• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : السكير ! .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

السكير !


لا يفارق الخمر , ولا الخمر يفارقه , تفوح منه رائحته على الدوام , حتى سيارته التكسي لا تخلو من قواريره , ذات يوم بينما كان يتجول في الشوارع بحثا عن زبون , فاذا بعجوز تلوح بيدها نحوه , توقف , فتحت الباب الخلفي , قبل ان تدخل السيارة سالها عن وجهتها وسالته بدورها عن الاجرة , لقد كان الثمن مرتفعا , فقد كانت المسافة بعيدة , امتعضت وعدلت عن رايها , فاغلقت الباب بقوة , بينما انطلق هو نحو المكان المقصود , ظانا انها جلست في المقعد الخلفي , وعندما وصل الى المكان , توقف وقال :
-    هذا هو المكان سيدتي ! . 
واخذ يفرك باصابعه استعدادا لاستلام الاجرة , لكن ما من مجيب , التفت نحو المقعد الخلفي فلم يجدها , فاخذ يلعن ويسب كل المقدسات الاسلامية وغير الاسلامية , لم يستثني منها شيئا , ملأ كأسا من الخمر وانطلق بحثا عن زبون اخر .
شاهد رجلا ملتحيا تبدو عليه سيماء المؤمنين يقف على ناصية الشارع يلوح بيده لسيارة اجرة , فتوقف سائلا اياه عن وجهته واتفقا على الثمن وانطلقا , جلس المؤمن الى جواره في المقعد الامامي وكان متحليا بالسكوت , مما منعه من احتساء كأسا من الخمر خشية انزعاجه وعدوله عن الامر , فبادره القول متشدقا ساخرا بصوت عال :
-    استغفر الله ! .
اكتفى المؤمن بالنظر اليه ولم ينبس ببنت شفة , استغرب هو من صمت الرجل فأردف قائلا بنفس النبرة :
-    سبحان الله ! .
استمر المؤمن بصمته مما اثاره ودفعه ان يقول بنفس النبرة :
-    الحمد لله ! . 
لم يرد عليه المؤمن , فظهرت عليه اول علامات الغضب فقال بصوت اعلى :
-    لا اله الا الله ! .
مع ذلك لازال المؤمن متحليا بسكوته  , فرفع صوته اكثر :
-    الله اكبر ! . 
واخيرا وصلا الى المكان المطلوب , فقال بصوت لطيف :
-    ها قد وصلنا ! .
دس المؤمن يده في جيبه ليخرج المال , فاخذ هو بدوره ينظر اليه راقصا برقصات غريبة , واخذ ينبح بوجهه بقوة اثناء عملية قبض الثمن , فترجل المؤمن ليقول باستغراب :
-    لقد كان رجلا لكنه تحول الى كلب في اللحظة الاخيرة ... لله في خلقه شؤون ... نسال الله حسن العاقبة ... استغفر الله ... سبحان الله ... والحمدلله ... ولا اله الا الله ... والله اكبر ! . 
                                  **********************
عاد الى البيت في ساعة متأخرة بعد ان قسم وارداته الى قسمين , قسم انفقه على الوقود والقسم الاخر اشترى به المزيد من الخمور , احتسى كأسا واستسلم لنوم عميق ! .
استيقظ من النوم متأخرا ايضا , فتناول الفطور وعدة كؤوس من الخمر , وشرع يفحص وقود السيارة , وتأكد من وجود قارورة خمر فيها وقال ضاحكا :
-    البنزين وقود السيارة والخمر وقودي انا ! .
تجول في الشوارع كثيرا فلاحظ ان الشوارع فارغة , ليس هناك احد سوى دوريات الجيش والشرطة , فقرر ان يسأل رجال الدورية :
-    هل هناك حظر للتجول ؟ ! .
-    كلا ! .
-    اذا اين الناس ؟ ! .
-    الساعة مباراة الفريق العراقي بكرة القدم ! .
فقال بتململ :
-    الفريق العراقي يلعب وانا اخسر ! .
اقترب من احد المقاهي , فلاحظ الكثير من الناس تتفرج على التلفاز , توقف على مقربة منهم واخذ يتفرج هو بدوره عليهم , منبهرا بحماستهم , فترجل من السيارة متململا بعد ان كرع كأسا من الخمر , وقال مفكرا :
-    لابد لي من تفريقهم ... لكن كيف ! .
وقعت انظاره على مكان النفايات , فقال عندها ( وجدتها ) , التفت يمينا ويسارا لئلا يراه احد , واضرم النار فيها , ثم عاد ليقف امام المقهى صارخا :
-    حريق ... حريق ! .
هبّ الناس الى اخماد الحريق , بينما وقف هو امام سيارته هاتفا :
-    علاوي ... علاوي ... بصرة ... سماوة ... حله ... علاوي ... علاوي ! .
                       *******************************
كعادته عاد الى البيت في ساعة متأخرة , وكان الجو ماطرا , تناول جرعة من الخمر واستلقى على سريره ليغط في نوم عميق , اثناء ذلك , استمر المطر بالهطول , وعاقت النفايات مجاري تصريف مياه الامطار , فغمرت الشارع , وكان بيته دون مستوى الرصيف , فتسللت بهدوء الى الداخل من غير استئذان , ملئت الغرف , وارتفع مستواها اكثر واكثر , عامت قوارير الخمر على سطحها , حتى وصلت الى سريره , فأيقظته , استيقظ مندهشا مما يجري , بين النعاس والسكر والتعب تصور انه في كابوس , امسك قارورة عائمة لا يزال فيها قليلا من الخمر , كرعه , ونزل في الماء حتى وقف في وسط الشارع الغارق , لاحظ ان بيته هو الوحيد الذي غمرته المياه , بينما بيوت الجيران لم يدخلها الماء البته , لانها مرتفعة عن مستوى الشارع , فامتعض وغضب وانزعج , استحسن الفكرة التي فعلها بالمقهى , وقرر ان يزعج الجيران ويوقظهم فقال ساخرا مرحا :
-    سأرقص هذه الليلة مع الشيطان ! .
سكب عدة لترات من البنزين على الماء واضرم فيها النار , عامت كتل النار الملتهبة , استحسن المنظر وابتسم واقفل عائدا الى البيت , نسي الباب مفتوحا , وجلس في غرفته ليكرع المزيد من الخمر , لكن المياه جرفت النيران الى داخل البيت , والتهمت الابواب والشبابيك الخشبية والاثاث , وحاصرته من جميع الجهات ! .   




 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=40598
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14