• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أزمة الدرس اللغوي الحديث:الدكتور ميشال زكريا نموذجا .
                          • الكاتب : د . عبد القادر لقــاح .

أزمة الدرس اللغوي الحديث:الدكتور ميشال زكريا نموذجا

قصدي من هذا المقال التنبيه إلى وجه من أوجه التخليط عند اللسانيين العرب المحدثين الناجم عن عدم التدقيق والتحقيق قبل إصدار الأحكام، والأمر يكون أشنع عندما يسئ اللساني فهم مقاصد النحويين المتقدمين ويبني على سوء فهمه أحكاما مغلوطة، ولا شك أن ما بني على باطل فهو باطل بالضرورة.
 
تحرير الإشكال:
 
   من الأمور المعروفة  أن دلالة اللفظ موزعة بين اللغة والاصطلاح ، والمصطلح قد تختلف دلالته بين حقل معرفي وآخر ، ولهذا ألف "التهانوي" كتابه الرائع " كشاف اصطلاحات الفنون". وعدم التمييز بين الاستعمال اللغوي والاستعمال الاصطلاحي يؤدي إلى فهم سقيم، إذ قد يستعمل العالم الكلمة قاصدا منها دلالتها اللغوية ، فينصرف الذهن إلى دلالتها الاصطلاحية، ويترتب عن  هذا الفهم الخاطئ نتائج لا وجه لها.
  وهذا ما وقع فيه الدكتور ميشال زكريا في كتابه "بحوث ألسنية عربية ".فقد توهم الدكتور زكريا أن سيبويه استعمل مصطلح "جملة"، فاشتبه عليه الأمر، وبنى على هذا الاشتباه حكما لا أساس له من الصحة، ولعل أي شخص نظر مليا في كتاب سيبويه يدرك أن سيبويه -رحمه الله- لم يستعمل مصطلح "جملة" في كتابه، بل عبر عن معنى الجملة  بمصطلح " الكلام "، واكتفى بهذا المصطلح ، ولكن الدكتور ميشال زكريا اعتبر كلمة "جمل "في قول سيبويه (لأن هذا موضع جمل) جمعا للمصطلح النحوي المعروف"جملة " ، وهذا غير صحيح، لأن سيبويه -رحمه الله- لم يقصد الدلالة الاصطلاحية وإنما استعمل الكلمة بدلالتها اللغوية التي توحي بالإجمال والإيجاز.
    وهذا نص ميشال زكريا، يقول  ( لا بد من أن نقف مليا هنا عند قوله "هذا موضع جمل" ، واضح في رأينا أن سيبويه ينظر إلى قواعده من حيث هي قواعد جمل، أي قواعد تنطلق من تحليل الجملة وعناصرها. فالوحدة الأساسية التي يعتمدها في الكلام هي الجملة، والبحث اللغوي في الكتاب يتناول سلوك العناصر اللغوية ضمن  الجملة ، وعلاقة الجمل بعضها ببعض، كما أن الأمثلة التي يضعها أو يستشهد بها هي جمل )   ""بحوث ألسنية عربية "" ص 46.
 
نص سيبويه:
 
  هذا نص سيبويه الذي أشكل على الدكتور ميشال زكريا فهمه ، يقول سيبويه ( وليس شيئ يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها، وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك ههنا لأن هذا موضع جمل ، وسنين ذلك فيما نستقبل إن شاء الله). "الكتاب1-ص32 تحقيق عبدالسلام هارون.
  فكلام سيبويه واضح لا يحتمل التأويل، فهو يقصد أن الموضع ليس موضع تفصيل وإنما موضع إجمال وإيجاز ، وهذا يعني أنه استعمل كلمة "جمل"بدلالتها اللغوية لا بدلالتها الاصطلاحية التي عرفت عند النحاة المتأخرين.
 
