بسم الله الرحمن الرحيم
الخرافات المنتشرة بين أفراد المجتمعات كثيرة ، وكلما نظرت لعدة منها تحيرت ، لعدة اسباب :
١- من اين نشأت
٢- كيف انتشرت
٣- كيف يؤمن بها الإنسان
٤- لماذا يدافع عنها بقوة
٥- من وراءها
الى غير ذلك من الأسئلة التي تختلج في صدري .
هناك إجابات يمكن ان تفي ببعض الغرض لا كله ، لان المسئلة أكبر ، فكلما تفكرت رأيت ان فيها ما يدمي القلب ويملؤه قيحا .
ان انتشار البعض منها بشكل كبير بين أفراد المجتمع جعلنا نعتقد أنها حقيقة لا يشوبها شك ، بل أننا نحارب كل من يشكك او يحاول ان يشكك بها . لكن بعد ألفحص والتدقيق ، تجد ان مقولة (( كم من مشهور لا اصل له )) مصيبة وواقعية .
يقول الدكتور قاسم حسين صالح في هذا الموضوع :
((( خلاصة الخرافة تقول..ان طفلا نطق في ساعة ولادته محذّرا الناس من مرض خطير ..الوقاية منه لا تكون بغير الحنّاء..ثم فارق الحياة.
ولكي تتحول الخرافة الى شائعة تنتشر بين الناس،فانه يجب ان تتوافر فيها ثلاثة شروط:استثنائية الحدث،وغموض المصدر،وجمهور يتقبلها.
والحدث هنا كان معجزة..اذ لا نعرف في التاريخ طفلا كلّم الناس في المهد سوى النبي عيسى(ع).والمصدر غامض..فقسم يؤكد ان الطفل ولّد في مدينة الصدر ومات بعد ان نطق التحذير،وآخر يؤكد انه ولّد في كربلاء ومات بعد ساعتين،وثالث يجزم انه ولّد في محافظة النجف وعاش يومين..وأن والد الطفل اسرع مرعوبا الى رجل دين له علم بلغات الغيب وفسّر كلام الطفل بأن عاصفة ترابية ستهب على النجف ولن ينجو منها الأطفال الا من يحنّي أهله رأسه بالحنّاء.
ولأن العراقيين من اكثر الشعوب ايمانا بالخرافات ،فان خرافة الطفل انتشرت بينهم انتشار النار في زرع يابس..ولاحظ ان جمهورها الأول كان شعبيا دينيا(مدن الصدر وكربلاء والنجف)..ثم انتشرت الى المحافظات الأخرى.واللافت انها انتشرت في قطاعات اخرى.فبحسب جريدة المدى(العدد 2389في 21/5/12) "ان الأمر تطور ليصل الى دور العبادة،وعلم الفلك ويأخذ جوانب اقتصادية وثقافية واجتماعية".وأنها "افرغت العراق من الحنّاء وجعلت ايران تتهيأ لا رسال شاحنات حنّاء الى العراق"بحسب الكاتب أحمد عبد الحسين..وأن سعر الكيس الواحد منه قفز من ألفي دينار الى خمسة آلاف دينار،وان أسواق الحلة نفدت من الحنّاء..وفقا لتقرير صحفي من بابل اعده ساجدة ناهي وحيدر الحيدري.
وبحسب تقارير صحفية واعلامية فان العوائل الشعبية في بغداد وعدد من مدن الوسط والجنوب راحت تتسابق على شراء الحنّاء.بل ان عددا من المدارس استقبلت تلامذتها ورؤوسهم ملطخة بالحناء!.والمفارقة ان الآباء الذين كانوا يسخرون من هذه الخرافة رضخوا لطلب زوجاتهم واشتروا لهن الحناء..وبعضهم أحنى راسه لزوجته لتخضبه بـ( الحنه) رغم استسخافه للموضوع ويقينه بأن لا علاقة للحنّاء بقتل فيروس وباء!.
ويعزو العراقيون المصدقون بهذه الخرافة الى انها علامة من علامات قرب قيام الساعة!،فيما يربطها آخرون بالهزات الأرضية التي ضربت مناطق بمحافظتي واسط وميسان،وما شهدته محافظتا بابل والنجف من عواصف ترابية تخضبت فيها السماء بالوان مخيفة في عزّ الظهيرة.
غير ان عراقيين آخرين عزو هذا الأمر لأسباب اقتصادية..بأن هنالك عقلا تجاريا شيطانيا ذكيا (اخترع)هذه الخرافة لتصريف بضاعة كاسدة.ولهذه الحادثة سابقة،فقد شاعت زمن ظهور انفلونزا الخنازير خرافة تقول ان (الماش) يشفي منها..ونفد الماش في حينها كما نفد الآن..الحنّاء الكاسد من سنوات!.
ومع ان هذا السبب وارد ويدلل على وجود عقلين عراقيين:أحدهما ذكي..بارع في الشيطنة،والآخر ساذج ومفرط في الطيبة،فان أحد أهم اسباب شيوع الخرافة هو ان الناس يعيشون حالة التطير في أوقات الأزمات السياسية.والتطير هو طريقة او اسلوب في التفكير يتعلق بما سيقع للفرد من احداث.ومع ان البعد الزمني للتطير هو المستقبل فان تاثيره في السلوك يظهر في الحاضر .فاذا توقعت ان صديقك الحميم الغائب عنك عشر سنين سيأتي غدا، فان مزاج الفرح يظهر عليك اليوم،واذا توقعت أن صديقك الراقد في المستشفى سيموت غدا..فان انفعال الحزن يظهر عليك اليوم .بهذا المعنى فان التطير حالة سيكولوجية خالصة مضمونها الرئيس هو القلق الناجم عن احتمالات متناقضة واحيانا حادة،بين خوف من شرّ مرتقب وبين انفراج آت..ولهذا تتحكم بالمتطير سيكولوجيا التناقض الوجداني بين التشاؤم والتفاؤل..وهذه هي الحال التي يعيشها العراقيون من عدة سنين..وسيظلون ينفسّون عن انفسهم بخرافة كلما عصرهم السياسيون بأزمات بعضها ينتجها عقل سياسي شيطاني كعقل تاجر الماش والحنّاء!.)))..
