تضامنا مع موقف السيد مقتدى الصدر بأعتزال السياسة ، ندعو لتغيير الدستور والتوجه نحو النظام الرئاسي الذي يختار فيه الشعب رئيسه بشكل مباشر، فيكون مسؤولا أمام الشعب كي يعمل وفق مبادئ الدستور ، ويكون دور البرلمان تزكية الوزراء المرشحين من قبل الرئيس المنتخب شعبيا مع مراقبة أداء الحكومة ، في النظام الرئاسي يمكن أن تسير العملية السياسية بعيدا عن الأحزاب والتكتلات ، بل يمكن حلها ، وبذلك يتخلص الشعب والوطن من سلبيات وممارسات بعض الأحزاب سيما وأن البعض منهم يتخذ من الدين وسيلة لتحقيق المكاسب الحزبية والشخصية ، أما أن بقي النظام البرلماني على حاله ، فأن هذا النظام وفق النسق الديمقراطي يحتاج الى وجود أحزاب ، تعمل وفق قانون خاص ينظم عملها ، لكن هذا القانون لم يشرع لحد الآن ، وهذه سلبية أخرى تضاف الى سلبيات عمل البرلمان ، وفي ظل النظام البرلماني يجب أن تشكل الحكومة بالأغلبية السياسية ، وهذا غير معمول به أيضا ، لأن العملية السياسية تسير وفق نظام المحاصصة الذي جلب المصائب للعملية السياسية ، والضحية في كل هذه السلبيات هو الشعب العراقي .
أعلن السيد مقتدى موقفه الرافض لتصرفات وأعمال بعض السياسين المحسوبين على التيار الصدري ، بعد أن أكتشف سلبيات عمل هؤلاء ، علما أنّ الخطأ الذي يقع فيه السياسي المحسوب على الدين يكون أكثر أيلاما ، ويولد ردود فعل جماهيرية أكبرمن الخطأ المرتكب من السياسي الذي يمارس دوره بعيدا عن الدين ، تراكم هذه الأخطاء ولد ردّ الفعل القوي من السيد مقتدى ، وهذا دليل على الأحباط الذي مني به السيد من تصرفات وأفعال السياسيين المحسوبين على التيار الصدري ، فاقتنع أن هؤلاء السياسيين لا يمثلونه سواء كانوا في البرلمان أو الحكومة ، فكان موقفه الذي رفض فيه هؤلاء السياسيين .
في رأيي أن الأحزاب السياسية الدينية منيت بنكسة كبيرة ، ليس تيار الأحرار فحسب بل تيارات وأحزاب أخرى ، أذ ولّد الأداء المتعثر والسيء أحيانا الأحباط في نفوس الجماهير ، وقد شخص الشعب أن الكثير من مواقف الأحزاب الدينية التي يفترض أن تعمل بعنوان القربة الى الله تعالى ، وان تخدم الجماهير لنيل رضا الله ، أصبح بعيدا عن الشعارات التي ترفعها هذه الأحزاب ، وقد تبين أن البعض من شخصيات هذه الأحزاب يلهث وراء مصالحه الشخصية أوالحزبية ، كما أن بعض المواقف لهذه الأحزاب الدينية لا يصب في مصلحة الجماهير ، وهذه المواقف باتت ظاهرة للعيان وقد شخصها الشعب العراقي ، بل بعض الأحزاب وقفت حجر عثرة في البرلمان لتعويق تشريع بعض القوانين التي تخدم ألجماهير ، نكاية بالمنافس السياسي الآخر الذي تبنى طرح هذا القانون ، كي لا يحتسب كأنجاز لهذا السياسي المنافس ، وطرح قانون البنى التحتية في البرلمان ، ومواقف الأحزاب منه ليس ببعيد عن ذاكرتنا ، فهذا النفس التعويقي والمخرّب بدأت الجماهير تحس وتشعر به ، وكان آخر هذه المواقف تشريع قانون التقاعد الموحد ، الذي أضيفت اليه فقرات تخدم أعضاء البرلمان ، وتحقق لهم الأمتيازات خارج الأرادة الشعبية ، وتجاوزا على قرار المحكمة الأتحادية الذي أبطل هذه الأمتيازات .
هذه المواقف للسياسيين هي من جملة العوامل السلبية التي شخصها السيد مقتدى ، فأعلن رفضه لهؤلاء السياسيين ورفض مواقفهم التي ستحسب على التيار الصدري ، وكان موقفا شجاعا وجريئا ، أن قرار السيد مقتدى ولّد هزة قوية في نفوس أتباعه من تيار الأحرار خاصة مَنْ يشارك منهم في البرلمان أو الحكومة ، وولد هزة أيضا في نفوس الأحزاب الدينية ألأخرى ، أذ أنتبهت على نفسها وأخذت قياداتها تراجع تصرفات أتباعها ، بل هذه القيادات أخذت تراجع الذات لغرض التعديل والتقويم ، أرى أن خطوة السيد مقتدى مهمة جدا ، سيما أذا كانت خطوة لا تراجع فيها ، أذ ستقود هذه الخطوة لو أستمرت الى أن تنتبه الأحزاب الدينية على تصرفات أتباعها ، وتعيد النظر في آليات عملها ، أو على الأقل تأخذ رضا الله تعالى في الحسبان أثناء أدائها السياسي ، كما ستأخذ موقف الجماهير منها بنظر الأعتبار ، وربما ستدفع خطوة السيد مقتدى قادة بعض الأحزاب النأي بأنفسهم عما يتقاطع مع مصالح الجمهور، وتكون مواقفهم حذرة فيما يُطرح ، كذلك ستدفع قادة الأحزاب لمحاسبة أتباعهم أن أضروا بالمصلحة العامة ، أو ضُبطوا وهم يشجعون أو يمارسون الفساد ، وللأسف بعض مَنْ يُحسب على هذه الأحزاب لا يترددون من القيام بافعال تجلب السمعة السيئة الى أحزابهم .
نتمنى أن تدفع خطوة السيد مقتدى الأحزاب والتيارات السياسية الدينية التي وقعت في أخطاء ، فضيعت فيها حق الشعب العراقي ، أو أخرّت تحقيق مصالحه أن تمتلك شجاعة وجرأة سيد مقتدى فتحل نفسها .
أرى أن خطوة سيد مقتدى يجب أن يرافقها مطلب جماهيري ، لتغيير النظام السياسي من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي ، وهذا يتطلب التغيير في بعض فقرات الدستور، وهذا المطلب يجب أن يطالب به الشعب العراقي لأنه يتناسب مع موقف سيد مقتدى ، وأذا تعذر ذلك يجب أصدار قانون للأحزاب يضع الضوابط لتشكيلها ، ويحدد آليات عملها ويقطع تبعيتها بدوائر النفوذ الخارجية ، أضافة الى ذلك يجب اللجوء الى حكومة الأغلبية السياسية ، وهذا من مستلزمات العمل البرلماني الديمقراطي ، ويسمح به الدستور العراقي الحالي .
أخيرا نتمنى أن يستمر السيد مقتدى على موقفه ، كي تكون الخطوة الأخرى الأنتقال الى النظام الرئاسي ، من خلال المطالبات الشعبية ، وتبني هذه المطالبات من قبل السياسيين الأوفياء لوطنهم وشعبهم ، وفي ظل النظام الرئاسي يمكن الأستغناء عن كثير من الأحزاب ، لأن الخيار في النظام الرئاسي يكون للشعب فقط .