بسم الله الرحمن الرحيم
قال السّيد كمال الحيدري (هداه الله) في درسه الأصولي، المنشور في موقعه بتاريخ 28\\8\\2012 ما نصه: ((ومن الموارد الأخرى ايضاً الذي صرح أنه هو المشتهر كما قلت في كتاب (تحريرات الأصول، ج1، ص1) للسيد مصطفى الخميني ابن السيد الإمام قدس الله نفسه، يقول: (الناحية الأولى في أصل الحاجة إلى الموضوع في العلوم الحقيقية والاعتبارية) مرادهم من العلوم الحقيقة من قبيل الفلسفة والرياضيات، ومرادهم من العلوم الاعتبارية تلك العلوم التي لا توجد فيها ملازمة غير قابلة للانفكاك بين الموضوع وبين المحمول كالنحو، فقولنا الفاعل مرفوع، فلو فرضنا أن الأوائل كانوا قد جعلوا الفاعل مجروراً، ولهذا بعض أهل المعرفة يقول أن أهل النحو لا نعرف كيف نتفاهم معهم، تسأله من هو الفاعل في قولك (مات زيد) يقول الفاعل هو زيد، تقول هل هؤلاء مجانين، زيد فاعل أو مفعول به، مات زيد، زيد فاعل أو وقع عليه الفعل، ما هو تعريف الفاعل عندكم؟ ما صدر منه الفعل، كما تقول: ضرب زيد، مات زيد كيف، قام به الفعل، إذن لابد أن تأتي في علم النحو وتعرف الفاعل من جديد، فالتعريف المذكور تام أو غير تام؟)) خارج أصول الفقه محاضرة 5، الرابط:
http://alhaydari.com/ar/2012/08/36024/
وتوضيح الإشكال: أنّ السيد الحيدري لا يرى تمامية تعريف الفاعل، لعدم جامعيّته لأمثال (ماتَ زيدٌ)، فالفاعل هو ما صدر منه الفعل (كما قرّره ونقلناه) والحال أن الموتَ لم يصدر من زيد، بل وقع عليه. ومن هنا فعلى المجانين من علماء النحو أن يعيدوا تعريف الفاعل من جديد ليشمل أمثال مات زيد.
إلا أن هذا الكلام غريب جداً من شخص يدّعي أنه يريد أن يقدّم قراءةً جديدةً لفقه أهل البيت عليهم السلام ومعارفهم، وهو لا يعرف أبسط المسائل التي يعرفها ويدرسها المبتدؤون من طلبة العلم في الحوزة العلمية، فهذا الإشكال الذي ذكره السيد مبحوث في الكتب النحوية التي يدرسها الطلبة ككتاب (شرح قطر الندى وبل الصدى) كما سنبيّن.
كيفما كان، يقع الكلام في جهتين:
الجهة الأولى: تعريف الفاعل عند النحاة.
الجهة الثانية: في بيان أن هذا الإشكال يبحث في كتب مرحلة المقدّمات في الحوزة العلمية.
أما الجهة الأولى: (تعريف الفاعل عند النحاة)
قال ابن هشام ت 761 هـ: ((اعلم أن الفاعل عبارة عن اسم صريح أو مؤول به، اُسند إليه فعل أو مُؤول به، مُقدَّم عليه بالأصالة، واقعاً منه، أو قائماً به)) شرح القطر ص198
وقال ابن عقيل ت 769 هـ: ((فأما الفاعل فهو الاسم المسند إليه فعل على طريقة فَعَل، أو شِبهه وحكمه الرفع)) شرح ابن عقيل 1\\420
وقال ابن أحمد الفاكهي ت 972: ((الفاعل: ما قُدِّم الفعل التام أو شبهه عليه بالأصالة، وأُسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه)) شرح الحدود ص193
ومنها عُلم أن ما نقله السيد الحيدري ونسبه إلى النحاة ليس دقيقاً، فلا نحتاج إلى إعادة تعريف الفاعل، لأن التعريف الذي ذكروه يشمل الجملة الفعلية محل الإشكال، إذ لا يشترط في المسند إليه أن يكون فاعلاً لغوياً -أي ما صدر منه الفاعل-، وإنما يكفي أن يكون مسنداً إليه إسناداً ما، ولو على نحو القيام أو الحلول، وقولنا (مات زيدٌ) من هذا القبيل.
أما الجهة الثانية: (في بيان أن هذا الإشكال يبحث في كتب مرحلة المقدّمات في الحوزة العلمية)
تطرّق ابن هشام الأنصاري لهذا البحث في كتاب القيّم (شرح قطر الندى وبل الصدى) حيث قال: ((وإنما مثلت الفاعل بـ \"قام زيد\" و \"مات عمرو\" ليُعلم أنه ليس معنى كون الاسم فاعلاً أن مسماه أحدث شيئاً، بل كونُه مسنداً إليه على الوجه المذكور، ألا ترى أن عمراً لم يُحدث الموت، ومع ذلك يُسمّى فاعلاً.)) راجع شرح القطر ص199.
فتحصل من ذلك: أن ما أفاده السيد غير دقيق، كما أنّه لا يناسب حجم الكاريزما التي يدعيها، فالأعلم في كل الفنون لا يقع في مثل هذه الأغلاط التافهة التي يعرفها صغار طلاب العلم. |