• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : اراء لكتابها .
                    • الموضوع : كلهم حمَّلوا هذا الشعب بما لا يتحمل!!! .
                          • الكاتب : عبد الصاحب الناصر .

كلهم حمَّلوا هذا الشعب بما لا يتحمل!!!

 مر الشعب العراقي خلال الخمسين السنة الماضية بكوارث، و تحمل اكثر مما يتحمله اي شعب آخر من شعوب العالم الثالث. فمنذ الانقلاب البعثي الفاشي سنة ٦٣ ثم الانقلاب على الانقلاب في نفس العام، و حتى انقلاب سنة ٦٨ وما تلاه انقلاب على الانقلابيين سنه ٧٩ حين تمت السيطرة الكاملة على العراق و شعبه بيد الطاغية جرذ ابن العوجة و كل من كان وراءه من اعداء الشعوب.

بعد هذا المسلسل  المأساوي والمهازل و التعسف و الظلم  لم نكن نتصور ان الحظ سيحالف الشعب العراقي و تتلاقى مصلحته مع المصالح الغربية و بالاخص الأمريكية بالاطاحة باعتى نظام فاشستي عرفه تاريخ العالم الحديث. و بعد كل ذلك الظلم و الحرمان والمآسي  كنا نتوقع  ان يفرح السياسيون المحليون و المبعدون في المنافي، كما فرح الشعب، بهذه الحريةأ و ان يتحدوا  في الاهداف العامة على الأقل، و ان يعي السياسيون القدماء و الجدد والمثقفون من الاعلاميين والكتاب و المفكرين، و كل من عنده كلمة كانت محبوسة لتكتب، او قلم  او رأي ليقوله وينشره، او صوت صامت ان حان له الوقت ليسمع. كنا ننتظر ان ينصفوا هذا الشعب الساكت على مضض، و الصامد ابدا او على الأقل ان يتكرموا عليه باعطائه حرية الاختيار لوحده او ان يتكرموا عليه بسكوتهم و يتركوه ليقرر مصيره بنفسه بعد معاناة قاسية دامت عشرات السنين.

فماذا حدث؟  لبست الجرذان ملابس الاسود و تنمر القرود على النمور و في غفلة من بقايا و فضلات  هذا التاريخ  الارعن و الاغبر، ومنذ بداية السنة الاولي بعد التحرير ، في أوج الفرحة العارمة بطرد جرذ ابن العوجة و حزبه و ازلامه، وفي تلك الفترة الحرجة من تاريخ اي شعب، ظهر لنا  فجئة  انصاف  سياسيين، وانتهازيون مدربون مسبقاً، استعداداً لهذه المرحلة وتحت مختلف الأسماء الزائفة مثل: "أبطال المقاومة الشريفة" وغير شريفة، وكتاب وانصاف كتاب، و مفكرون لا يفكرون الا بمصالحهم الشخصية،  صادروا حرية و حياة العراقيين من جديد وبقوالب غير جديدة صدئة، و بقي هذا الشعب الذي مع الاسف  تعود على السكوت و المعاناة في صمت غريب. وربما كان يفسر ما يدور حوله من قبل هؤلاء الغرباء والسياسيين الذين قدموا من بعيد ظهروا بصورة ساسة ابطال وكتاب وهم ليس بأبطال ولا كتاب، بل طامعون بما تبقى لهذا الشعب من موارد و مصادر رزق، و اتحدوا مع الجهلاء في الداخل لم تعنيهم يوما لا مصلحة الشعب ولا حريته. اتحدوا و اخترعوا طرق جديدة لسرقة المال بوضح النهار وتحت مختلف الواجهات والذرائع، و ظهر رعاع بملابس و باجات و مليشيات و طوابير جيوش مهدوية و اسلامية  و مجلسية، و اخرون بصفات حكوميه ومقاومات من الداخل و من الخارج. كل هؤلاء   تعاونوا على اغتيال الفرحة التي لم تدم الا اياماً قليلة، فرحة هذا الشعب بالتحرير و الانعتاق والخلاص من نظام صدام و زمرته المجرمة. 

و بين ليلة ظلماء وضحاها ظهر في ساحات العراق  اكثر من جيش و حزب و كتلة و مقاومة شريفة و غير شريفة وانصاف انصاف بقايا السياسيين، اكل الدهر عليهم وشرب، جاؤوا  يبحثون عن  النصف الثاني المكمل لهم بالتزكية و بمباركة اسماء اولاد  الذوات و الرموز لعوائل قديمة قادتها اليوم  صغار رجالهم و قادة لعشائر بالعباءات المطرزة بالذهب حد الشوارب.

و بحزن ووجوم و  تعجب بات هذا الشعب يشاهد كل  ما يدور حوله من مهازل، يتغير بهذه السرعة الفائقة، وهو في دهشة يفكر كيف انقلبت الدنيا رأسا على عقب بهذه السرعة؟ كيف ظهر ومن اين جاء كل هؤلاء السياسيين المنافقين المتصيدين للفرص و المناسبات؟ كيف اتحد الاضداد و تآخى الاعداء على سرقة فرحتهم بالتحرر و الانعتاق؟ فماذا حدث ياترى؟.

