بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على أسرف المرسلين وآله الطيبين الأطهار
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) [البقرة : 219] ، من الآية القرآنية نستدل أن المصلحة و المفسدة طرفا ملاكات الأحكام الشرعية ، من الرجحان بين المفسدة و المصلحة يثبت إما حلية وإما تحريم ، و مؤشر الرجحان يٌبرزه الحب و البغض طرفا الإرادة ، و منه القاعدة الذهبية : لا يمكن للشريعة أن تحل نجسا ، وتحرم طيبا ،( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) [الأعراف : 32] ، ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الأعراف : 157]، من الآية القرآنية ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ) [الأنعام : 146] ، قد يٌلتبس الأمر كيف تحرم الشحوم ثم تحل ؟ والجواب أن الشحوم التي حرمت على بني إسرائيل مفسدة ، و ذلك لممارسات المجتمع الإسرائيلي للربا ، فتجسدت الممارسات الإعتبارية حقيقة في شحوم أبقارهم و أغنامهم " ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ " .
يقول القرضاوي ) 1 ( :" وكما تدرج القرآن بهم في تحريم الخمر وتحريم الربا -وقد كان لهما انتشار وسلطان في الجاهلية- تدرج النبي صلى الله عليه وسلم بهم كذلك في تحريم الفروج. فأجاز عند الضرورة المتعة ثم حرم النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الزواج . كما روى ذلك عنه علي ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم . ومن ذلك ما أخرجه مسلم في (صحيحه) عن سيرة الجهني " أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة ، فأذن لهم في متعة النساء. قال: فلم يخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ من حديثه: "وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة ".
أول ما نقرؤه من سوء الفهم لرجل يدعي الفقاهة ، أنه لم ينتبه أن الشريعة أحلت زواج المتعة ولم تحلل الخمر ، فليأت بآية أحلت الخمر؟! ، فزواج المتعة تشريع رباني ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) [النساء : 24] ، و مادام الله أحله فهو مصلحة ، و إذا كان زواج المتعة حسب السفسطة القرضاوية زنى ، فلماذا يحل الله المفسدة ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) [الإسراء : 32] ، الفاحشة هي الفاحشة في أي زمان أو مكان ، قبل فتح مكة أو بعدها ، وداخل مكة أو خارجها ، و أضف إلى ذلك وَسَاء سَبِيلاً .
عن قيس قال : قال عبد الله كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) . رواه البخاري و مسلم
صحيح البخاري و مسلم يقران أنها من الطيبات ، و القرضاوي يصر أنها زنى !!! ، والنتيجة القرضاوية : أن الصحابة مارسوا ، و أنجبوا من الزنى ؟؟!!! ، ويقول القرضاوي : "قبل أن يستقر التشريع في الإسلام . أجازه في السفر والغزوات، ثم نهى عنه وحرمه على التأبيد" ، وهل السفر و الغزو ، إنتهى بفتح مكة ؟؟!!! ، والغريب أنها أحلت وحرمت سبع مرات خلال ثلاث سنوات فقط حسب النصوص الروائية ، لذا يقول الشافعي مستغربا: " لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة " ، أليس هذا تلاعب ، وكأن الشارع في حيرة من أمر زواج المتعة ، ترضية للخليفة الثاني ؟؟!!! ، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الاَيّام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث".
في مسند احمد و جامع بيان العلم ( قال عروة بن الزبير لابن عبّاس: ألا تتّقي الله! تُرخّص في المتعة ؟! ، قال ابن عبّاس: سَلْ أُمّك يا عُرَيَّة ! ، فقال عروة : أمّا أبو بكر وعمر فلم يفعلا.
قال ابن عبّاس: والله ما أراكم منتهين حتّى يعذّبكم الله، نحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتُحدّثون عن أبي بكر وعمر!! أو قال: أراهم سيهلكون، أقول: قال رسول الله، ويقولون : قال أبو بكر وعمر!!) .
