بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)
نكمل مع سعادة الدكتور المحترم مناقشتنا لمقاله في جريدة عكاظ الذي حمل عنوان (الفرس خطفوا التشيع)
قال: (مجدوا الإمام علي وقدسوه بعد أن قتلوه)
أقول: الظاهر أن الدكتور حفظه الله بعيد كل البعد عن التاريخ الاسلامي, أما تمجيد أمير المؤمنين عليه السلام فهو دأب كل مسلم مطيع لما أمر به الله ورسوله.
أما أن الشيعة قتلوا علي بن أبي طالب عليه السلام فهذا الأمر يستحق أن يعطى لأجله الدكتور براعة اختراع!
اذ أن هذا الشيء لم يدعه أحد, فأهل التاريخ أجمعوا أن الذي قتل عليا عليه السلام هو عبد الرحمن بن الملجم المرادي الذي كان يتديّن بعقائد الخوارج الناصبةّ
علما أن الشيعة يتبرؤون من هذا الرجل ويتقربون الى الله بلعنه صباحا مساء وفي المقابل نجد شيخ الاسلام ابن تيمية يمتدح عبادة هذا المجرم فيقول في منهاج سنته 7/84: و الذي قتل عليا كان يصلى ويصوم ويقرأ القران وقتله معتقدا أن الله ورسوله يحب قتل على وفعل ذلك محبة لله ورسول في زعمه!
بل الأعظم من هذا: فان ابن حزم الظاهري قد أعطى لهذا الرجل صكّ براءة من هذا الجرم الكبير فقال في كتابه المحلى 10/484: ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن عبد الرحمن ابن ملجم لم يقتل عليا رضي الله عنه الا متأولا مجتهدا مقدرا انه على صواب.
والمعلوم أنه عندكم يا دكتورنا العزيز أن المكلف اذا اجتهد وأخطأ فله أجر, فقاتل علي عليه السلام مأجور لصنعه هذا الخطب الجلل!
وفي المقابل أخي القارىء نجد نفس هذا الرجل أي ابن حزم عندما وصل الى قتلة عثمان قال: وليس هذا كقتلة عثمان رض لأنهم لا مجال للاجتهاد في قتله لأنه لم يقتل أحدا ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا زنا بعد احصان ولا ارتد فيسوغ المحاربة تويل بل هم فساق محاربون سافكونا دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان فهم فساق ملعونون (الفصل في الملل والنحل 4/161)
وأترك الحكم لكم..
قال سعادة الدكتور: (لأسباب يمكن أن يكون من بينها أنه كما يقال نصح عمر بأن لا يفتح بلاد فارس لأسباب ونية طيبة قد يكون من بينها خوفه على المسلمين حينئذ لقلة عددهم وعتادهم، وأيضا لأن علياً شفع للفرس بعد القضاء على مملكتهم)
أقول: كما ذكرت لكم سابقا أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام هو الذي كانت له اليد الطولى في فتح بلاد فارس وللتوضيح أنقل لكم هذه الرواية التي تنص على تفاصيل الحادثة:
ورد في كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي أن عمار بن ياسر –الصحابي الجليل المحترم عند الشيعة- أرسل لعمر بن الخطاب كتابا ذكر فيها استعداد كسرى للهجوم على بلاد المسلمين فكانت ردّة فعل عمر هي الآتية: لما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقرأه وفهم ما فيه وقعت عليه الرعدة والنفضة حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه، ثم قام عن موضعه حتى دخل المسجد وجعل ينادي: أين المهاجرون والأنصار؟ فاجتمعوا رحمكم الله وأعينوني أعانكم الله (الفتوح 2/191).
فعمر بن الخطاب لم يصنع شيئا لفتح بلاد فارس بل كان خائفا مرتعبا لا يدري ماذا يصنع!
وكان أبو الحسن عليه السلام هو من جاءه بطوق النجاة فقال له: ن أحببت ذلك فاكتب إلى أهل البصرة أن يفترقوا على ثلاث فرق : فرقة تقيم في ديارهم فيكونوا حرسا لهم يدفعون عن حريمهم، والفرقة الثانية يقيمون في المساجد يعمرونها بالاذان والصلاة لكيلا يعطل الصلاة ويأخذون الجزية من أهل العهد لكيلا ينتقضوا عليك، والفرقة الثالثة يسيرون إلى إخوانهم من أهل الكوفة، ويصنع أهل الكوفة أيضا كصنع أهل البصرة ثم يجتمعون ويسيرون إلى عدوهم فإن الله عز وجل ناصرهم عليهم ومظفرهم بهم، فثق
بالله ولا تيأس من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون, قال: فلما سمع عمر مقالة علي كرم الله وجهه ومشورته أقبل على الناس, وقال: ويحكم! عجزتم كلكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو الحسن، والله! لقد كان رأيه رأيي الذي رأيته في نفسي، ثم أقبل عليه عمر بن الخطاب فقال: يا أبا الحسن! فأشر علي الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أجعله أميرا وأستكفيه من هؤلاء الفرس، فقال علي رضي الله عنه: قد أصبته، قال عمر: ومن هو؟ قال: النعمان بن مقرن المزني، فقال عمر وجميع المسلمين: أصبت يا أبا الحسن! وما لها من سواه. (الفتوح 2/295)
اذن فأمير المؤمنين عليه السلام هو من أعطى الخطة العسكرية لعمر بن الخطاب وهو من عيّن قائد هذه المعركة وهو النعمان بن مقرن رضي الله عنه وقد كان معه في هذه الملحمة البطولية زيد بن صوحان العبدي وشهيد صفين قيس بن المكشوح, والأحنف بن قيس, وأبو عثمان النهدي وكلّ هؤلاء من أجلاء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين ندعو الله أن يحشرنا معهم ويلحقنا بهم.