وأنا شخصيا نقل لي احد ألاخوة في النجف انه كان واقفا اما محله ومرة امرأة وفي أثناء مرورها عطس ، يقول فرجعت المرأة الي وقالت هل انت مريض فعطست أم لا ؟ فقلت لها وما الفرق بالنسبة لك ؟ قالت إذا كنت مريضا مضيت الى حال سبيلي ، وإذا لم تكن كذلك فأعود الى بيتي فأن ذلك نذير شؤم ....!!!!!!
ان الخرافة إذا تركت ونفسها تنهش في عقول الأمة ، يمكن لها ان تغرقها في بحر الغيبة والغيبوبة عن الواقع لعقود من الزمن . ويمكن لها ان تجد لها سبيل حتى الى عقول المثقفين والمفكرين والعلماء ، باعتبارهم إياها من المسلمات والضروريات ، حتى ما جاء مصلح قد صحى من نومته ، نعتوه بشتى الأوصاف ولقبوه بأنواع الألقاب المشينة . وليس ذلك إلا لعلوقها في أذهانهم حتى صارت جزأ منهم . والأدهى من كل ما مر ان البعض من تلك الخرافات تأخذ منحى عقائدي ، وتدخل الى المجتمع الديني بكل قوة وتتغلل بين الأوساط العلمية غيرها .
فمن هذه الخرافات التي دخلت الى العقيدة وصارت فكرا ومنهجا ، فصل الدين عن السياسة واعتباره شيء مباين عنها ولا علاقة بين الطرفين ، بل على العكس ، وقالوا قولتهم المشهورة على ألسنتهم (( ان الدين يفسد السياسة ، والسياسة تفسد الدين )) . وليس ذلك إلا لرؤيتهم السياسات المنحرفة فقالوا هذه باطلة والدين ليس فيه باطل ، ولم يروا السياسة الشريفة التي ملئت الكثير من الأحاديث النبوية والمعصومية .
ولسنا الآن نريد نقاش هذه النظرية وما تؤدي اليه من ابتعاد العلماء عن الواقع وما يجري فيه من أحداث ، وتفتح الباب أمام العلمانين وغيرهم للتصدي لتسير أمور الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل حتى الدينية العقدية وغيرها .
وأيضاً القضية الحسينية : اراد الكثير ان يطمس الآثار المترتبة عليها ، لكنهم لم يستطيعوا . ولذلك حاولوا ان يزيغوها عن الطريق الذي انتهجته هذه الثورة العظيمة ، وذلك بوضع بعض الطقوس البعيدة عن الروح الحسينية الحقيقية وإيهام الناس على أنها هي الصحيح وهي من جاهد الحسين من اجلها . وانتشرت بين المجتمع الى ان صارت على ما هي عليه الآن ... وابعدوا بذلك الروح الحسينية عن جسدها الذي هو عبارة عن رفض الطغيان بالقلب والقول والفعل .. فمن من الخطباء اعزهم الله يتكلم عن ان الحسين عليه السلام يريد منا ان نزيل كل طاغية عن عرشه وننتزع من يده صولجان حكمه ، إلا النادر ... جعلوا الإمام عبرة ( بالفتح) ونسوا العبرة ( بالكسر ) .... فمهمتنا اليوم إرجاع المجتمع الى وعيه ورفده بالمفاهيم التي بلغ بها الإمام عليه السلام ... فالحسين وأهل بيته وأصحابه لم يستشهدوا ويقدموا كل ما عندهم حتى نبكي ونلطم عليهم فقط ، بل لنسير على نهجهم ونتبع سنتهم ، فالحسين عٓبرة وعِبرة . فهو سلام الله عليه قضية وفكرا ونهجا ومنهاجا وطريق وسبيل ، مشروع للم الشمل الإسلامي والأخذ بيدها الى طريق الحرية بسلاح الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اضافتا لسلاح الكلمة الصادقة والحوار الهادف البناء السابق على لغة السيف .
هناك مشكلة تكمن في عملية عرض هذه المسائل للنقاش ، فينقسم المجلس سماطين ، الأول يؤمن بكل ماورد من دون تمحيص وتقيم وعرض وتحليل . والثاني ينفي كل شيء من دون تمحيص وتميز .
ومن الواضح ان الطرفين بعيدان عن الصواب . فليوم نحن بحاجة الى الطرف الثالث الوسط الذي تكون لغته لغة الدليل فيؤمن على أساسه ويكون واعيا لا ماديا ديالكتيكي ، ولا جاهلا تسري عليه الخرافات وهو نائم .
الطرف الثالث هو الحل هذا هو الإسلام الحقيقي إسلام الإيمان على الدليل . فأذنا استطعنا ان نكون مثل هذا الطرف ونصير منه جيلا . ونحول الخطاب الديني الى الأصالة والتجديد الى القدم والحداثة .
أسئل الله التوفيق لكل خير اللهم أنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة إمامنا ووقوع الفتن بنا وشدة الزمان علينا . ففعل بنا ما انت أهله وارزقنا بصيرة يمكن لنا بها ان نميز بين الحق والباطل ، اللهم إرنا الحق حقنا فأتبعه والباطل باطلا فأجتنبه انك ارحم الراحمين .
|