بسم الله الرحمن الرحيم

وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{95} 

تضمنت الاية الكريمة نهي وتقرير : 

1- ( وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) : نهي , لا تستبدلوا عهد الله تعالى وبيعة رسوله (ص واله) مقابل ثمن يسير في الحياة الدنيا , فمصير كل ما فيها الى زوال .

2- ( إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) : تقرير , ان ثواب الوفاء بعهد الله تعالى وبيعة رسوله (ص واله) لها من الاجر والثواب الكثير في الاخرة , حيث دوام النعمة وخلوها من المنغصات , ( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) , ان كنتم تعلمون ذلك فلا تنقضوه .      

مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{96} 

تبين الاية الكريمة مقررة ( مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ) , كل شيء في الدنيا يتصف بصفتين او اكثر : 

1- زائل لا دوام له . 

2- كل نعم الدنيا لا تخلو من المنغصات العرضية وغير العرضية , مثلا , الفلاح لا يجني ثمار حقله الا بعد ان يبذل مزيدا من الجهود ( متطلبات الزراعة – حراسة الحقل وحفظه من العابثين ... الخ ) .    

( وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ ) , عكس ذلك تماما , ان ما عند الله تعالى من النعم والخيرات دائمة , لا منغصات ولا مجهود في تحصيلها , ( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ ) , صبروا على الوفاء بالعهود وطاعته عز وجل وطاعة رسوله (ص واله) , وخصّ الصابرين بالذكر هنا لانهم الاكثر عناءا , ( أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) , العاقبة الحسنة .        

مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{97} 

تبين الاية الكريمة ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) , تضمن النص المبارك امرين : 

1- ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) : لا تمييز ولا تفاضل بالجنس , الايمان والعمل الصالح من الذكر او الانثى مقبول وعليه نفس الاجر لكليهما . 

2- ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) : اكثر المفسرين يشيرون الى ان تلك الحياة في الدنيا , حيث سيكتنف صاحبها طيب ورغد العيش , ويشيرون ايضا الى ان ذلك لا يمكن ان يكون من غير ( القناعة والرضا بما قسم الله ) , ففي القناعة والرضا والتسليم بما قسم الله تعالى كل الخير .

بينما يشير اخرون الى ان المؤمن المتحلي بالقناعة والمستمسك بحسن الخلق والسيرة يكون جنة بذاته .   

ذاك في الدنيا , اما في الاخرة ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) , حسن العاقبة ومنتهى الاحوال .     

مما يروى في سبب نزول الايات الكريمة ( 95 – 97 ) ان رجلا من حضرموت يقال له عيدان الاشرع قال : يا رسول الله : ان أمرأ القيس الكندي جاورني في ارضي فاقتطع من ارضي فذهب بها مني . "مصحف الخيرة /علي عاشور العاملي" .

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{98} 

تأمر الاية الكريمة المؤمن عند قراءته للقرآن الكريم او شيئا منه ان يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم , الذي سيعمد الى مشاغلته بالوساوس والخواطر الشيطانية . 

اما كيفية الاستعاذة فنذكر ثلاثة كيفيات : 

1- ( عن الصادق عليه السلام قيل له كيف أقول قال : تقول أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال الرجيم أخبث الشياطين ) "تفسير العياشي" , ( وفي قرب الأسناد عن سدير قال صليت المغرب خلف أبي عبد الله عليه السلام فتعوذ بإجهار أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم )"تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" . 

2- عن ابن مسعود قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبرئيل عن القلم عن اللوح المحفوظ .

3- عن الباقر عليه السلام إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي إلا تستعيذ . "الكافي" .  

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{99} 

تبين الاية الكريمة مقررة ان الشيطان الرجيم ليس له التسلط او الولاية على المؤمنين بالله تعالى ورسوله , فأنهم لا يطيعون اوامره . 

إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ{100}

تبين الاية الكريمة مقررة ايضا , ان سلطته (لعنه الله) على الذين يحبونه ويتولونه بالطاعة وجعلوه معينا لهم وبكل ذلك هم مشركون .  

(في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال يسلط والله على المؤمن على بدنه ولا يسلط على دينه قد سلط على أيوب فشوه خلقه ولم يسلط على دينه وقال الذين هم به مشركون يسلط على أبدانهم وعلى أديانهم . 

والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال ليس له أن يزيلهم عن الولاية فأما الذنوب وأشباه ذلك فإنه ينال منهم كما ينال من غيرهم والقمي مثله ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .      

وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} 

توضح الاية الكريمة ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ) , نسخها , ( وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ) , بالمصلحة , لعل ما يكون صالحا في وقت او مكان ما غير صالح في وقت او مكان اخر , ( قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ) , عندما تنسخ اية بآية اخرى كان يقول الكفار للنبي الكريم محمد (ص واله) "انما انت مفتر , تأمر بشيء ثم تنهي عنه" , ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) , اكثرهم لا يعلمون المصلحة في ذلك , ولا يميزون الخطأ من الصواب . 

الاية الكريمة بمجملها كانت في محل الرد على الكفار المعترضين على نسخ الايات الكريمة , ظنا منهم ان ذلك يطعن ويقدح بمصداقية وصحة نبوته (ص واله) .         

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102}

توجه الايه الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) ان يقول (  قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) , جبرائيل (ع) , (  مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ) , بالحق الثابت المشتمل والمتلبس بالحكمة , اما اهدافه فهي :       

1- ( لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ ) : يثبت المؤمنين ايمانهم به , فاذا تدبروه ادركوا ما فيه من الصلاح والحكمة , ما يرسخ العقائد في القلوب {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82 .  

2- ( وَهُدًى ) : من الضلالة . 

3- ( وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) : بشارة طيبة لمن انقاد لحكم الله تعالى .    

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103} 

تعرض النبي الكريم محمد (ص واله) الى كثير من التهم , فتذكر الاية الكريمة واحدة منها , ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) , اتهموا النبي الكريم محمد (ص واله) انه يأخذ من ابي فكيهة مولى ابن الحضرمي وهو من اهل الكتاب , وكان قد اسلم واتبع النبي الكريم محمد (ص واله) , فقال كفار قريش ( هذا والله يعلم محمد ) , ( لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ) , يبين النص المبارك ان لسان ( لغة ) الذي يميلون اليه اعجمي , لا يحسن اللغة العربية , ( وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) , وهذا القرآن الكريم ذو فصاحة وبيان وبلاغة , يعجز ان يأتي بمثلها شخص عربي فضلا عن اعجمي .     

إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{104} 

تبين الاية الكريمة ( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) , لا يصدقون انها من عنده جل وعلا , ( لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ ) , سيخذلهم ولا يلطف بهم جل وعلا , ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) , مؤلم في الاخرة .    

إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ{105}

تضمنت الاية الكريمة ردا على قول الكفار ( قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ) , وبينت ان الذين يفترون على الله تعالى هم من لا يصدقون به ولا يخافون عقابا يردعهم عن افتراءاتهم , فواقع الحال الايمان يمنع من الافتراء والمؤمن لا يكذب او يفتري , ( وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) , بل هم الكاذبون بافتراءاتهم .