• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أسرار زيارة الأربعين (الحلقة الثامنة) .
                          • الكاتب : مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله) .

أسرار زيارة الأربعين (الحلقة الثامنة)

  أصحاب الحسين عليه السلام سادة الشهداء:

 
وليس الأمر يقتصر عليه(ع) وإنما أصحابه لهم منزلة وأنجذاب فضلاً عنه(ع) فقد ورد نعتهم بسادة الشهداء كما في الزيارة الواردة عن المعصوم «أنتم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة»([1]) فما هو سرّ ذلك؟!
 
إنَّ محنة الاستضعاف في ملحمة الطف كانت محنة شديدة، لأن احتمال الظفر والنصر كان ضئيل جداً، ولم تكن المحنة في أنفسهم فقط بل محنوا في أولادهم ونسائهم وممتلكاتهم، فكان الجميع يعلم أن نسائهم سوف تسبى وتسجن كبقية حريم الحسين(ع) وكذلك أولادهم وشملهم سوف يشتت، ودورهم سوف تصادر وتحرق وهذا كل ما يملكونه سوف ينسف تماماً. فهم عاشوا أيام عديدة لهذا الامتحان وأما الباقين فهم منكفؤون على أنفسهم، فمن لم يكونوا أعداء وشاركوا في معسكر بني أمية وعمر ابن سعد وعبيد الله بن زياد فهم لا أقل متخاذلين ومنكبين على أنفسهم، وكان بعض هؤلاء من الصحابة والتابعين ومن الأسماء اللامعة. بينما أصحاب الحسين(ع) عاشوا هم طلاق الدنيا وليس في لحظة من اللحظات وإنما لعدة أيام، فتارة الإنسان يستشهد فجأة فهو يرى الحدث لحظات ثم يقتل، أما هنا فالأمر مختلف تماماً فهم عاشوا الشهادة لأيام وأسابيع لأن قائدهم بشرهم ونبأهم بكل ما يجري عليهم وعلى عيالاتهم وتراهم يجيبون إمامهم بقولهم: «والله لا نخليك، حتى يعلم الله إنا قد حفظنا غيبة رسول الله’  فيك، والله لو علمت أني أقتل، ثم أحيى، ثم أحرق حياً ثم أذر ويفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك»([2]).
 
والآخر يقول: «والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا قتلنا كنا قد وفينا وقضينا ما علينا»([3]). بل كان لديهم إندفاع ونشاط وحيوية، ولم يصبهم أي زلزال أو اضطراب أو تملل نفسي وهذا هو العلو في همة النفس ونجابتها.
 
بلْ حتّى نسائهم كانت لهن هذه الامتحانات التي بدأت قبل محرم إلى ما بعد عاشوراء التضحية والفداء، فإن دعم هذه النسوة يزيد في الهمة والقوة للرجال.
 
إذنْ سؤدد شهداء الطف سببه هذا الامتحان الطويل وفي كل ميادين النفس ولم تكن لهم شهادة بأبدانهم ودمائهم فقط بل شهادات علو نفساني وفي ميادين كثيرة من فضائل النفس، فليس جهادهم كباقي الجهاد كما في شهداء بدر فقد وعدهم الله بالنصر الدنيوي ولكن في شهداء الطف عاشوا شدة الاستضعاف أي الذي يعبر عنه بالقتل التدريجي ونراهم يتمنون القتل ألف مرة ليس فداءاً لسيدهم الحسين(ع) فحسب بل لما دونه لأهل بيته كما يقول زهير بن القين «والله لو وددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت، حتى أقتل كذا ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك»([4]).
 
زوار الحسين عليه السلام ينشغلون بجماله عن الحور العين:
 
إنَّ أساس العلاقة التي بين أولاد الحسين مع الحسين، وأخوة الحسين مع الحسين، وأصحاب الحسين مع الحسين هي الحب، وهذا ليس قصة تكليف، ولا قصة استجابة عقلية، فإن كل أحداث عاشوراء لا نستطيع تفسيرها بأنها دعوة عقلية لطاعة سيد الشهداء(ع) لأن هذه الطاقة لا تتولد من العقل ولا من القلب ولا من التكليف «ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك» لأن بعض الأفعال التي تصدر ممن يحيط بالحسين(ع) لا تفسر خوفاً من النار ولا طمعاً في الجنة التي هي دعوة العقل، بل لا تفسر إلا «وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»([5]).
 
