المنابر الحسينية هي وسيلة إعلامية وتوعوية تعتمد التخاطب المباشر مع كافة أفراد المجتمع، وتمتلك بسبب عوامل عدة قدرة تأثيرية وتعبوية يغبطها عليها أي منبر آخر.
وقد لعبت على مدى زمني طويل دورا هاما في صياغة الوعي الديني والثقافي في المجتمعات الشيعية بشكل عام. وهي بلا شك مكتسب من المكتسبات التي يجب أن نحافظ عليها بتطويرها لتكون مواكبة لاحتياجات إنسان العصر ولتحقق رسالتها المتمثلة في تبليغ رسالة من تتشرف بالانتساب إليه، أعني الإمام الحسين الذي صاغ تلك الرسالة بشكل واضح وجلي، حين قال: إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي
كالسور شامخاً يحتضن الجميع في سماء علياء تلك العظمة التي وهبها الله له، والتي لا تنفك عنه لسعة قلبه النوراني الكبير. ورغم تلك العظمة، إلا أنه لم يكن لينفك بتواضعه الجم أيضاً عن أن يهوي من سماء شموخه العالية تلك، ليكون واحداً منا مندكاً بتواضع في كيان الجميع، فقيراً باكياً متضرعاً أمام رب المساكين. كان واحداً منا لكنه كان أيضاً فوق ذلك كله أمةً، كما (كان إبراهيمُ أمة). هكذا كان شيخنا الجليل العزيز والموقر والمحترم والمبجل ملا عطية الجمري رحمه الله، رجلاً يختصر الجميع.
ولن أبالغ هنا، ولن أنافق ولن أجامل ولن أدجل ولن أخدع نفسي أو الآخرين، من أجل مشاعري أو مشاعرهم، بكلماتٍ منمقةٍ تخدع الجميع، تخرج في وقتٍ عاطفيٍ حرجٍ كهذا، الذي تنزف فيه الجراح، ويُزف فيه الرجل جثةً هامدةً إلى مثواه الأخير، وسط فقد ولوعة وحسرة محبيه. فقد كان الرجل حقاً وصدقاً، أب الجميع وملك قلوبهم وجامع الرايات وموحد الأبدان والشعارات ومطهر الأرض من دنس تمزقنا الفئوي المقيت الذي كان يطل برأسه بين الفينة والأخرى علينا، ليعرف عنه ذلك كل من رآه أو حظي بشرف القرب منه ومعاشرته خصوصاً في محيطه الإجتماعي
ملا الجمري رحمه الله شخصية مميزة بل وعلامة فارقة بين علماء البحرين وخارجه، فقد تميز بالهيبة رغم التواضع الشديد، وبالعلم والمعرفة وبالحضور الذهني والتركيز والذاكرة والهمة العالية ونفسية الثائر والمجاهد إلى آخر أيام حياته، وبالشخصية القيادية لأهل البحرين بشكل عام، وتميز بالشجاعة على صعيد اتخاذ القرار في قضايا دينية حساسة كتحديد بداية ونهاية شهر رمضان، اما على الصعيد الاقتصادي فالشيخ (قدس سره) يملك عقلية اقتصادية متميزة، اما على الصعيد الخدماتي والاجتماعي فالشيخ مدرسة في ذلك المجال وأعماله الخيرية كثيرة، اما على الصعيد العلاقاتي فحدث ولا حرج فسيرته عامرة في هذا المجال، حيث كان يحرص على الترحيب بهم وخدمتهم، كما للفقيد أفكار ومواقف خاصة في الشأن السياسي.
غياب العظماء فجيعة كبرى، وآلشيخ عطيه الجمري من العظماء في بلادنا، وشكل رحيله فجيعة كبرى لمحبيه، وترك فراغا من الصعب أن يسد، وترك مسؤولية كبرى على من بعده، وهو بالتالي حجة على المتصدين في المجتمع بضرورة العمل والتضحية والشجاعة وإنشاء المشاريع الخدماتية. والشخصيات العظيمة مثل الشيخ الجمري لا تموت فهي ساكنة في قلوب الناس، لأنها تركت من بعدها ما يؤكد على بقائها، العمل الصالح الملموس وخدمة الناس. |