب الأقرب الذي يمكنه القيام بهذه المسؤولية الكبيرة متجاوزا التطرف ، أو المتاجرة بالدين ، رؤيتنا هذه أستنتجناها من معطيات الحزب الفكرية ، لكن هذه الرؤية حسب قناعتي والمعطيات المتوفرة هي مجرد نظرية بعيدة عن الواقع ، لأنّ قيام حكومة أسلامية في العراق أمر بعيد المنال ، سواء من قبل حزب الدعوة الأسلامية أو غيره من الأحزاب ، على المدى القريب أو البعيد  وعلى جميع الأحزاب الأسلامية المعتدلة في العراق ، أن تكيّف نفسها للتعايش مع حكومة مدنية تحترم ثوابت الأسلام ، وهذا هو الواقع الذي يجب أن يقر ّ به الجميع .

في رأيي أن حزب الدعوة الأسلامية في العراق قد تعامل بواقعية مع التغيير الذي جرى في العراق في 2003 م ، حيث أستطاع من خلال أداء منتسبيه ، التوفيق بين أسلاميتهم ، وبين متطلبات العمل السياسي الذي دفع الاحزاب الأسلامية الى الساحة السياسية في 2003 م ، أداء حزب الدعوة الأسلامية نفى كل الأساليب السياسية التي تبيح أستخدام وسائل غير نظيفة لتحقيق الغايات ، مع أستبعاد للغايات الشخصية والحزبية ، حتى أعتبر البعض هذه الصفة الأيجابية مثلبة على الحزب ، لأن بعض الاحزاب السياسية الاسلامية تنتصر لأتباعها بغض النظر عن معيار الحق والباطل أو الأخذ بمعيار المصلحة العامة ، فهي تتعامل مع أتباعها حسب المقولة :

( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ) بمفهوم ما قبل الأسلام ، وهو أن تنتصر الى مَن ينتمي اليك ظالما أو مظلوما ، وليس بالمفهوم الأسلامي ، الذي يدعو لنصرة المظلوم  وردع الظالم من دون النظر الى ألأنتماء ، كذلك لا يؤمن الحزب بمبدأ : 

( الغاية تبرر الوسيلة ) ، مثل ما يسير بوحيها الكثير من الأحزاب .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=43068
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14