لقد خلق الله سبحانه وتعالى الانسان وجعل فيه طاقات للاستفادة منها في تسيير حياته الاجتماعية، ومن نعمه تعالى أيضاً جعل هناك طاقات في الخارج يمكن للانسان الاستفادة منها، وكلّ من الطاقتين الداخلية والخارجية يمكن تسخيرها في النوايا الخيرة والحسنة ٲو في النوايا السيئة والشريرة، فالله سبحانه وتعالى أعطى للانسان هذه الطاقات وجعله هو المسيّر لها ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا))الإنسان: 3..
فهناك في الانسان طاقات إيجابية وأخرى سلبية، وهذه الطاقات عادة ما تكوّن حول الانسان هالة من الأشعة غير المرئية (كالأشعة المغناطيسية)، فاذا كانت هذه الهالة إيجابية بعثت الارتياح والطمأنينة لمن حولها، لهذا نرى في بعض الأحيان انّ هناك راحة عندما يقبل علينا شخص لا نعرفه حتى انّك تجد نفسك تبتسم له من غير شعور، فما ذلك إلاّ من تلك الطاقة التي يبعثها ذلك الشخص فتؤثر تأثيراً إيجابياً بمن حوله، وعلى العكس في أنّك قد تصادف شخصاً تنزعج منه وليس هناك سبب لذلك وحتى انّك قد لا تعرفه أبداً..
طبعاً هذه الطاقة لم تأتي من فراغ، بل هي وليدة تفاعلات نفسية كامنة في الداخل، فاذا كان داخل هذه النفس نوع من الصدق والحب والعطف والرحمة والتسامح والسلام وحب نوع الانسان وغيرها من أمور الخير، كانت هذه الطاقة إيجابية وبالتالي ستبعث أمواجاً مريحة هادئة مطمئنة..
أما إذا كان داخل هذه النفس عبارة عن كذب أو حسد أو غيبة أو نميمة أو حزن أو نكد أو حقد أو الرغبة بالقتل وغيرها من الأمور السيئة والشريرة، كانت هذه الطاقة سلبية، وبالتالي ستولّد أمواجاً مزعجة غير مريحة تُزعج كلّ من يمرّ بهذا الانسان الذي يضمر هذه الأمور، مع انّنا لم نطّلع على دواخل كل من النوعين من الانسان..
مانريد أن نصل إليه من كلّ ما سبق هو انّه طالما انّ الله سبحانه وتعالى أعطى للانسان تلك الطاقة بداخله إذن لابد لها من الخروج طال الزمن أم قصر، وبناءً على ما سبق تكون النتيجة إيجابية أو سلبية..
فيمكن للانسان صاحب الطاقة الايجابية أن يحول كلّ طاقته نحو الخير، لأنّ نفسه لا تضمرّ إلاّ الخير، فيكون هدفه هو كيفية إسعاد من حوله..
وبالعكس لصاحب الطاقة السلبية..
لذلك على الأول أن ينتقي أصدقاءه وجلساءه بحيث لا يؤثرون عليه، لأنّ صديق السوء يمكن أن يغيّره ويحرفه عن طريقه فيصيبه الندم ويقول ((يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي))الفرقان: 28، 29، وهذا ما أشارت اليه الأحاديث الشريفة ٲيضا فقد قال الإمام محمد التقي الجواد (عليه السلام) ((اِيّاك ومصاحبة الشرير، فإنه كالسيف المسلول، يحسن منظره ويقبح أثره))، وقال الامام الصادق (عليه السلام) ((لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب)) وغيرها كثير من الروايات التي تنهى عن مرافقة رفيق السوء..
على انّنا لا يمكننا الاعتماد الاعتماد الكلّي على هذه الطاقة فقط، فهناك أناس يمكن أن يتحكموا بها فيخدعون من حولهم فيحققوا مآربهم، لذلك يمكن معرفة ذلك من خلال التعامل مع مثل هكذا أناس ودراستهم دراسة جيدة، فيتّضح الأمر في النهاية لأن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال ((ما أضمر أحد شيئاً إلاّ وظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه)) وقال (عليه السلام) ((المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم ظهر)) وقال الامام الصادق (عليه السلام): ((الكلام إظهار ما في قلب المرء من الصفا والكدر، والعلم والجهل))..
ومن هنا ينبغي للانسان صاحب النفس الايجابية الابتعاد عن مثل هؤلاء، أو انّه يكوّن له شخصية قوية مبنية على ما تضمره نفسه فيطوّقها بسور (من فولاذ إن صحّ التعبير) حتى لا يمكن اختراقه، لأنّ بترسيم الحدود يعرف كلّ واحد حدّه فلا ينبغي للغير أن يتعدّاها..
وكلّ هذا لا يتمّ إلاّ بتوفيق من الله سبحانه وتعالى والاستعاذة به من كلّ شرّ..