على رغم ما مرَّت به الأناجيل من أطوار وتطورات تاريخية كثيرة ، وذلك على صعيد التأليف والتدوين والدسِّ والتحريف والبتر والنقص ، أو الزيادة والإضافة من لدن الكثير من الأشخاص يوجد فيها كمية من العبارات والكلام الذي يمكن الوثوق به وتصديقه وآعتباره من بقيَّة الوحي الإلهي المتبقَّى ، أو إنه من كلام نبي الله وعبده عيسى المسيح – عليه السلام - . حتى إن إنجيل لوقا بنفسه يعترف بذلك ، وفي بدايته ، فقال : [ لما أنَّ أخذ كثير من الناس يُدَوِّنون رواية الأمور التي تَمَّتْ عندنا ...] ينظر كتاب [ الكتاب المقدس ] ، دار المشرق ش . م . م . بيروت / لبنان ، التوزيع : المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، ط 6 ، 2000 ، إنجيل لوقا ، ص 186
ذلك أحد أوجه التناقضات التي تُعَدُّ بالمئات الموجودة في الأناجيل المعتبرة حاليا لدى الديانة التاريخية المسيحية . وأقول الديانة التاريخية المسيحية ، لأن هذه إنشطرت وآنحرفت عن أصل ديانة المسيح التوحيدية الطابع كجميع الديانات السماوية ، وكجميع الأنبياء الذين أول ما بشَّروا به ودعوا اليه كان التوحيد الخالص من أية شائبة من شوائب الشرك ، منهم كان عيسى المسيح – ع - .
جاء في إنجيل لوقا ، أو الأنجيل المنسوب اليه مايلي كلاماً في غاية الدقة والروعة عن عيسى المسيح . وذلك بعدما توجَّه اليه أحدهم بالسؤال والكلام التالي : [ وسأله أحد الوجهاء : أيها المعلِّم الصالح ، ماذا أعمل لأِرِثَ الحياة الأبدية ؟ ] ينظر كتاب [ الكتا المقدس ] دار المشرق ش . م . م . بيروت / لبنان ، التوزيع : المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، ط 6 ، 2000 ، إنجيل لوقا ، ص 255 ، فردَّ عليه عيسى : [ لِمَ تدعوني صالحاً ؟ لا صالح إلاّ الله وحده . أنتَ تعرف الوصايا : لاتزن ، لاتقتل ، لاتسرق ، لاتشهد بالزور ، أكرم أباك وأمَّك ] ينظر نفس المصدر والدار والتوزيع والجمعيات والزمان والمكان والطبعة والإنجيل والصفحة .
لقد أراد عيسى المسيح عبر جوابه أن يعلِّمَ السائل وغيره أيضاً محدوديته ونسبيته وبشريته ، وذلك مثلهم سواءً بسواءٍ ، لذا قال له : [ لا صالح إلاّ الله ] الذي أرسله كنبي الى قوم بني إسرائيل فقط بشيراً ونذيراً ، مضافاً تعليمه بأن الصالح فقط هو الله تعالى ، حيث هو سبحانه له كل الصلاحية والصالحية المطلقة ، وبالمطلق المطلق . ثم بعدها أرشد السائل الى أتباع الوصايا الإلهية لنبي الله موسى – ع – كي يبلغها لقومه ، وقد بلَّغها موسى وأدَّ الأمانة بكل أمانة وصدق ، مثل عيسى وسائر الأنبياء – عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام - .
وهكذا أراد نبي الله عيسى أن يعلِّمَ السائل وغيره بأن يكونوا على حذر شديد من مغبَّة رفعه فوق بشريته ، وذلك بالإطراء والتطرُّف في شخصيته وبشريته ورفعه فوقها ، لأنه بالحقيقة كان من حيث الخِلْقة بشراً كسائر البشر ، لكنه آمتاز عنهم بالنبوة والرسالة الإلهية التي كلَّفه الله تعالى بها لإيصالها الى بني قومه ، وذلك كجميع الأنبياء . لهذا قال للسائل : [ لا صالح إلاّ الله ] سبحانه .
بعدها قال نبي الله عيسى للسائل الذي كان ثريا جداً : [ واحدة تنقصك بعد : بِعْ جميع ما تملك ووزِّعْهُ غلى الفقراء ، فيكونَ لك كنز في السماوات وتعال فآتبعني . فلما سمع ذلك آغتمَّ لأنه كان غنيا جدا ] ينظر نفس المصدر السابق والدار والتوزيع والجمعيات والزمان والمكان والطبعة والإنجيل والصفحة .
عقب ما قال عيسى النبي للسائل محدوديته البشرية دعاه الى الإيمان به وآتباعه وتوزيع مايملك من الأموال على الفقراء ، حينها يكون له كنز من الحسنات والصالحات من الأعمال في السماوات ، أي عند الله سبحانه الذي لا تضيع عنده أجر من أحسن عملا . وربما كان ذلك الغني قد جمع ثرواته من طرق إستغلالية وغير مشروعة ، لذا قال له النبي عيسى – عليه السلام - بأن يوزِّع أمواله على الفقراء ، ومن ثم آتباع طريقه ودينه وسنتَّه كنبي ! . |