قال سعادة الدكتور: (وكذلك لأنه زوج ابنه الحسين إحدى سبايا كسرى (بناته) واسمها شهريانو، وكذلك موقفه من الهرمزان. لذلك ينظرون للحسين بشكل خاص كون زوجته فارسية ورزق منها كما يعتقدون بابنه علي فقدسوا بعد الإمام علي، ابنه الحسين وابنه علي)
أقول: ما ذكره الدكتور هو مجرّد اتهامات يردّدها مخالفو الشيعة دون أن يكون لها واقع عملي في كتب الشيعة ومصادرهم المعتبرة!
فنظرة الشيعة الخاصة للإمام الحسين عليه السلام هو لأن النبي صلى الله عليه وآله جعله سيد شباب أهل الجنّة وأسماه شهيد الأمّة وجعل موّدته أجر الرسالة ومحبّته شرطا للنجاة في الآخرة..
لكن العتب على المدرسة التي ينتمي لها الدكتور التي لم يتركوا مطعنا الا ونسبوه للامام الحسين عليه السلام:
- فهم من خطئوا خروج الحسين عليه السلام وصوّبوا فعل يزيد بن معاوية عليه من الله ما يستحق, فهذا ابن العربي يقول في قواصمه التي قصم بها ظهره مبرئا قتلة الحسين عليهم السلام: وما خرج اليه أحد الا بتأويل ولا قاتلوه الا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل المخبر بفساد الحال المحذر عن الدخول في الفتن. (العواصم من القواصم 244)
ومنهم ابن تيمية الذي قال في منهاجه: وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص الخير بذلك.(منهاج السنة 4/264)
ومنهم محمد الخضري بك الذي صرح بلا خجل: و على الجملة فان الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي جر على الأمة وبال الفرقة والاختلاف و زعزع عماد الفتها الى يومنا هذا و قد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك الا أن تشتعل النيران في القلوب فيشتد تباعدها غاية ما في الأمر أن الرجل طلب أمرا لم يتهيأ له و لم يعد له عدته فحيل بينه و بين ما يشتهي وقتل دونه. (محاضرات في التاريخ الاسلامي 291)
- وهم من وثقوا قتلة الامام الحسين عليه السلام وجعلوهم من رواة حديثهم وحملة أخباره:
فهذا العجلي يترجم لعمر بن سعد قائد الجيش فيقول: عمر بن سعد بن أبي وقاص مدني ثقة كان يروي عن أبيه أحاديث وروى الناس عنه وهو الذي قتل الحسين قلت كان أمير الجيش ولم يباشر قتله. (معرفة الثقات 2/166)
وهذا محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ترجم له ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار وعده منهم (المصدر 1/166)
وهذا شبث بن ربعي الذي كاتب الحسين عليه السلام وغدر به يوثق في كتبكم: شبث بن ربعى روى عن على وحذيفة روى عنه محمد بن كعب وسليمان التيمى سمعت أبى يقول ذلك وسألته عنه فقال حديثه مستقيم لا اعلم به بأسا والذي روى أنس عنه يقال ليس هو هذا. (الجرح والتعديل 4/388).
ولو شئت أن أسرد لك قائمة طويلة بأسماء قتلة الامام الحسين عليه السلام والذين يحترمهم أهل السنة والجماعة لذكرنا لك لعشرات منهم!
فهل تلوم الشيعة على حبهم وتقديسهم لحسين عليه السلام وتغمض عينيك عن تقديس أهل السنة لقتلته؟
مالكم كيف تحكمون؟!
- بل يا دكتور نجد أن من علمائكم من حرّم قراءة مقتل الحسين عليه السلام من الأساس كما نقل ذلك ابن حجر الهيثمي حيث: قال الغزالي وغيره ويحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكاياته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فإنه يهيج على بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين تلقى الأئمة الدين عنهم رواية ونحن تلقيناه من الأئمة دراية فالطاعن فيهم مطعون طاعن في نفسه ودينه. (الصواعق المحرقة 335)
فما هو تعليقك على ما ذكرناه؟
قال سعادة الدكتور: (فلم يعتبر الفرس أولاد الحسين من زوجته العربية أئمة ولا معصومين)
أقول: يا دكتورنا العزيز, لو أتعبت نفسك قليلا وبحثت في كتب التاريخ أو كتب الأنساب أو كتب الملاحم أو حتى بحثت في الشيخ غوغل لعلمت بكل بساطة أن الامام الحسين عليه السلام لم يعقب الا الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام.
لأنه وبكل بساطة, عمر بن سعد بن أبي وقاص الثقة عندكم والراوي في كتبكم قد أباد ذرية الامام الحسين عليه السلام فقتل عليا الأكبر وقتل حتى عبد الله الرضيع الذي لم يبلغ ستة أشهر!
فهل سيكون هؤلاء أئمة في حياة أبيهم الحسين عليهم السلام؟
أم سيقول الشيعة بإمامتهم وهم في عالم البرزخ؟
يتبع.. |