جابر الجابري..
وجودي في الوزارة ليس كأجير، وانا قادم اليها عبر ثلاثين عاما من الجهاد والتضحيات
حاوره : راضي المترفي
(كان لنا وطن) هو محاولة استعادة اخيرة لوطن لابد ان يعود،
حين استلم السيد اسعد الهاشمي سدة الوزارة، كانت المحاصصة في اسوء بداياتها، لذلك انتفضت
نريد وزيرا يمتلك الشجاعة الكافية ليقول انا وزير حضارة عمرها سبعة آلاف عام
انا ربيب وابن الأسرة الصحفية... هل هناك من يعتدي على اسرته
الدولة صحت متأخره جدا على معركتي
انا ابن الحسين، دما ولحما وعظما، اتشرف حتى النخاع بالانتساب لدمه الطاهر
انا اول مخطوف في تشكيلة الدولة العراقية الجديدة،
قضيت ثمانية وعشرين ليلة قمرية مع الجواهري
يمثل الدكتور جابر الجابري ثقلا اساسيا واضحا في النسيج الحكومي والثقافي والسياسي من خلال موقعه كوكيل اقدم لوزارة الثقافة العراقية اضافة الى انه شاعر اصدر عدة دواوين وتجربة طويلة مع الابداع امتدت على اديم سنوات طويلة حمل بها الهم الثقافي جنبا الى جنب مع النضال ضد النظام البائد والعمل الدؤوب لاسقاط ذلك النظام وقد حارب الجابري بالقافية والقلم والكلاشنكوف على امتداد ساحات الجهاد ضد الحكم البعثي التسلطي وانتشر على ايران وبلاد الشام ليستقر به المقام في لبنان ردحا من زمن كان هناك صوتا للرفض لعدوانية وقمعية النظام بالمقالة والقصيدة والخطبة ولم يفته وهو في المعترك بشكل دائم ان يكمل دراسته الاكاديمية حتى حصل على ( الدكتوراه ) وعند العودة الى العراق بعد سقوط النظام كان من اوائل من تصدوا للامساك بزمام الامور وقيادة حملة لتطهير الثقافة مما لحق بها من ادران النظام البائد من خلال عمله في وزارة الثقافة وكان حاضرا بالمحافل كافة من مهرجانات ومؤتمرات وندوات ولقاءات .. تجده يخوض غمار النقاشات من اجل اعادة العافية للمسرح العراقي وكذلك في مجال الشعر والفن وكل ضروب الابداع الاخرى وكان فارسا في مجال اشاعة ثقافة وسطية تتقبل الرأي والرأي الاخر , لم يتوقف عند قومية او طائفة او حزب او كتلة كان يسعى لأن يكون مع الجميع ومن الجميع ورمى بكل ثقله في هذا المسعى الوطني الصميم .
كان مع الشعراء في مربدهم وهمومهم
وكان مع الصحفيين في سعيهم لنقل الحقيقة ومعاناتهم
وكان مع الادباء والمثقفين في ايصال صوتهم وارساء اسس لثقافة وطنية
وكان مع السياسيين في حواراتهم ونقاشاتهم
وكان مع المواطنين في محنتهم
وكان فوق هذا وذاك يحمل مرارة القمع والغربة وفقد الاحبة وقسوة النظام البائد ويشعر من خلالها بمعاناة الاخرين لذى يسعى مخلصا لتخفيف معاناة الاخرين من خلال الاحساس بهم والعمل الدؤوب والكلمة الطيبة والمواساة .