القرضاوي غض الطرف عن الآية القرآنية التي شرعت النكاح المؤقت ، و اعتمد على الرواية ، و المفارقة أن الحديث عن رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة و التسليم مٌنع مع وفاته ؟؟!!! ، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ : إنّ الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم ، فقال إنّكم تحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه! ، في طبقات ابن سعد : " إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها " !؟، وذكر الخطيب في « تقييد العلم » عن القاسم بن محمد : " أنّ عمر بن الخطاب بلغه أنّ في أيدي الناس كتباً ، فاستنكرها وكرهها ، وقال : أيّها الناس إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبها إلى اللّه ، أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلاّ أتاني به فأرى فيه رأيي. قال فظنوا أنّه يريد ينظر فيها ويقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم ، فأحرقها بالنار ثمّ قال : أمنية كأمنية أهل الكتاب "، والروايات مستفيضة في هذا الأمر ، ولم يرفع الحظر إلا في عهد عمر بن عبد العزيز !؟ .
إذا كانت السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع ، فلماذا منعت و حوربت ؟؟ !، و الجواب الذي يرفع الإستغراب ، و يزيل الدهشة ، أن الإسلام السلطوي شكل موروثا مبني على التلاعب بالقرآن و السنة المحمدية ، وفق أهوائهم و مصالحهم وميولهم و رغباتهم المكبوتة، وابتدأ هذا الموروث مع سنة الشيخين ، و تهميش أهل البيت ، و مع معاوية تهيكل في أربعة دعائم : النصب ، الإرجاء ، الجبر ، و التجسيم في البعد العقائدي ، أما البعد التعبدي تعرض للتشويهات و البدع ، و مصداقية الموروث هي الأحاديث المكذوبة و الإسرائيليات التي جند لها أبو هريرة ، تميم الداري ، كعب الأحبار....
قالوا أن حظر منع تدوين السنة سببه إختلاط القرآن بالسٌنة فتعارضوا مع القرآن (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [الحجر : 9] ، (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [البقرة : 23] ، أليس كلامهم إبطال الإعجاز القرآني ؟؟!!! ، وقالوا كذلك سببه ترك القرآن و الانشغال بالحديث فتعارضوا مع القرآن في عدة آيات منها على سبيل الحصر (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) [آل عمران : 7] ، كيف لهم معرفة المحكم من المتشابه دون الرجوع إلى الرسول وعترته عليهم السلام ؟؟!، وقالوا أن الحظر سببه أنهم كانوا حفاظًا فلا داعي للتدوين ! ، يقول الرسول ألأعظم : "صلوا كما رأيتموني أصلي" ، و الصلاة عمود الدين ، إلا أن صيغة التشهد تختلف من مذهب إلى آخر ، هل هذا يرجع لقوة الحفظ ؟؟! .
نكتة : بعد تكبيرة الإحرام ينقطع المصلي عن الدنيا و مشاغلها انقطاعا تاما ، و قول السلام عليكم إعلان بالخروج من الصلاة ، فلماذا يقال : السلام عليكم في التشهد الأول ، و إتمام الصلاة بالتشهد الثاني !! ، لماذا سرقت البسملة من سورة الفاتحة وهي السبع المثاني ، و البسملة آية من فاتحة الكتاب ، و لا تتم الصلاة إلا بفاتحة الكتاب تامة غير منقوصة !! ، و قول آمين لا معنى لها قرآنيا ، فمن أي دين ، دين الدارمي أم كعب الأحبار دخلت إلى عماد الدين !! .
في مسند احمد ( قال أبو موسى الاَشعري:" لقد ذكّرنا عليّ بن أبي طالب صلاةً كنّا نصلّيها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إمّا نسيناها، أو تركناها عمداً " ) !! .
في سير أعلام النبلاء و الإصابة ( قالت أُمّ الدرداء: دخل علَيَّ أبو الدرداء مغضباً، فقلتُ: مَن أغضبك ؟! ، قال: " والله لا أعرف فيهم من أمر محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً " ) !!
في مسند أحمد و سنن دار قطني ثبت عن زيد بن أرقم ، كبّر على الجنازة خمساً، فاستنكروا عليه، فقال: "سُـنّة نبيّـكم"... ولن أدعها لأحد بعده... ولن أدعها أبـداً " .
صلاة تصلى غير الصلاة التي كانت على عهد النبي الأكرم ،و روح الدين يضيع و لا يبقى منه إلا قشوره ، مجرد طقوس و تقاليد شكلية ، تكبيرات صلاة الجنازة تصبح أربع تكبيرات ، و الأصل خمس تكبيرات لأن الخليفة الثاني أراد ذلك ففي العسكري/ الاَوائل، ابن الاَثير/ الكامل في التاريخ ، السيوطي/ تاريخ الخلفاء ، في أوّليّات عمر: "وأوّل من جمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز" .
