أساساً فإنّ الجهاد هو من علامات الحياة لكلّ موجود ويمثّل قانوناً عامّاً في عالم الأحياء، فجميع الكائنات الحيّة - أعم من الإنسان والحيوان والنبات - تجاهد عوامل الفناء من أجل بقائها
ومن الأعمال التي أرشدنا إليها الباري (جل وعلا) وما أوحى به إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) وأشار, إلى أن هناك من الأعمال ما له فضل وما هو أفضل، ومنها ما هو أحب، ومنها ما هو أعظم، وهذا المقياس بين الأفضلية يختلف بحسب الشخص والمورد والزمان والمكان، فالمسألة نسبية تختلف من شخص لآخر.
ومن هذه الأعمال ما ذكر في وصايا المصطفى (صلى الله عليه وآله) لسيد المتقين وإمام الأمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث روي في الحديث :-
يا علي : ( أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد ), فالظالم لم يجاهد نفسه الأمارة بالسوء ولذا يخسر هذه الأفضلية من الأعمال...وهذا مرتبط بما حشى قلبه من حب الدنيا ونسي الايمان بالله واليوم الآخر وملائكته ورسله وكتبه, فالإيمان مجلبة للإحسان وهو من أحب الأعمال عند الباري جل وعلا...وبيان هذا تكملة الحديث الشريف عن علي (عليه السلام):
قلت : يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله (عزوجل) ؟
قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ): الإيمان بالله، ثم الجهاد في سبيله.
والإيمان هو التصديق , وروي عن الرضا (عليه السلام) : ( ان الايمان هو التصديق بالقلب والعمل بالاركان والقول باللسان ).
والجهاد هو الأمر الذي يخاطر فيه بالروح فكانت له مزية ولازمه وجود مجاهد , فالمجاهد حين يمتلك الجواد فهو مقبل على القتال وبقلب قوي وصلب, لكن حينما يعقر جواده فهنا محط الإختبار.
والجهاد الحقيقي حيث لا مفر فأما الموت وأما الشهادة وهو أفضل الجهاد كما روي عن أبي ذر ... قلت: وأي الجهاد أفضل ؟
قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :( ما عقر فيه جواده واهريق دمه وصاحبه أفضل الناس درجة عند الله)، ولذا في الرواية حينما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) رجلاً يدعو يقول : (اللهم أعطني أفضل ما تُعطي عبادك الصالحين، فقال: ( إذن يُعقر جَوادك وتستشهد في سبيل الله ) ، فالجهاد كثير وهذا أفضله وهو باب فتحه الله تعالى لخاصة أولياؤه وكله خير، وليس فقط ما ذكرنا أعلاه مما هو الأفضل من الجهاد بل هناك الكثير منه ما ورد في الحديث :
( أفضل الجهاد كلمة العدل عند سلطان جائر ) وإنما كان أفضل الجهاد لان من جاهد العدو وكان مترددا بين خوف ورجاء ولا يدرى هل يَغلِب أو يُغلَب وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من اجل غلبة الخوف فليس كل أحد قادر على أن ينطق بها أمام السلاطين وخصوصا الجائرين والعياذ بالله منهم .
ولعل البعض يرفض قول الحق كي لا يخسر ما يعطي له الحاكم والسلطان الجائر من الهدايا والعطايا والأموال فيخسر بذلك مجاهدة النفس وإرغامها فيقع في مهالك الخطايا .
الجهاد والشهادة : ان كل من له ادنى اطلاع على منطق القرآن الكريم ومبادئ الاسلام يعلم جيدا بالمقام السامي والدرجة الرفيعة للمجاهدين والشهداء في الإسلام فلقد وعد القرآن صراحة هذه الطائفة المضحية بالجنة , ومن جملة الايات قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(التوبة /111)
حقا انها لتجارة لا نظير لها , فالمشتري هو اللّه سبحانه وتعالى والبائعون هم المؤمنون المجاهدون .
فما هي البضاعة ؟ البضاعة هي الانفس والأموال التي وهبها اللّه اليهم والثمن الذي يدفع اليهم هو جنة الخلد وسند هذه المعاملة الكتب السماوية الثلاثة اضافة الى كل هذا هناك تبريك من قبل المشتري للبائع .
كم هي تعابير جميلة ورائعة مباركة وخالدة وكم هو مقدار اللطف والمحبة في هذه المعاملة من قبل اللّه تبارك وتعالى ؟.
وعن جابر بن عبداللّه قال : نزلت هذه الاية على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وهو في المسجد (ان اللّه ) فكبّر الناس, فأقبل رجل من الانصار ثانياً طرفي ردائه على عاتقه فقال : يا رسول اللّه انزلت هذه الاية ؟
قال : نعم
فقال الانصاري : بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل ) .
ونستفيد من الاية السالفة انها لا تختص بالشهداء فقط بل ان هذه المعاملة تشمل المجاهدين في سبيل اللّه ايضا.
ونلاحظ في الاية تقدم عبارة (فَيَقْتُلُونَ) على (وَيُقْتَلُونَ) وهذا دليل على ان الهدف الرئيس من الجهاد هو تدمير العدو لا الشهادة وبناءا على ذلك فان الشهادة درجة رفيعة لا يبلغها إلا الخاصة من اوليائه .
من هنا لا يمكن ان يكون الغرض من الجهاد هو الشهادة ابدا وبتعبير ادق الشهادة ليست هدفا وإنما هي وسيلة لتحقيق الهدف .
ومن هنا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهد في سبيل الله لأنه قتل الاعداء قبل أن يقتل فينال الشهادة العظمى في محراب الصلاة والحق.
اللهم ارزقنا أفضل الجهاد فهو باب خاصة اوليائك ووفقنا له يا خير المُعطين وخير الرازقين.
فلاح السعدي
falah72n@yahoo.com