لذا نرى ان من حق السيد الجابري ان تكون له نافذة يطل من خلالها على القراء يستذكر معهم من خلالها ايام الجهاد وسنين الغربة ولوعة الشاعر وامل المجاهد بغد افضل وسعيا لبناء وطنا ديمقراطي يحتضن الجميع بعدالة ومساواة بالحقوق والواجبات . ونرى من حقنا على السيد الجابري ان يفتح لنا قلبه ويجيب على اسئلتنا بما عرف عنه من صدق وشفافية ووضوح . ونحن اذ نطرق باب السيد الوكيل الاقدم لوزارة الثقافة نعلم ان له الكثير من المشاغل والهموم على اصعدة مختلفة خصوصا وهو يحمل الثقل الاكبر من الهم الثقافي ويسعى لتأسيس ثقافة وسطية على انقاض ثقافة شمولية شيفونية ارسى دعائمها النظام البائد , لنضع الاسئلة وننتظر اجابات السيد الجابري ونحن على يقين بان اجاباته تتطابق مع توقعاتنا:
الاسئلة :
كيف ومتى اكتشف السيد جابر الجابري ان في داخله شاعرا ؟
..الشاعر يولد شاعراً، لايكتشف ولايُكتشف، فهو مخلوق من طينة الشعر وعجينة القصيدة، لايمر بمراحل التكون اوالتشكل، بعد سنين او عقود من ولادته، ثم يكتشف ابعاده الداخلية ويعثر على شاعر يختبئ في زاوية او طبقة من طبقات نسيجه الداخلي، لذلك اجهل لحظة الأكتشاف زمانا ومكانا.
.( كان لنا وطن ) اسم ديوان شعر للسيد الجابري وهم حمله قرابة ثلاثة عقود .. الديوان اليوم احد مكونات هوية الشاعر لكن سؤالنا عن الهم وهل لازال الوطن بحكم الماضي ام انكم اليوم فعلا اصحاب وطن ؟
. هذا الديوان جاء بعد اربعة عشر عاما من انقلاب البعث وستة عشر عاما من المواجهةى معه داخل العراق وخارجه، عام 1992، اي بعد ان بدأت احلامنا بالعثور على ما يسمى الوطن بالتلاشي والتبخر، استنفذنا كل الوسائل لاستعادة الوطن، قرأنا القصائد على خشبة مسرح اعدادية النجف، وتظاهرنا في انتفاضة صفر عام 77، وامتنعنا عن الانضمام القسري لصفوف الحزب وتشكيلاته المجرمة، دخلنا سجونه ومعتقلاته السوداء ورأينا كيف يفرمون اجسام الطلاب اليافعة، وخضنا الأهوار وجبال كردستان في مواجهات ميدانية دامية، وشاركنا في انتفاضة شعبنا العارمة عام 1991، لكن النظام بقي يمسك بعنق الوطن ويخنق انفاسه، والعالم يسترضيه ويتملق له، ويرمينا كل مرة كالحصاة الخشنة، لذلك اطلقت صفارة الشعر او نبوءة القصيدة (كان لنا وطن) وهو ليس مرثيه للغائب الذي لايرجع، بل هو محاولة استعادة اخيرة لوطن لابد ان يعود، وهو اليوم نستعيده من المشرحة التي دامت ثلاثين عاما بكامل جراحه وكامل اصراره على الحياة.
. هل هناك مواصفات معينة لمن يكون وزيرا للثقافة وهل تنطبق تلك المواصفات على الوزراء السابقين او ان للمحاصصة رأي اخر ؟
. حين استلم السيد اسعد الهاشمي سدة الوزارة، كانت المحاصصة في اسوء بداياتها، لذلك انتفضت، لا لكونه جزءا منها، بل لكونه لايجيد حتى الكتابة، قلت بالحرف الواحد اننا بحاجة الى معلم ابتدائية يمتحن السيد الهاشمي بالأملاء، واذا نجح انا اقبل به وزيرا للثقافة هل هناك شرط ابسط من هذا؟ اما السيد ماهر الحديثي فقد قلت له اخرج من مستنقع الطحالب وانا اقف الى جانبك لكنه اختار المستنقع، اما اليوم فالمواصفات تختلف، نريد وزيرا يقرأ الغيب ويكتب باليمين واليسار، نريد وزيرا يمتلك الشجاعة الكافية ليقول انا وزير حضارة عمرها سبعة آلاف عام، وانني بدون مجاملة اتوسم باختيار اخينا ورفيق نضال جهادنا د.سعدون الدليمي كل الخير لكونه صاحب مشروع تغييري وتذوق عسل السلطة ايام مرارتها الحادة.
