حين وقف نقيب الامن ( عامر ) في عام 1980م وفي ممرات مديرية الأمن العامة (سيئة الصيت) وامام مجموعة من المعتقلين من افراد حزب الدعوة وهم في طور التحقيق فقال لهم باللهجة الدارجة ( والله خبصتونة بحزب الدعوة ولكم احنة 30 ضابط جبناكم من زاخو للفاو وكل تنظيماتكم عرفناها ) لم يكن كاذباً فالرجل ومعه رفاقه كانوا يواصلون الليل بالنهار وهم مقيمون في غرف التعذيب التي كانت اشبه بمحلات قصابة فكل من يعتقلونه وبدون سؤال يُؤخذ للتعليق - أعني التحقيق - تُربط يداه بكلبجة أو حبل الى الخلف ويعلق ثم تؤخذ اعترافاته وهو معلق وأياً كانت الاعترافات صحيحة أم باطلة فالاعتقالات تتم على اساسها ولا ينكر أحد ان من يصمد أمام هكذا تعذيب هو النادر والنادر جداً ، ولا خشية من موت احد أو شلله فنسبة الموت المسموح بها للمحققين تصل الى 15٪ ، نعم بهؤلاء وبهكذا طريق استطاع صدام ان يوطد الامن الذي نتباكى عليه اليوم ، وبهذه الطريقة كمم أفواه العراقيين فلا معارضة من جريدة ولا اذاعة ولا تلفزيون ولا فضائية و لا ستلايت حينها ولا موبايل ، ولا لجان لحقوق الانسان ولا زيارات للسجون ، ومنظمات العفو الدولية كمن ينقش على ماء أو يصرخ في العراء ، لذلك لا استغرب ابداً ان يتمكن من هو على هذا النهج ان يعيد الامن والامان الى العراقيين ان كانوا تاقوا لتلك الايام .
في مصر حكم الاخوان سنة كاملة ومع تحفظنا على طريقة حكمهم ولكن الانصاف يدعو للمقارنة وصلت التظاهرات حداً تريد الهجوم على القصر الذي يقيم فيه رئيس الجمهورية وما ان سقط من المهاجمين خمسة افراد وسقط من المدافعين عشرة حتى ضجت وسائل الاعلام في العالم الغربي حول حقوق الانسان وأصول الديمقراطية ، ونبذ العنف ، واستغلال السلطة ، والتذكير بأيام مبارك ، ولكنهم حين اودعوا الرئيس ( المنتخب) الحجز وتجمع مناصروه امام مبنى الحرس الجمهوري وبمجرد الاشتباه بانهم يحاولون الاقتراب منه قتل الجيش منهم خمسين فرداً وسقط من حراس القصر واحداً فقط ولم يتحرك الغرب كما تحرك سابقاً ، حَكَم الاخوان سنةً من الزمان وانبرت المنصات الاعلامية ومنابر الفضائيات لتلومهم - أي الاخوان - وتقرعهم وتسخر منهم ومن الرئيس مرسي وتسفه احلامه وخطبه واهدافه وافعاله ولم يامر الرئيس مرسي بغلق فضائية واحدة وحين تطاول مقدم برنامج البرنامج ( باسم يوسف ) عليه بالالفاظ البذيئة والسخرية المقذعة وبالاساليب الرخيصة وتحركت النيابة العامة لحجزه يوماً او اكثر قامت الدنيا ولم تقعد حول حرية الصحافة والاعلام والتنوير والفكر الحر وحقوق الانسان بالتعبير وأطلق سراحه وعاد ليبث برنامجه كبطل وهذه المرة بسخرية وتطاولٍ اكثر ولتزداد شعبية البرنامج أكثر ومناصروه يدافعون هل يخاف الرئيس من مجرد اعلامي ساخر ؟ وحين اطاح السيسي بمرسي ومن اول يوم بادر الى غلق خمس قنوات فضائية بالكامل وداهم مكتب قناة الجزيرة وقناة العالم فكان ذلك امناً قومياً لمصر ومن اجل استقرارها !!! وأأسف لعلامة التعجب فهو عين العقل والحكمة لحاكم يريد ان يحافظ على امن البلد في ظل ظروف كهذه ، بل لابد من ذلك فأجراء كهذا عين الصواب . قد يتذكر القارئ الكريم يوم وقعت احداث الشغب في فرنسا عام 2005م اعلنت حينهااحكام الطوارئ لمجرد حرق سيارات وليس قتل بشر ، في بلد يعيش الاستقرار الامني منذ اكثر من قرنين من الزمان ويوم اندلعت اعمال عنف وسلب ونهب في بريطانيا عام 2011م قطع كاميرون إجازته وعاد ليوصي القضاء بانزال اقسى الاحكام بمثيري العنف في البلاد وهو بلد منه انتقلت الديمقراطية الى العالم