وهذا هو الحب، فإن الحب له هذه الطاقة وهذه الحركة، أما حركة قوة التكليف فأقل من ذلك بكثير، ولذلك يقولون الطف حركة حب وليست حركة عقلية بل فوق قوة حركة التكليف والعقل، ولذلك نرى أن زوار الحسين(ع) يوم القيامة ينشغلون بالنظر إلى جمال وجه سيد الشهداء ويتركون أزواجهم من الحور العين حتى تجزع تلك الحور من الأنتظار.
 
فعن زرارة, عن أحدهما(ع) أنه قال: يا زرارة مافي الأرض مؤمنة إلا وقد وجب عليها أن تسعد فاطمة÷ في زيارة الحسين(ع), ثم قال: يازرارة انه إذا كان يوم القيامة جلس الحسين(ع) في ظل العرش, وجمع الله زواره وشيعته ليبصروا من الكرامة والنضرة والبهجة والسرور إلى أمر لايعلم صفته إلا الله, فيأتيهم رسل أزواجهم من الحور العين من الجنة فيقولون: إنا رسل أزواجكم إليكم؛ يقلن: إنا قد أشتقناكم وأبطأتم عنا, فيحملهم ماهم فيه من السرور والكرامة على أن يقولوا لرسلهم: سوف نجيئكم إن شاء الله([6]).  
 
وهذا يعني أن التعلق بالحسين(ع) فوق قدرة التكليف العادي وفوق قوة قدرة العقل ولذلك من أعظم صفات سيد الأنبياء أنه (حبيب الله) وهذا لم يناله أحد من أولي العزم وغيرهم.
 
وبعبارة أخرى في بعض الخطوات جهنم ليست لها أي قدرة داعوية، وكذلك الجنة بأكملها ليست لها قدرة داعوية باعثية محركية للإنسان أن يخطوها، ولكن الذي خطى كل هذا هو من يحيط بسيد الشهداء(ع) لأن عالم النور أعظم تأثيراً في النفوس جذبا وتحريكا من عالم الجنان وعالم النيران. ولذلك يترك زوار الحسين(ع) الحور العين لأنهم يرون نور الحسين(ع) أبهى من الجنة فكيف يتركوه «ما عبدتك طمعاً في جنتك بل وجدتك» وكرر وجدتك وجدتك، «فما الذي فقد من وجدك وما الذي وجد من فقدك»، ففي قوله(ع) «فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي…» فما الذي جذبهم إلى الحسين(ع) وهم تيقنوا أنهم سيقتلون ويقطعون؟!
 
إنَّ الذي جذبهم هو نور الحسين(ع) والتي هي أكثر قدرة جاذبية من الجنة، وأكثر قدرة محركية  من فوق النيران. ولذلك فإن كل طبقة من طبقات المجتمع وكل شريحة من شرائحه وكل سن وعمر من أعمار الإنسان يجد نسخة كمال له متناسبة ومتناغمة في كتاب كربلاء، وكتاب الحسين، وكتاب الطف، وهذا إنجذاب عام لسيد الشهداء(ع).
 
 
 
 
([1]) كامل الزيارات: 36، الباب: 79، الكافي ج4: 574.
 
([2]) ابن كثير ج8: 177، وابن طاووس في اللهوف: 36.
 
([3]) المصدر السابق.
 
([4]) الإرشاد للمفيد: 231، تاريخ الطبري.
 
([5]) بحار الأنوار، ج64: 186؛.
 
([6]) نوادر علي بن أسباط: 123 المطبوع ضمن الاصول السة عشر، بحار الانوار 101: 75، مستدرك الوسائل 10:228 ـ 229



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=40996
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14