. الوزير الحالي كان يشغل منصب وزير دفاع وهذا مما دعى بعض المتصيدين بالمياه العكرة للتشنيع حد وصف احدهم وبالحرف ( كان وزيرا للدفاع ولايعرف الغواصة تطير او تسير ) انت كمثقف ومختص كيف ترد على هؤلاء ؟
.هذا اجحاف وتجني، التجارب الديمقراطية وزراء دفاعها مدنيون اولا، وهذا شرف ان يدافع المدني والعسكري عن تجربة شرعية وقانونية، وهو قال بلسانه كنت الاحق العبوات والسيارات المفخخة واليوم اريد ان اواجه العقول المفخخة، وعلينا كمثقفين ان لا نحكم غيابيا واستباقياً على الأشخاص والمواقع، وعلينا ان ننتظر الخطوات التنفيذية للحكومة المحلية والوزارات والوزراء ثم نقيّم ونصدر احكاما عادلة غير جائرة، الأمور بتمامها والأعمال بنتائجها.
. وجهت لك بعض الاتهامات مثل قيام حمايتكم بالاعتداء على الصحفيين .. هل حصل ذلك فعلا وكيف ؟
. الذي حصل هو العكس، ان حماية قاعة المربد منعت دخول شخص مجهول، رفض تفتيشه على مدخل القاعة المكتظة بخمسمائة شخص وفيهم كبار المسؤولين والمدنيين، ادعى فيما بعد انه صحفي، وعندما اخبروني، خرجت بنفسي الى الشارع وقبلته في جبهته وامسكته ببيدي وادخلته القاعة، هذا ما حصل والشهود حاضرون، الا ان بعض الوسائل الاعلامية المغرضة، اصطنعت الخبر الملفق وتحول الى سبتايتل على شاشاتها لمدة ثمان واربعين ساعة، وهذا قسط من الثمن الذي ادفعه في مواجهتي لاذناب البعث الصدامي، ومافيات الفساد والأنحراف في دوائر الوزارة والدولة، انا ربيب وابن الأسرة الصحفية... هل هناك من يعتدي على اسرته.
. تنضوي تحت لواء وزارة الثقافة كل اطياف الابداع وكل طيف له همومه التي لاتشبه هموم الاخرين ..كيف تتعاملون معها ؟
.أولاً اتعامل معها كعراقي ينتمي الى كل مكوناته العراقية، وثانيا بقانون الحرية الذي يقول تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الأخرين، فلابد للأبداع من مظلة الحرية لكي يمارس الحياة وينمو ويتسع ويزدهر.
. تتنقل بين محافظات العراق وأقضيتها وقراها القصية والنائية يوما نجدك في أحضان الجنوب واخر في ربى الشمال .. هل هو الحنين لذكريات ايام الجهاد ضد الطغاة ؟ او طريقة للتبشير بثقافة جديدة تصل الى عمق الوطن ؟ او حب الاستطلاع في صدر الشاعر ؟ وهل من الممكن ان تكون متابعة من المسؤول ؟
. لا ادري بالضبط، لكنني اجد نفسي مسكوناً بكل حبة تراب عراقية، لااميز بين شمال وجنوب وشرق وغرب، احس ان العراق بيتي والعراقيين اهلي، ولعل ايام الجهاد التي خضتها في اهوار مجنون في الجنوب ومنطقة ديانا وحاج عمران في الشمال جعلتني اشد تعلقا وانشدادا للمكان الذي اطلق عندي زهو التحدي لاعتى ديكتاتورية مجرمة عرفها التاريخ البشري.
. يقول من يعرفونك انك لاتعرف الكلام الا شعر ولاتعاتب الا مبتسما .. هل هو الطبع او الدربة ؟
. اتمنى ان اكون دائما عند حسن ظنكم وظن الخيرين، والطبيعة تغلب التطبع.
كنت في الاهوار رجل بندقية وقتال وعيش خشن واليوم رجل قلم وكلام وادارة وكل هذا يندرج تحت وصف القتال من اجل الحرية .. ترى ماذا حققت من احلامك وكيف تتعامل مع الهم الثقافي ؟
. كان مثقفوا النظام يطلقون شعارا للقلم والبندقية فوهة واحدة، وهو شعار جميل مالم يكن في خدمة الطاغية والديكتاتورية، ونحن نأخذ الحكمة من اي اناء نضحت، فأنا اعتقد انك لكي تبني وطنا ومجتمعا حرا كريما آمنا وعزيزا فعليك ان تبذل قصارى ما عندك، حتى لو كلفك ذلك حياتك، وهذا ما اطلقه الاستاذ الشهيد محمد باقر الصدر، حين قال على كل مسلم في العراق وعلى كل عراقي خارج العراق ان يبذل مافي وسعه ولو كلفه ذلك حياته لازاحة هذا الكابوس – البعث – عن صدر العراق وهذا امر شرعي ووطني واخلاقي التزمت به، وسالتزم به الى آخر حياتي، وكما يقول الشاعر :
على المرء ان يسعى بجهده وليس عليه ان يكون موفقا
انني ارجو قد قدمت بعد اخوتي الشهداء، ما يسعد العراق وشعبه، وفي مقدمتهم الثقافة والمثقفين.