الا ان كل ما يحدث  و إن بتعسف لم يكن ليخفي حقيقة واحدة لأهميتها، و لضرورتها و لمكانتها في أعماق ضمائر و ارادة هذا الشعب. لكن السؤال الذي يبقى  كبيرا و شاخصا امامه، لا يقبل التأويل هو: من سرق فرحة التحرير  والتغيير والانعتاق؟  فمازال الشعب الصامد  الى هذا اليوم يبحث عن السبب  الحقيقي وراء هذه السرقة، ولا أحد يقول له كلمة الحق. فالكل مشغولون بانتهازيتهم ومصالحهم وأحزابهم .و  مع كل ذلك مازال الشعب يتساءل: لماذا و كيف و الى متى، ومن هم هؤلاء السراق؟؟؟

و مازال هذا الشعب يبحث بكل صمت عن اسباب  اخرى  توالت بعد الاولى عن سبب ما حدث و يحدث له في وقت تجارة الوعود الكبيرة والكلمات الفارغة الرنانة و وأد الاحلام و قتل الآمال، و اقل  و ابسط ما يقال انه يبحث عن  القليل من الانصاف من هؤلاء القادمين من الخارج و الهاربين من الداخل كل يدلي  دلوه  ليهرب  بالسحت الحرام. عشر سنوات مرت على التحرير وكان بإمكان العراق ان يبنى  حاله بوتيرة متسارعة ومستمرة و بعشرة اضعاف مما عليه الوضع الآن. 

قالوا انه الاحتلال و ضرورة مقاومته فتوقفت الحياة واستمر القتل و التفجير، كما توقفت ايام  جرذ ابن العوجة وحروبه العبثية لتبدأ حروب إبادة طائفية. و قالوا انها الديمقراطية التي تسير ببطء وتتطلب الوقت والصبر والمواظبة والتربية والتعليم والتخطيط ، ولا شيء من هذا يحدث، بل هي اثقال جديدة فرضت على الشعب لإسكاته فقط، ولا تمسهم ولا تثقل عليهم اعبائهم، وكل تلك الوعود و من خلالها صعد الغباء و الفساد و الرشوة والظلم وتوسعت الحاجة، كما توسع السكوت وكظم الغيض، الأمر الذي   سمح لهؤلاء ان يركبوا لعبة  الانتخابات وليشكلوا مجلس نواب، لا ينوبون عن الشعب ولا يمثلونه، بل صار مجلسهم اداة تعطيل القوانين والإعمار والبناء، وتسويف ومساومة و محاصصة ومزايادات بل وحتى المشاركة في الإرهاب ودعمه. فمنهم من راح يطاب بإلغاء كل قانون من شأنه يحد من الإرهاب.

من سرق فرحة العراقيين المنتظرة الكبيرة منذ يومها الاول، يوم التحرر، و من سرق آمال الشعب بالبناء، و جاؤوا بالظلام من جديد  ليخيم على  العراقيين ويطول ليلهم البهيم؟

انتحاريون يتعاونون مع بعثييين و يتعاضدون مع سلفيين وحتى مع صدريين و يساعدهم مجلسيون. تفجيرات و مفرقعات و اطلاقات و انتحاريون  و حرائق تتوسع لتشمل كل مناطق العراق. وصحوات  تتخاصم فيما بينها لتشكل صحوات جديدة تستبدل بحصوات اكثر عنادا و توسعا و طمعا، ومنابر لدعوات  للتحرر والمقاومة والسير الى بغداد لتحريرها من  الانبار و الموصل و ديالي و البصرة و المثنى و من جانبي بغداد.

هل كان هذا ما يتطلع إليه الشعب العراقي من التحرير؟ طبعا لا، لكن الكتاب وأنصاف المتعلمين المتحذلقين الذين يدعون أنفسهم بالمثقفين والثوريين وهم لم يثوروا يوما، واليسارييين الذين اتحدوا مع الوصوليين الاسلامويين من الاميين، ومع  الرأسماليين الجدد، و الثوريون الاقحاح او هكذا كنا نتصورهم الذين تحولوا الى عنصريين يقودون اليوم مليشيات دينية في كل شارع وعقد ودرب.

في ذلك اليوم كان كل شيء قد حضر حتى  اطار و صورة الدولة المسالمة التي تتطلع للتقدم و البناء و الى ما يصبوا اليه هذا الشعب المسكين. الا الارادة التي تغيبت وطغت عليها الاطماع الشخصية و الاهواء المتخلفة و ووو .

