• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مع السنة في لقاءات وحوارات ..(الحلقة الثانية) .
                          • الكاتب : السيد حيدر العذاري .

مع السنة في لقاءات وحوارات ..(الحلقة الثانية)


الأخ العزيز خالد الرحال ، سنّي حنبلي ، من أصول فلسطينيّة ، خريج جامعة دمشق ، كليّة الآداب ، قسم التاريخ ، إلتقيته في سوريا وخضت معه حواراً هادئا ًاستمر بيننا أكثر من شهر ، كانت نتيجته : إعلان الرحال تشيعه بالإضافة إلى بعض أفراد أسرته وبعض زملائه..
  قال لي في اليوم الأول من لقائنا انه مولع بسيرة النبي(ص) ، وقد ألّف كتاباً صغيراً عن سيرته, لم يطبع بعد ...
  فقلتُ له : وعلى أي المصادر اعتمدت في كتابته ؟
فقال : اعتمدتُ على ما ذكره ابن هشام ، وابن إسحاق ، والطبري وغيرهم ...
  فقلتُ : ممّا لا شك فيه أن تاريخ النبي وسنّته تعرضت لتحريفٍ هائل ، والدليل وجود روايات مختلفة ومتناقضة في وصف كثير من الوقائع التاريخيّة أو السلوكيّة للرسول صلى الله عليه وآله ...
  ثم ذكرتُ له ما قاله أستاذنا العلامة المحقق السيد سامي البدري عن هذه المسألة إذ قال : وهذا التناقض والاختلاف واسع وكبير إلى درجة إننا نستطيع أن نكون من مجموع هذه الأخبار صورتين متناقضتين للنبي )ص) سواء في جانب تاريخه أو في جانب طريقته في الحياة وسنته .
  الصورة الأولى : تظهره(ص)  شخصاً أقل من مستوى الإنسان الاعتيادي في مختلف مجالات الحياة ، فهو يلعن الآخرين من غير استحقاق ، ولا يصبر عن النساء ، الأمر الذي يفرض عليه أن يصطحب معه في كل غزوة واحدة من نسائه ، ويوجد في صحابته من هو اشد حياءا ًمنه ، ويبول واقفاً إلى غير ذلك من السلوكيات المشينة ...
 ثم سألته : هل وجدت في كتب التاريخ وصفه ـ ص ـ بأنه يبول وهو واقف ؟ وهل ذكرت ذلك في كتابك ؟
  فقال : نعم وجدتها ، واحسبني أني ذكرتها !
فقلتُ : وهل يعقل مثل هذا التصرف أن يصدر من رجل وصفه القرآن الكريم بأنه على خلق عظيم ؟ والإنسان الاعتيادي لا يفعله ؟!
  فقال : لم اتنبّه لهذه المسألة ، وهي تحتاج إلى مراجعة وتأمل !
قلتُ : وهناك صورة ثانية بعكس الأولى تماماً ، تظهره مثلاً أعلى في كل ميادين الحياة في الخلق وحياء والفضيلة وعدم الانتقــام لنفسه..آلخ
 فقال : صحيح القضية بحاجة إلى تحقيق ..
فقلتُ : لو انكَ دققتَ النظر في كتب التاريخ لوجدتَ الكثير من الحقائق قد غُيّرت أو بُدّلت أو حُرّفت اوغَيّبت إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام ومنزلته من رسول الله (ص) ...
  وامتدّ بنا الكلام لأيام متواصلة كان محوره : الإمامة في القرآن ، وإمامة علي بن أبي طالب ، وشخصيته ، وبلاغته ...
واستشهدت بالآية 124من سورة البقرة كشاهد على وجود الإمامة في القرآن وهي : ((قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))
  فقال : أن الإمامة في هذه الآية يقصد بها (النبوة) .
فقلتُ : ليس الأمر كذلك بدليل :
1ـ أن نزول الوحي على إبراهيم )ع) وجعله طرفاً للخطاب بقوله :    ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا )، أوضح دليل على انه كان نبياً يتلقى الوحي قبل نزول هذه الآية بهذا الخطاب.
2ـ أن إبراهيم (ع) طلب الإمامة لذريته ، ومن الثابت انه كان نبياً قبل أن يرزق أي من ولديه ـ إسماعيل وإسحاق ـ وعليه : أن الإمامة في الآية غير النبوة ، وإلا كان تحصيل حاصل ؟!