. اعرف انك كثير الاهتمام والحب للمثلث الحضاري ( الحيرة . الكوفة . النجف ) وكان لجهودكم اثر واضح في جعل النجف عاصمة الثقافة الاسلامية عام 2012 .. كيف ولدت الفكرة وكيف انتزعت للنجف فرصتها ؟
. . هذا المثلث الحضاري بقدر ما اعطى للأسرة البشرية عوقب على عطائه، ومنع من التداول على كل المستويات، وهذا ما جعلني منذ طفولتي اشعر بالواجب المقدس تجاهه وعندما أٌتيح لي ان امثل العراق في اول مؤتمر دولي لوزراء الثقافة، سارعت لاطلاق المشروع، دون ان استأذن من الحكومة المركزية، لأني اعرف اشكالاتها وممانعتها وحساباتها، لذلك اردت ان افجر الطلب في طرابلس الغرب، واؤكد عليه في الجزائر في المؤتمرين المتعاقبين، عام 2007 واحرج حكومتي في الأمر الواقع، وهذا حصل فعلا، كنت قبلها قد طلبت بغداد عاصمة للثقافة العربية في صنعاء عام 2004 وتم اقرارها للعام 2009، اردت العرب ان يأتوا الى بغداد وهي مشتعلة بعبواتهم واحزمتهم الناسفة ليطفئوها بأصابعهم، واردت لهم ان يغترفوا من معين النجف المدينة الفاضلة ، العالمة، الشاعرة، التي قدسها الله باجداث علي واكبر حشد من عظام الأنبياء والأولياء والصالحين، المدينة المنبوذة رسميا وطائفيا، اردت ان تكون درة التارج العراب والأسلامي، وهذا اقل استحقاقها.
. . طريق النجاح في أي مجال محفوفة بالعراقيل المصاعب وهناك من لا يستطيعون أن يروا النجاح والناجحين،فيصوبون نحوهم كل سهام الحقد والضغينة ، وانت احد هؤلاء الناجحين اذ قدت سفينة وزارة الثقافة وسط الأمواج المتلاطمة وممن عانوا كثيرا قبل سقوط النظام السابق ثم وجدت نفسك بالخطوط الأمامية بعد التغيير وأنيطت بك هذه المسئولية الكبرى ..كيف تعاملت مع الحساد والفاشلين ؟
.. لم اهتم لهم، ما لم يقضوا علي جسديا وهم حاولوا تصفيتي، اكثر من مرة حاولوا، قلت لنفسي لاتتردي في خوض التجربة، مادام جسدي محمولا على قدمي، ولي لسان ينطق سأخوض غمارها، منذ البداية كنت اعرف انها ليست نزهة، ولاطريق رياحين، بل هي غابة من الأشباح والأقزام وابناء آوى، لذلك واجهت حروبا مختلفة، اتهامات ، تسقيط، تشويه، تحريض، افتراءات، وشايات، قلت لا ابالي، كلما تكاثر علي هؤلاء كنت اشعر بالعنفوان والزهو، في وقت كنت ارثي لحالهم واشفق عليهم، اردت ان يترفعوا عن الحضيض وان ينهضوا من الأوحال ويخرجوا من القاع.