كان يمكن للعراق ان يبنى اضعاف ما بناه اليوم خلال ثلاث او اربع سنوات فقط، لا ينقصه المال، ولا الرجال ولا الخبرة ولا المهندسون والبناؤون، وإنما مع الأسف الشديد ينقصه الإخلاص والأخلاق والضمير والولاء لهذه الشعب والوطن. يتساءل البعض لماذا لا تأتي الشركات لتبني العراق وعندنا كل هذا المال؟ يتناسون بأنهم هم من طرد الشركات بثورياتهم المنخوبة الخاوية القديمة كقدم افكارهم التي تعاون الله  فرفضها، و تعاون القدر على تهديمها و تشتيتها، فتهالكت مملكاتهم تلك بأسرع مما يشعرون. ومع ذلك يصرون  بفرضها على الشعب ليجربها من جديد. ونحن نعلم أنها فاشلة، فهناك إنهيار الكتلة الاشتراكية، وكوبا الماركسية وبطلها كاستروا، وهنا ايران الإسلامية و بطلها احمدي نجاد، و كذلك كوريا الشمالية وبطلها كم ال سونغ الذي حوَّل السلطة الشيوعية إلى وراثة لسلالته فجاء من بعده للسلطة ابنه ومن ثم حفيده، ولكن الرفاق مازالوا يصرون على إعادة التجربة التي حكم عليها الزمن بالفشل. فالى متى ايها القدر تبقى بعيدا عن تطلعات شعب عانى ما عانى من البؤس ما لا يتحمله اي شعب آخر و الى متى يصر هؤلاء التحدث نيابة عن الشعب، و عن المقاومة الشريفة وغير الشريفة أي تارة يقصدون  مقاومة احتلال الأمريكي، و أخرى مقاومة الاحتلال الصفوي (وبغداد إلنا وما ننطيها)، ما بعد الاحتلال و فلول الجهلة يقودهم جاهل اعظم تحميه شلة اجهل منه تتقلب مع تقلبات المناخ يوم جيش تحرير و محاربة الاحتلال و آحر جيش مجمد، و ثالث جيش تحت السيطرة، و رابع يخيف الناس و يهددهم  بملابس السلطة. اما في الانبار و في ساحات الاعتصام و نحو عام يبحثون في تشكيل وفد لمفاوضة  االحكومة التي لا يعترفون بها، ثم لا يعترفون بمن فوضوهم و لا بمبعوثيهم ولا بشيوخهم و الباقي في غياهب المجهول. كم اتهمت و تحملت السلطة التي يشترك الكل بها عن جرائم يدعون قد قامت بها ضد اهل الانبار؟ و كم من كاتب  كتب دون ان يتمحص في الحقيقة و كم من مناهض للوضع الجديد، فجأة صار مناضلاً لا يساوم، ليساوم بعد ان استلم المقسوم. اي زمن جائر هذا الذي يمر على شعب مازال ساكتاً ينتظر الرحمة وقريب الفرج؟ 

احزاب تعددت اشكالها و انواعها و مواردها و طائفياتها و عنصرياتها و اجنحتها تتوسع كتوسع الكون الى يوم الانفجار والانفطار الاكبر حتى حرنا بأسمائها، و يبقى هذا الشعب متفرجاً أو مراقباً على أقل تقدير. كيف وصل العراق الى ما نحن عليه اليوم؟ كلهم مذنبون و يتحملون اللوم والاخطاء، و تبعة ما آلت اليه حال الناس. فمن حق هذا الشعب ان يرفضهم و يطردهم و الاهم ان لا يصدقهم بعد اليوم ما يكيلون له من وعود معسولة. لقد سرقوا فرحته بالتحرر و لوثوا عافيته وشوشوا افكاره و استحوذوا على حقوقه و ثراوته و على حريته، و الاهم من كل هذا و ذاك صادروا حريته بالتفكير بفرض افكارهم عليه، و  ربما زرعوا في عقوله اكثر من عشرة آلاف فكرة تحررية، بدءً من جيفارا العراق اليساري كاظم حبيب الذي اتحد مع الحكيم، و عندما تآخى مع الجاهل مقتدى وأيد بشدة صباح الساعدي، وراح يسهب بمدح مها الدوري. كل ذلك لأنه ثمن يوم اكرم شخصيا عندما اعتنق وسام و منصب العقيد العسكري براتب من كردستان العراق، هل سمعتم عن تناقض اكبر من هذا؟ و هل عرفت الشعوب شعوذة اعظم من هذه؟

اتركوا الشعب ليقرر بنفسه، اوقفوا ولو لشهور فقط الى يوم الانتخابات، اوقفوا كل مقالاتكم المشوشة و خزعبلاتهم و نظرياتكم، و اتركوا في  روازين بيوتكم العفنة اضابير نصائحكم، جمدوها لشهور و دعوا لهذا الشعب ان يفكر بنفسه و لوحده ليختار من يريد، لن يضيركم هذا التأخير وانتم من تناسيتم اوطانكم ايام الطاغية و فقدتم كل آمالكم و نظرياتكم واديولوجياتكم وطنياتكم ، الى  حين تلك اللحظة التي اتتكم من السماء على صورة احتلال  الذي أسقط لكم من كنتم تتخوفون  حتى من صورته و تتملقون له عن بعد .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=40626
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13