هل هذه هي المحافظة على السنة النبوية الشريفة ، هل هذه هي قوة الحفظ ؟؟! ، ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر : 7] ) .
الحكم الشرعي يٌبنى على مرحلتين : مرحلة الثبوت ثم تأتي مرحلة الإثبات ، وهل دور الرسول دور إثباتي فقط أي إبراز الجعل ، أم يتعداه إلى ثبوتي يشمل الجعل ولو في موارد محدودة ؟
إن السنة النبوية متممة في الأحكام الشرعية للقرآن الكريم حيث يقول الله تعالى : ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينا (ً [الأحزاب : 36] ، و كذلك قوله تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً )ً [النساء : 105]، فجملة " أَرَاكَ اللّهُ " تبين الوقوف الفعلي للرسول الكريم على الأحكام و ملكات الأحكام ، لم يتعرض القرآن الكريم لنصيب الجد في التركة ، فأورثه الرسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم السدس ، ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [صـ : 39] ، وجملة : "هَذَا عَطَاؤُنَا " تفويض له في الأمور الجعلية الشرعية الاعتبارية ، و لهذا نجد ضياع الكثير من الأحكام التشريعية ، ووقوف القوم مبهورين لجهلهم الكثير من الأحكام ، فقد ثبت في الصحيح أن الخليفة الثاني صاحب مقولة "حسبنا كتاب الله " يوم رزية الخميس ، " ثلاث وددت أن رسول الله كان بينهن لنا : الجد ، و الكلالة ، و أبواب من أبواب الربا " ؟؟ !!!، هل الشريعة بها نقص (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [المائدة : 3] ، ومن هنا يبدأ الخلل ، والثغرات التي عجز عن سدها علماء الإسلام السلطاني ، و غرقوا في المتناقضات .
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ : كان ـ أبو بكر ـ أوّل من احتاط في قبول الأخبار.. إنّ (الجدّة) جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد لكِ في كتاب الله شيئاً، وما علمتُ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر لكِ شيئاً! ثمّ سأل الناس، فقام المغيرة فقال: حضرتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيها ـ أي الجدّة ـ السـدس ، فقال له أبو بكر: هل معك أحد ؟ ، فشهد محمّد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر .
في صحيح البخاري ـ الاعتصام بالكتاب والسُـنّة ـ و تذكرة الحفّاظ : في قصّته مع أبي موسى الاَشعري حين حدّثه بحديث: " إذا سلّم أحدكم ثلاثاً فلم يُجَب فَلْيَرجِع " فقال له عمر: لتأتينّي على ذلك ببيّنة أو لاَفعلنّ بك!! ، فانطلق إلى مجلس من الاَنصار، فقالوا: لا يشهد إلاّ أصاغرنا ! فقام أبو سعيد الخدري فشهد له عند عمر، فقال عمر: خَفِيَ علَيَّ هذا من أمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ألهاني الصفق بالاَسواق ! .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [البقرة : 229] ، ويقول ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ) [غافر : 11] ، ليس من العشوائية أن يقول في الآية الأولى مَرَّتَانِ ، و في الثانية اثْنَتَيْنِ ، مَرَّتَانِ ضرفية مرهونة بالزمان و المكان ، اثْنَتَيْنِ غير مقيدة نالزمان و المكان ، لأن بين الحياة البرزخية والنفخة في الصور لا معنى الزمان و المكان لأنهما ليسا بمادة ، ولذا فالطلقة الرجعية لا تتحقق إلا بممضي ثلاثة قروء يثبت فيها لذات العدة الرجعية النفقة و السكنى ، ويحرم عليها الخروج من دارها دون إذن زوجها إلا لضرورة قاهرة ، و يحرم على الزوج إخراجها من دارها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة ، و عند تمام العدة يقرر الزوجان الطلاق في حالة ألا توافق حتى لا يعيشا حياة ضنكا ، أو التراجع عن الطلاق إن كان لحالة غضبيه ، أو وسوسة شيطان ، أو سوء تفاهم ، فيحافظ الإسلام المحمدي من خراب أسرة ، و يخلص المجتمع من شرور سلبياتها ، ولكن في الإسلام السلطوي يكفي أن يتلفظ الزوج بجملة : أنت ِطالق ثلاثًا ، ينجر عنه الطلاق البائن !!! ، نسأل القرضاوي ، هل هذا هو العقد المتين والميثاق الغليظ ؟؟ !.