. سحب الوزير الارهابي قبل هروبه صلاحياتكم كوكيل اقدم لكن رئيس الوزراء اعادها لكم بكتاب من رئاسة الحكومة واعتبر تصرف الوزير غير شرعي ..هل اختلافكم مع الوزير الهارب صراع بين عقيدة تحاول اشاعة الثقافة والحوار وعقيدة تمارس الارهاب وقطع الرقاب أم أن هناك خلافا شخصيا بين مثقف وغير مثقف ؟
لم اهتم لهم، ما لم يقضوا علي جسديا وهم حاولوا تصفيتي، اكثر من مرة حاولوا، قلت لنفسي لاتتردي في خوض التجربة، مادام جسدي محمولا على قدمي، ولي لسان ينطق سأخوض غمارها، منذ البداية كنت اعرف انها ليست نزهة، ولاطريق رياحين، بل هي غابة من الأشباح والأقزام وابناء آوى، لذلك واجهت حروبا مختلفة، اتهامات ، تسقيط، تشويه، تحريض، افتراءات، وشايات، قلت لا ابالي، كلما تكاثر علي هؤلاء كنت اشعر بالعنفوان والزهو، في وقت كنت ارثي لحالهم واشفق عليهم، اردت ان يترفعوا عن الحضيض وان ينهضوا من الأوحال ويخرجوا من القاع.
. وجودي في الوزارة ليس كأجير، وانا قادم اليها عبر ثلاثين عاما من الجهاد والتضحيات، وعلى اكوام من اشلاء الضحايا وبرك دمائهم، والوزارة بذاتها ليست هدفا بل ممر لاهداف كبيرة، لذلك اصطدمت بوزير جاءوا به من الجامع بعد ان حوله الى مجزرة للأبرياء، امر طبيعي انا لااستسلم له وللعصابة التي اقتحمت الوزارة، واجهته منذ اليوم الأول، قلت له في كلمة بأحتفالية الوزارة، ان اقدامنا ستدوس كل من يفكر بعودة عقارب الساعة للوراء، لكن الجميع خذلني في مواجهتي معه، قالوا تريد ان تفتح لنا جبهة نحن في غنى عنها، تريد ان تخرب عملية سياسية مع شركائنا، هناك حالة من التخاذل بيننا مزمنة، وهي من اشد امراضنا فتكا، يخذل بعضنا بعضا دون ان نفكر بالنتائج، مع ذلك صممت على مواجهته، كتبت رسالة مفتوحة للوزير ونشرتها الصحافة، اثارت ضجة كبيرة، جاءني بعدها شيخ عموم آل فتلة، قال عندي الفا رجل بسلاحهم انهم تحت تصرفك، كان موقفا نبيلا وشجاعا، جائتني اتصالات من ناس كبار لا اعرفهم، اما الدولة فصحت متأخره جدا على معركتي، قادة الأئتلاف، الوزراء، والمسؤولون، اخر من تدخلوا، بعد ان قال القضاء كلمته بالقاتل، اما الأخ المالكي فقد سبق بموقف رائع، صفع الهاشمي بقرار اعادة الصلاحيات والزمه بذلك هي معركة بين اقطاب بناء الدولة واقطاب هدمها، الذين تسللوا الى مفاصلها لينسفوها
من الداخل، بالتنسيق مع اقطاب الهدم في الخارج، تكاملوا في الأدوار وتبادلوا المهمات، ونحن وقعنا بين فكي الكماشة، لكننا ابينا الرضوخ والأستسلام، لم نستسلم لرأسهم فكيف نستسلم لاذنابهم.
. تشارك في المسيرة المليونية الراجلة الى كربلاء المقدسة ،وتأمل ان تتحول هذه المسيرات الشعبية الى رسائل احتجاج مفتوحة لكل الطغاة واذنابهم على الجرائم التي يرتكبونها بحق الصالحين والثائرين والمضحين لمقدساتهم واوطانهم وشعوبهم ،متعهدا بالعمل على جعلها مسيرة واعية ومسؤولة عن مواقفها وقضاياها المصيرية لكونها تستلهم خطواتها من مسيرة ابي الاحرار الامام الحسين (ع) الذي ضحى لها بنفسه واسرته واصحابه ليمنعها من قبول الذل والهوان والاستسلام امام الطغاة .. ماذا قدمت للحسين وماذا قدم لك الحسين عليه السلام ؟