  وإن الإمامة عهد الهي ، وجعل رباني ، وتنصيب سماوي (إِنِّي جَاعِلُكَ) ولا بدّ أن تكون بالنص الموحى لرسوله ، وبدوره ـ الرسول ـ يبلغ الأمّة بذلك كما فعل في حجة الوداع ، وقبلها ، حين كان يؤكد دائماً على إمامة علي ،وانه وصيه وخليفته من بعده، وانه يؤدي دينه وينجز عداته ، وان سلمَه سلمُه ، وحربه حربه ، وانه منه بمنزلة هارون من موسى إلّا انه لا نبي بعده ،وان الحق معه يدور حيث يدور وغير ذلك من الأحاديث المتواترة والمستفيضة بحق علي وأبنائه ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ..
  ثم قلت له : وليس مقام الإمامة هو مقام رئاسة الدولة أو الحكومة كما يتصور الكثير خطأً ، بل هو مقام الهي تشريعي رباني ، لقيادة الأمّة وإدارة شؤونها ـ على جميع الأصعدة ـ سواء كان الإمام رئيساً للدولة أو لا ..نعم انه أولى من غيره بمنصب الرئاسة لكن لو سلب منه لا يقدح ذلك بمقام إمامته ...
  ثم تطرقت إلى هذا الجزء من الآية (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وقلتُ : أن الإمامة عهد الهي لا يناله الظالم ـ أما غير الظالم ـ فيستحق الإمامة ، أما الناس بالنسبة للظلم فهم على أربعة أقسام :
1ـ من كان طيلة حياته ظالما .
2ـ من كان طيلة حياته عادلا .
3ـ من كان ظالماً بداية حياته ، تائباً في آخرها .
4ـ من كان عادلاً في بداية حياته ، ظالماً في آخرها .
 فهل النبي إبراهيم )ع) سأل الإمامة لمن كان ظالماً طيلة حياته ؟ بالتأكيد لا.
 وهل طلبها لمن كان عادلاً ثم صار ظالما ؟ بالتأكيد لا .
وبلا شك أن القسم الثالث ـ من كان بداية حياته ظالماً ثم تاب كما عليه الخلفاء الثلاثة ـ داخل في القسم الثاني لشموله بـ(الـ) الاستغراق .
فيبقى القسم الثاني ...
  وممّا أكد عليه القرآن أن الشرك من أعظم أنواع الظلم كما جاء على لسان لقمان وهو يعض ابنه قائلاً : ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)). لقمان:13.
    وباتفاق المؤرخين أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا في شطر من حياتهم مشركين ! بل إن عمر اسلم بعد سنوات من مجيء الإسلام !
  وفي تلك الفترة كانوا عّباد أصنام ، وبهذا خرجوا من منصب الإمامة واستحقاقه ..
  ويتفق المسلمون ـ سنّة وشيعة ـ على أن علي بن أبي طالب لم يسجد لصنم قط ، وحينما يذكرون اسمه يقولون : (كرم الله وجهه) لماذا ؟
الجواب : لأنه لم يسجد لصنم قط !
فهو اذاً لم يشرك طيلة حياته ، وهو من ذرية إسماعيل ومن الأمّة المسلمة الموعودة التي طلبها إبراهيم حينما رفع القواعد من البيت وإسماعيل ...( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).البقرة:127-128
  ثم جرنا الكلام إلى عدالة علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت له : أتعلم ما يقول علي عن عدالته ؟
  فقال : وما يقول ؟
قلتُ : يقول في نهج البلاغة : (والله لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت)!
  فقال : أعد هذه الكلمات.
فعدتها.
وطلب إعادتها مرة أخرى .
فكررتها.
 فقال ـ والدموع تنحدر على خديه ـ :
من كان كذلك لا بدّ أن يتبع...أنا أعلن تشيعي.
  ثم أخبرني أن مجموعة من أسرته وأصدقائه تشيعوا ...وأهديته مجموعة من الكتب ومنها كتاب المراجعات للسيد شرف الدين العاملي ، والشيعة والتشيع للسيد الشيرازي ، وكتب فقهيّة وتاريخيّة أخرى..

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=41443
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 01 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13