كلمة "جملة" في كتاب سيبويه -رحمه الله-وآراء المعاصرين:
 
يمكن أن نقسم آراء اللغويين المعاصرين في هذا الموضوع إلى قسمين :
 
1- قسم اشتبه عليه الأمر، فحمله جهله على عد كلمة "جملة " مصطلحا نحويا، وهذا لايستقيم بأي وجه كان كما أثبتنا، ويمثل هذا القسم الدكتور ميشال زكريا.
2- قسم نفى ، على وجه الإطلاق،وجود كلمة "جملة" في كتاب سيبويه لا بمعناها الاصطلاحي فقط بل بمعناها اللغوي أيضا، وهذا  مصدر الإشكال، وممن يمثل هذا القسم الدكتور عبدالرحمن الحاج صالح والدكتور محمد حماسة عبداللطيف. يقول الدكتور الحاج صالح (فهذا أمر غريب آخر ألا يوجد أثر لكلمة "جملة "في كتاب سيبويه وكذلك العبارة "جملة مفيدة " لا أثر لها في هذا الكتاب) "بحوث ودراسات في اللسانيات العربية"  ج-1ص290.
   ويقول الدكتور محمد حماسة عبداللطيف ( تقرأت كتاب سيبويه بحثا عن كلمة"جملة "سواء بالمعنى الاصطلاحي، أو بالمعنى اللغوي فلم أهتد إليها قط، ولم أعثر على كلمة الجملة في كتاب سيبويه إلا مرة واحدة بصيغة الجمع، ولم ترِد بوصفها مصطلحا نحويا ، بل بمعناها اللغوي ) "بناء الجملة العربية "ص 18
 وإذا كان  القسم الأول الذي يمثله ميشال زكريا قد ثبت، بما لا يدع مجالا للشك ،بطلان دعواه ، فإن القسم الثاني الذي يمثله الدكتور الحاج صالح والدكتور حماسة عبداللطيف قد امتزج فيه الحق بالباطل ، وذلك لأن عدم استعمال سيبويه لمصطلح  "جملة " أو "جمل" لا يعني أنه لم يستعمل الكلمتين  بمعناهما اللغوي ، ولهذا نتحفظ على هذا الرأي.
 
مواضع استعمال سيبويه لكلمتي "جملة " و"جمل"في الكتاب:  
 
   استعمل سيبويه كلمة "جملة" و"جمل" بالمعنى اللغوي الذي يفيد الإجمال والإيجاز في ستة مواضع هي التالية:
 
1- يقول (وليس شيئ يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها ، وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك ههنا لأن هذا موضع جمل، وسنبين ذلك فيما نستقبل 
إن شاء الله) "الكتاب  ج 1ص 32  تحقيق عبدالسلام هارون.
 
2- يقول (ومما جرى مجرى الأبد والدهر والليل والنهار: المحرم وصفر وجمادى ، وسائر أسماء الشهور إلى ذي الحجة، لأنهم جعلوهن جملة واحدة لعدة أيام) الكتاب ج1ص217  تحقيق عبدالسلام هارون.
 
3- يقول(جملة هذا الباب أن الزمان إذا كان ماضيا أضيف إلى الفعل وإلى الابتداء والخبر) الكتاب ج 3 ص119 تحقيق عبدالسلام هارون.
 
 
4- يقول (فكل اسم يسمى بشيئ من الفعل ليست في أوله زيادة وله مثال في الأسماء لم ينصرف ، فهذه جملة هذا كله). الكتاب ج3 ص208 تحقيق عبدالسلام هارون.
5- يقول ( ومما جاءت مصادره على مثال لتقارب المعاني قولك: يئست يأسا ويآسة ، وسئمت سأما وسآمة، وزهدت زهدا وزهادة ، فإنما جملة هذا لترك الشيئ) الكتاب ج 4 ص16 تحقيق عبدالسلام هارون.
6- يقول (فجملة هذا أن كل ما كانت له الكسرة ألزم  كان أقوى في الإمالة) الكتاب ج4 ص127 تحقيق عبدالسلام هارون.
 
 
الخلاصة:
 
    ثبت إذن من خلال ما سبق 
1- أن سيبويه -رحمه الله -لم يستعمل كلمة " جملة " أو "جمل "بالمعنى الاصطلاحي المعروف ، بل عبر عن هذا المعنى الاصطلاحي بمصطلح  "الكلام"
 
2-أن سيبويه استعمل  كلمتي "جملة " و"جمل " قاصدا بذلك المعنى اللغوي الذي يفيدالإيجاز والإجمال
             وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت.

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : أحمد بلكاسم ، في 2014/09/06 .

أشكر الأستاذ الفاضل على التوضيح
تحياتي



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36839
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15