. انا ابن الحسين، دما ولحما وعظما، اتشرف حتى النخاع بالانتساب لدمه الطاهر، ويسعدني كثيرا الأنضمام الى ملايين الزاحفين نحوه باقدامهم، اتذكر جيدا ان الحسين وابناءه ونسائه واخوته واعز اصحابه، قطعوا مسافة الاف الأميال على ارجلهم ودوابهم ليصلوا الى الهدف، كربلاء، الزمان والمكان، وهم يحملون ارواحهم على اكفهم، ويقولون لانبالي اوقعنا الموت او وقع الموت علينا، والحسين يعلم جيدا انه يحمل اوصاله لتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، هذه الصورة الراسخة في وجداني هي التي تدفعني الى الأنضمام الى المسيرة الراجلة التي تزحف للحسين وهي تستذكره في كل لحظة ودقيقة وساعة من ساعات مسيرتها الطويلة، لذلك انا اتلقى الدرس الحسيني سنويا على يد الأجيال التي تتكرر مع الزمن وهي تلهج بالحسين، وهذه المسيرة وحدها تعلمين ما عملت المهاتما غاندي كيف يكون مظلوما فينتصر، علمتني الأنتصار
. في تصريح للصحفيين قلت : ان ضباط الجيش قبل ثلاثة وثلاثين عاماً كانوا يمنعون ابناء شعبهم بدباباتهم ودروعهم وطائراتهم وفوهات بنادقهم من الوصول الى الحسين في انتفاضة صفر الخالدة ،وكان هذا الدور يقوم به العسكري العراقي عندما كان يعرّف بانه المسافة المحصورة بين البيرية والبسطال ..هل تغيرت عقيدة الجيش ؟ او ان تبدل القيادة ادى الى هذا التغيير ؟
. كنت في المرحلة الثانوية اشارك في المسيرة الراجلة يوم طوقتنا دبابات الجيش وحلقت على ارتفاع منخفض طائرات الميغ 21 الى الدرجة التي كادت تلامس رؤوسنا، هذه البطولة الخارقة لجيش العراق العقائدي الذي صنعه البعث في مواجهة ابناء شعبهم العزل الذين يحتفلون بأسمى واقعة عرفها تأريخهم العراقي على ارض عراقية، هذه البطولة جعلتني انظر بأحتقار للرتب والنياشين والأوسمة التي كانت تعلق على صدر العسكر، كنت امقتهم واستخف بكل اقيامهم الوضيعة، لذلك لم ادخل الخدمة العسكرية ولاساعة واحدة، ولم انضم الى ذلك القطيع، اما اليوم فأنا افخر ان اكون جنديا في قاطع بعيد من قواطع الحدود، لأنه جيش العراق الذي عقد له لسان الجواهري فطلب منه ان يطلق لسانه.
اطلق لساني كي اقول فأحسنا فلقد اتيت بما يجّل عن الثنا
.. حرص لبنان بكل طوائفه على الحضور في فندق البريستول لتكريمكم ولم تتخلف طائفة او سلطة عن هذه المناسبة وعزف النشيد الوطني العراقي والنشيد الوطني اللبناني وكان شعور بالفخر يملأ كل عراقي حضر او شاهد ذلك الحدث ..ترى كيف كان شعوركم وانت ترى بلدا كاملا يتسابق لتكريمك وانت اللاجئ اليه ايام المحنة ؟
. حينما وصلت الى لبنان بداية الثمانينيات كان الأجتياح الأسرائيلي وصل بيروت، ليسقط ثاني عاصمة بعد القدس، وكانت القوى الأسلامية والوطنية تنظم صفوفها لاخراج المحتلين، وكانت حركة امل هي الحاضنة للمقاومة، القيت نفسي في احضانها، وطلبت العمل الجهادي في الخطوط الأولى للمواجهة، ذهبت مع المقاتلين الى مثلث خلده، دافعت عن بيروت، احسست اني ادافع عن بيتي وعرضي، كانت بيروت ممزقة دامية، التقى ساعدي بسواعد المقاتلين والتحمت عيني بعيونهم، في اشد الساعات حرجاً، هذا العناق الحميم هو الذي اطلق شرارة الحب بيني وبين لبنان، ارضا وشعبا، لم افكر ساعتها انني ادافع عن شيعي او سني، ماروني او درزي، كنت ادافع عن بيت اسمه لبنان واسرة اسمها الشعب اللبناني، ومن يومها احترمني اللبنانيون دخلت بيوتهم، وقاسمتهم الشموع والدموع، حكيت لهم عن العراق ومأساته، اوصلت لهم رسائل يومية عن العراق وجراحه النازفة، قرأت قصائدي بينهم، صرخت بكيت ، ضحكت، كنت اقابل كبيرهم وصغيرهم في اي لحظة حتى انني
اخجل من مبالغتهم في حبهم لي وحنوهم علي .