من قياس مغالط لحليب الرضاعة مع الخمر، " ما أسكر كثيره ، فقليله حرام " ، تتحقق البنوة بقطرة واحدة عند الإمام مالك ، فينجر عنه طيلة هذه القرون حلول اللعنة بكل أسرة ، شهد شاهد عليها أن الزوجين أخوان بالرضاعة و ثبوتها بقطرة أو شٌربة حليب ، و السبب يعود لمنع تدوين الحديث من جانب، ومن جانب آخر مالك يستخدم قياسا مغلوطا ، ويعطي لنفسه حق التأسيس في الأحكام الشرعية بدل الاستنباط الفقهي ، و هنا الاسلام السلطوي يؤسس أحكاما وضعية ! ، بينما الرسول حرم من ذلك وجعلوه مبينا للأحكام الشرعية فقط، ويؤخذ بها حسب الأهواء السلطانية ، أما باقي المذاهب في تحديد عدد الرضعات المحرمات ، إعتمدت على حديث عائشة أم المؤمنين : في صحيح مسلم – كتاب الرضاع – عن عائشة : أنها قالت" : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله (ص) وهن فيما يقرأ من القرآن ، " في سنن الترمذي –كتاب الرضاع - قالت عائشة ": أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذالك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات فتوفى رسول الله (ص) والأمر على ذلك " .... ، في سنن النسائي – كتاب النكاح - عن عائشة قالت : " كان فيما أنزل الله عز وجل ، وقال : الحرث فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله (ص) وهى مما يقرأ من القرآن" ، القوم استدلوا على عدد الرضعات المحرمة من آية قرآنية حذفت من القرآن ؟؟ ! ! ، إذن : نستنتج أن القرآن منقوص و محرف ، و الحكم الشرعي قائم على الظن و الوهم ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ) [النجم : 23] ، (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئا ) [النجم : 28].
هل الإسلام يخرب الحياة الزوجية ، ويؤدي إلى تفريق الأسرة ، مما ينجر عليه سلبيات تضر الفرد و المجتمع لمهزلة قطرة حليب يحرم منها ما يحرم من النسب ؟؟! ، في الإسلام المحمدي يكون للرضاع أثر في التحريم شروط من بينها التقدير الزماني : يوم و ليلة ، التقدير الكمي : خمس عشرة رضعه مشبعة و متوالية ، ليتشكل منها العظم و اللحم و الشحم .... ، و من شروطها قول الإمام علي عليه السلام : " أنظروا من يرضع أولادكم فإن الولد يشب عليه " .
لنعد إلى الخمر في القرآن الكريم : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة : 219] ، ( َيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [المائدة : 90] ، ) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) [المائدة : 91] ، قي الآية الأولى ثبت المفسدة فيثبت التحريم ، في الثانية رجس و اجتناب يثبت التحريم ، في الثالثة عداوة وبغضاء و صد عن ذكر الله ، تثبت المفسدة فيثبت التحريم ، إلا أن بعض القوم عز عليهم ترك معاقرة الخمر و الإنصياع لحكم الله ، فردعوا بقوله تعالى" فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ " ، ولذا قال أصحاب الإسلام السلطوي إن الله تدرج في تحريم الخمر !!! ، وبالإضافة إختلفوا في شارب الخمر، هل يحد أم يعزر، وجهلوا حكمها الشرعي ؟؟!.
صلاة التراويح من بدع الخليفة الثاني في صحيح البخاري أنّ عمر لمّا جمع الناس عليها قال: "نِعْمَ البدعة هذه !" ، ولما أراد علي عليه السلام أيام خلافته أن يبطل هذه البدعة - عن مسلم (خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعةٍ ضلالة )- قالوا : "وا سُـنّة عمراه "!! ، ولم يقولوا " وا سُـنّة رسول الله "!! ، إلا إذا كان الخليفة رسول الله !! ، فذاك أمر آخر!!! .
ــــــــــــــــــــــــــ
) 1 ( القول الفصل في نكاح المتعة ، المصدر إسلام أون لاين .
Ali.hocinexx@laposte.net