منذ الماكنا كارتا عام 1215م ، يبكي كثير من الغيارى اليوم على العشرات بل المئات من الشهداء الابرياء الذين يقتلون بالمفخخات ويتسارع الكثير منا بحسن نية الى الحكومة ليتهمها بالتقصير والتقاعس عن توفير الامن لانه من اولويات عملها وهو صحيح ولكن كيف تعمل الحكومة اذا كان يطلب منها ان يكون سجنها فندق خمسة نجوم ويتبارى بعض النواب الكرام لزيارة السجناء وفي أي وقت والتاكد من حسن معاملتهم ويتوسطون لادخال الموبايل والانترنيت حتى على المدانين منهم والمحكومين بالاعدام !! فالسجناء في العراق ورقة انتخابية أيضاً حصل منها أحدهم 125 ألف صوت وكانت دعايته الانتخابية على القنوات الفضائية زيارته للسجون وتفقد احوال المدانين والموقوفين على قضايا التفخيخ والارهاب !! واذا اغلقت قناة محرضة صاح المحب والمبغض اين الحريات بل ويتبارى نواب ومسؤولون على تسجيل لقاءات وحوارات مع هذه القناة !! ويتسارعون لشجب قرار الاغلاق كونه يقيد حرية التعبير ويتعارض مع الدستور !! واذا ما اعترف احد المجرمين بقتل خمسين عراقياً وحكم عليه بالاعدام وجاء وقت التنفيذ انبرت منظمة العفوالدولية ومجلس حقوق الانسان وبعض من متظاهري الانبار وعدد من النواب وغيرهم لايقاف التنفيذ لان المحاكمات جرت بظروف غير موضوعية فيتوقف التنفيذ حتى يتمكن المجرم من الهرب !!! وحين يهرب المدان يتسارع الجميع للتشفي بالحكومة واجراءاتها وفسادها والرشاوى التي يتقاضاها حراس السجن وغير ذلك من الاشكالات !!
الانظمة الديكتاتورية قادرة على اعادة الامن والامان الى الشعوب وعلى طريقة ( اضرب الفهد يتأدب الاسد ) وطريقة ضابط الامن المعروف علي الخاقاني ( نخبطها ونشرب صافيها ) هكذا كان يرجز حول ضحاياه المعلقين في سقوف مديرية امن مدينة الثورة ( سابقاً) عام 1982م وقادرة ايضاً عندما لا تناقش امور الامن امام العامة ، وقادرة عندما يعرف الجميع انه لا أحد فوق المحاسبة والاعتقال ولا حصانة لاحد لا نائب ولا وزير ولا عضو مجلس محافظة ولا محافظ . وقادرة أيضاً عندما تكون المقار الامنية مهابة لا يقترب منها أحد ولا يتدخل في عملها احد ولا تتحزب لهذا او ذاك من قادة الكتل السياسية بل هي تعمل للامن والامن وحده والوطن وحده .
ليس معنى هذا ان الدولة وبالطريقة الحالية غير قادرة على توفير الامن والامان اذا ما اصلحت اداءها السياسي والأمني وطورت الاساليب المهنية في ذلك ولكن ذلك يتطلب وقتاً أطول وضحايااكثر وصبراً على الخسائر في المال والعيال . أما النظام الديكتاتوري فبامكانه اعادة الامن بشهر اذا ما ثنيت له الوسادة .
الحكومة بحاجة جدية اليوم ان تعيد حسابات اللعبة وتقلل من الفجوات السياسية بين الفرقاء وتطمئن الشعب العراقي على الوحدة والقدرة على تجاوز الازمة وهي بحاجة ايضاً الى ان تختزل العسكرة الظاهرة من الشرطة والشرطة الاتحادية وتحولهم الى عيون امنية بلباس مدني لتنشيط الجهد الاستخباري وضرب الاوكار الارهابية ومباغتتها قبل تنفيذ جرائمها وهي بحاجة ايضاً الى ان تعيد النظر بتشكيل الجيش وتعيد العمل بالتجنيد الالزامي فان ذلك يولد جيشاً وطنياً رادعاً .
الكتل السياسية لا ينبغي لها بعد اليوم ان تقف مدافعةً عن المجرمين قاعدةً او أية مجاميع مسلحة أو مليشيات بشكل مباشر أو غير مباشر عبر عرقلة إجراءات الدولة في التحري أو القبض أو المحاسبة ، ولتكتب بذلك ميثاقاً وطنياً ومن لا يفعل ذلك عد شريكاً في الجريمة والارهاب الذي يتعرض له الشعب العراقي .
خطوات قد تتبناها الحكومة ولكننا نشك ان يؤازرها الشركاء بذلك .
|