. في يوم الاثنين المصادف23/11/ 2009 في ساحة الواثق وسط بغداد تعرضت لاخطر عملية ارهابية من ضمن المحاولات المستمرة للنيل منك لماذا يستهدفك ارهابيو القاعدة وبقايا النظام البائد وشراذم البعثيين والطارئين على الثقافة بهذه الكثافة في حين انت بحسابات المنطق تمثل الخط الثاني او الثالث للمسؤولين في الحكومة ؟
. . هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولي الشرف ان اقض مضاجعهم فيخططون للوقيعة بي وانك تعلم انني اول مخطوف في تشكيلة الدولة العراقية الجديدة، ايام مجلس الحكم وما رأيته من عصابة الخطف، هوّن عندي القتل، دّونته برسالة خاصة للسيد مقتدى الصدر، شرحت له تفاصيل ما جرى علي، لأن العصابة كانت تدعي انتماءها لجيش المهدي لكنهم كانوا يسبون المهدي والصدر الأول والثاني والسموات والأرض وما بينهما لم تخلصني من ايديهم الا قدرة القادر، وكان بامكاني ان احول الرسالة الى مادة اعلامية ضخمة اكسب من وراءها جولات وجولات، لكنني اثرت السكوت لانني وجدته احجى
.. احمد الوائلي عميد المنبر الحسيني وخطيبه الذي لايشق له غبار والشاعر المفلق ارتبطت به بعلاقة قد لايعرف الكثير عنها وكذلك الشاعر الكبير محسن جمال الدين وربما كان لهم الاثر البالغ في حياتك .. هلا حدثتنا عنهم بحديث لم ينشر او لم تدلي به سابقا ؟ وهل التقيت الجواهري الكبيراو تعلمت منه ؟
. احمد الله، انني عاصرت الكبار وعاشرتهم، مشيت مع الأمام الخميني في شارع الرسول، ثم جلست بجانبه في غرفته الصغيرة بالنجف، وجادلت السيد يوسف الحكيم وانا في السادس الأبتدائي، وسمعت كلمة بابا تنطلق من فم الشيخ سلمان الخاقاني ومصطفى جمال الدين، واختليت بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر، وقطعت المسافة من السراي الى اخر سوق الكبير مع الشهيد محمد صادق الصدر وقضيت ثمانية وعشرين ليلة قمرية مع الجواهري، وشاركت البياتي في رحلة دامت ثلاثة اسابيع، وكنت على مسافة ثلاثة امتار من مصطفى شمران عندما اغتالته شظية طائشة في الجمجمة، واسرني الامام السيستاني بكلماته الحكيمة، واجتمعت برؤساء دول وزعماء الكيانات والشخصيات والرموز والوجهاء طيلة عقود المعارضة حتى اكتظت الذاكرة بالاف الكلمات والصور واللحظات التي صنعت شخصيتي المعقدة جدا والبسيطة جدا، سمعت من الوائلي خلالها يقول لي ارغب ان اموت في العراق قبل ثلاثة ايام من رحيله الأبدي ولو اردت ان ادون الأحاديث الخاصة لالفت (بحار الأنوار) جديدة على برنامج ويكيليكس جديد .
سؤالي الاخير : ماهي قصة مدين الموسوي ومن اطلقه ؟
.حين التحقت عام 1980 بفصائل المعارضة العراقية، واكملت دورة التدريب المكثفة في جبال الزبداني، وبردها القارس، اردنا الدخول الى العراق بالمهام الصعبة، وطلب منا المسؤولون تغيير اسمائنا، تفاءلت بالقرأن الكريم، وبعد اداء صلاة الفجر، فظهرت الآية ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل) قلت لهم انا اختار مدين، فاطلقوا علي اسم (ابو مدين) و (مدين) وتكرر الأسم كتابة وشفاهة على المنابر الاعلامية والمجاميع الخاصة والاحتفالات والمهرجانات والمؤتمرات، حتى نسيت اسمي الاول الذي كانت تناديني به امي، وزملائي في المدرسة والشارع والحارة، بقي هذا الأسم يرافقني خمسة وعشرين عاما، حتى اذا عدت الى اسمي الأول، يفوتني احيانا ان ارد على النداء الأول او الثاني، حتى اعرف انا المقصود بـ (جابر الجابري) .
|