يقول مالك بن نبي، الذي أعتز بالاقتفاء لأثره، إن المسلمين لمّا يبلغون الرقي لابد أن يشرعوا في تنزيل الحضارة من فوق إلى الأسفل أين تربة الحضارة الغربية الزائلة، مثلما يقع ريّ الأرض الجافة بالماء من فوق وليس من الأسفل (كتيب "رسالة المسلم المعاصر"). وها نحن الآن في الأعلى. ثقوا بأنفسكم يا تونسيون ويا عرب ولا تنقسموا إلى إسلامي وعلماني (ونسخته الرديئة "لائكي").
يا أمة العرب والمسلمين، سواء أكنتم من بين المتحررين من الاستبداد السلطوي أم لم تكونوا بعدُ، لو تفاديتم ذلك الانقسام المرَضي و قبلتم بالاختلاف الطبيعي بين: نظري وعملي؛ متعصب وصارم؛ متحجر وحازم؛ مائع وجدّي؛ رصين ومنفعل؛ مسارع ومتسرع؛ مصيب ومخطئ؛ سياسي ومفكر؛ مُلحن ومُغنٍ؛ محلل ومؤلف؛ صبور وعجول؛ وما إلى ذلك، لأمكنكم الشروع في صياغة الحُلم الذي كان ممنوعا عليكم: ماذا ستحقق الثورة؟ أين سنذهب؟ كيف سنعمل؟ ماذا سنتعلم؟ هل أننا متحررون؟ كيف سنبني قوة إقليمية وعالمية؟
إنّ أمر النهوض الحضاري يتعلق بالتنافس حول مضمون الرسالة. والمسلم الحقيقي هو الذي له رسالة. ومِن سبل صياغة الرسالة التقرب من الشعوب المسيحية وغيرها. عندئذ يمكننا إقناعهم، مثلا، بأن ما تفعله حكوماتهم، من تدخل في شؤون الغير مثل تعيين سفراء مكروهين، ومِن محاولة اشتراء ذمة الشعوب وكرامتهم، ومِن تواطىء مع أنظمة عربية فاسدة ومع بقايا أنظمة فاسدة أخرى، ومِن تسلّح مجحف، ومِن حروب نفعية، ومِن احتلال غاشم، ومِن فساد بكل أنواعه، إنما كلها أصناف من العمل الطالح الذي لا بدّ من مقاومته معا ولا بدّ ملء الفراغ الناجم عنه بالبناء الفوري.
محمد الحمّار
الاجتهاد الثالث: منهاج حركة النهوض |