سمعت هذه القصة من عدد كبير من المتقدمين في السن من أبناء المدينة التي أعيش فيها حيث يروون بان رجلا طيبا يدعى( خاندان ) وهو من اصول إيرانية كان في خمسينات القرن الماضي يتبرع برفع الآذان للصلوات المختلفة وقد كان يستخدم الوسائل البدائية في تحديد وقت حلول الفريضة لعدم وجود الساعات او الإذاعات التي يمكن أن تساعده في أداء مهمته ..وفي مساء احد الأيام هبت عاصفة ترابية صفراء حجبت الشمس تماما وحل الظلام في كل مكان حتى بدا لصاحبنا وكان النهار قد انقضى وان صلاة المغرب قد حلت فاعتلى منصته وأذن لصلاة المغرب بلكنته الفارسية المحببة وبعد مرور برهة خفت العاصفة وطلعت الشمس وتبين لصاحبنا أن الليل لم يكن حقيقيا فعاد إلى منصته وراح يردد بأعلى صوته (كزب , كزب , كزب ) فهو على أي حال كان ينطق الذال زايا فخرجت كلمة( كذب) على لسانه بالطريقة الانفة ...
ويبدو أن أعضاء مجلس نواب الشعب العراقي قد سمعوا بهذه الحكاية فقرروا العمل بروحها وهم يشرعون قانون التقاعد الموحد المليء بالكذب والمراوغة فهو في الواقع ليس موحدا وإنما قام بتصنيف العراقيين إلى عدة أصناف تبدأ بالسادة وتنتهي بالعبيد ...ولست ادري بأي حق ينظر هؤلاء السادة إلى العراقيين وكأنهم جيش من المتسولين وكأن أموال النفط العراقي هي أموال إبائهم وأمهاتهم يتصدقون بها متى شاؤوا وقد فاتهم جميعا بأنه لا فضل لأي واحد منهم على العراقيين والعكس هو الصحيح لان الشعب هو الذي وضعهم في قلب هذا المجد التليد ,,تذكروا أيها السادة أن المال كالدماء كلاهما مقدس وإذا كان الشعب قد خدع اليوم فسوف يصحو غدا والعاقبة للمتقين ... ولعل اغرب ما في قانون (خاندان )للتقاعد تلك الفقرة المستفزة لمشاعر الناس التي تتعلق بالخدمة (الجهادية ) التي أظهرت جليا بان هؤلاء (المجاهدين )ينظرون إلى ثمن الجهاد وكأنه غارات منظمة على أموال يتامى (القادسيات ) المشتعلة منذ عام 1981,, والغريب أن الجهاد يقتصر لديهم على أولئك الذين غادروا العراق في محنته إلى لتدن وباريس وطهران وأنقرة وغيرها ليجد الكثير منهم الأيادي ممدودة إليه من قبل هذه الدولة أو تلك لأغراض لا تخفى على اللبيب ..
إن أولئك الذين صمدوا في الداخل العراقي وذاقوا الأمرين في ظل نظام كان يعتبر من لم يكن معه فهو ضده وقد يواجه أعواد المشانق في ابة لحظة بتهمة الخيانة العظمى او الانتماء إلى (حزب الدعوة العميل) أقول بان أولئك في نظر (المجاهدين ) الجدد بعثيون وعفلقيون وخونة يجب اجتثاثهم ...وكأنهم لا يعلمون بان مجرد التوقف عن التصفيق قبل الآخرين في حضرة (الرئيس القائد ) كان يمكن أن يعتبر جريمة تؤدي بصاحبها إلى الموت الزؤام إذا تم رصدها ,...ومما تقدم نستنتج بان صدام حسين كان قد صفى معارضيه ويكفي عراقيي الداخل شرفا أنهم لم ينتموا إلى حزب السلطة انذاك ولم يتعاونوا مع أجهزته الأمنية
يروى في التاريخ بان عمر المختار في ليبيا نجح في إحدى المعارك مع الايطاليين بابادة سرية بكاملها ولم يبق منها حيا إلا آمرها وهو ضابط شاب ,,,وعندما مثل أمام المختار أعطاه الأخير راية السرية وأطلق سراحه وقال له(قل لأسيادك بأننا نحترم بلدهم وحضارته ولكن هذه الصحراء لبست منها )..وعندما عاد الشاب الايطالي إلى رؤسائه شرح الأمر لهم بكل أمانة ولكن القائد العام للجيوش الايطالية وجد من المصلحة أن يجعل من ذلك الضابط المهزوم بطلا قوميا وهكذا منحه أعلى الأوسمة والأنواط لشجاعته الفائقة وصموده البطولي وإنقاذ راية السرية من وقوعها بيد الليبيين (المتمردين )والى آخر مسلسل البطولات الزائفة ...وما أكثر العبر واقل المعتبرين والعاقل يفهم ....