فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{11}
نستقرأ الاية الكريمة في موضعين :
1- ( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) : يشير النص المبارك الى الاخوة في الاسلام , واشترط فيها توفر ثلاثة شرائط , فمن استوفاها فقد نالها من اوسع الابواب :
أ) ( فَإِن تَابُواْ ) : التوبة بكل معانيها , فروعها واقسامها .
ب) ( وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ) : اقامة واداء الصلاة المفروضة – الواجبة - .
ت) ( وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ ) : ايتاء الزكاة عند وجوبها في مواردها ومن ثم دفعها الى مستحقيها .
2- ( وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) : يشير النص المبارك , الى ان الله عز وجل يبين ويوضح اياته , لقوم يعلمونها , يتدبرونها , ينتفعون بها .
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ{12}
نستقرأ الاية الكريمة موردين :
1- ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ ) : في الحالتين :
أ) ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ ) : نقضوا عهدهم او بيعتهم .
ب) ( وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ ) : عابوه و شككوا فيه .
2- ( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) : يأمر النص المبارك بقتال رؤساء الكفار , فأنهم لا ايمان لهم ولا عهد , ( لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) , يشير النص المبارك الى من تبع ائمة الكفر , رجاء ان ينتهوا عن كفرهم , اما ائمة الكفر فقد حكمت الاية الكريمة عليهم بعدم الايمان , وانهم ليس لهم عهد ( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ ) .
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ{13}
تخاطب الاية الكريمة المسلمين , نستقرأها في ثلاثة موارد :
1- ( أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) : حريا بكم ان تقاتلوا قوما :
أ) ( قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ ) : نقضوا عهودهم .
ب) ( وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ ) : مشاورات المشركين التي جرت في دار الندوة .
ت) ( وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) : " حيث قاتلوا خزاعة حلفاءكم مع بني بكر فما يمنعكم أن تقاتلوهم" ( تفسير الجلالين للسيوطي ) .
2- ( أَتَخْشَوْنَهُمْ ) : اتخافون منهم , عددهم وعدتهم , مكرهم وخديعتهم .
3- ( فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) : ينبغي للمؤمن ان يخشى الله تعالى , ولا يخشى شيئا سواه جل وعلا .
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ{14}
تأمر الاية الكريمة المسلمين بقتال المشركين ( قَاتِلُوهُمْ ) , ففي قتالهم ستتحقق اربعة امور :
1- ( يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ) : في القتل والجرح , وفقدان الاحبة .
2- ( وَيُخْزِهِمْ ) : بالاسر والهزيمة .
3- ( وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ) : وعد منه جل وعلا بالنصر .
4- ( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ) : هزيمة الكفار , وما لحق بهم من الاذى والعذاب من جرائها , موجب لبعث الراحة والاطمئنان في قلوب المؤمنين , الامر الذي يشفيها مما احتملت من اذى الكفار لهم .
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{15}
تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة , وفيها ثلاثة مواقف للتأمل :
1- ( وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) : غيظ القلوب , غضبها وحزنها وكربها .
2- ( وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ ) : من يتوب لله صادقا , مخلصا , فأن الله جل وعلا يتوب على من يشاء .
3- ( وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) : الله عز وجل ( عَلِيمٌ ) بتوبة التوابين , ( حَكِيمٌ ) في تدبيره الخلق .
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{16}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ ) : الاختبار ضروري منه جل وعلا لعباده , فيزداد به المؤمن ايمانا , وتتكشف به سرائر المنافق والكافر .
2- ( وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) : الاختبار وحده يكشف عزيمة المؤمن , وسريرة الكافر والمنافق .
الوليجة : ( بطانة من المشركين يفشون اليهم اسرار المسلمين / اصحاب سر , وفي اللغة وليجة : كل ما يتخذه الانسان معتمدا عليه وليس من اهله ) "مصحف الخيرة/ علي عاشور العاملي".
3- ( وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) : الله جل وعلا ( خَبِيرٌ ) بكل عمل وفعل , صغيرا كان ام كبيرا , مخفيا كان ام معلنا .
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ{17}
تبين الاية الكريمة ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ) بدخولها والمكوث فيها , وذلك ( شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) , حيث انهم يعلنون ويجهرون بكفرهم بالله تعالى , ويشركون به , وينسبون له جل وعلا ما ليس له , ( أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) بطلت اعمالهم , ( وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ) , كل من بطلت اعماله يدخل النار , مدة من الزمان , تعتمد على نوع المعصية والجرم , اما الكافرين والمشركين فمخلدون فيها .
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ{18}
نستقرأ الاية الكريمة في موضعين :
1- ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ ) : لا يعمر بيوت الله تعالى – المساجد – بمداومة ارتيادها الا :
أ) ( آمَنَ بِاللّهِ ) : الايمان بالله تعالى , بكل ما للايمان من معاني .
ب) ( وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) : الاعتقاد الجازم باليوم الاخر .
ت) ( وَأَقَامَ الصَّلاَةَ ) : اداء الصلاة الواجبة , والواجبات التعبدية الاخرى .
ث) ( وَآتَى الزَّكَاةَ ) : أيتاء الزكاة المستحقة , وكذلك الواجبات المالية الاخرى .
ج) ( وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ ) : ينبغي للمؤمن ان لا يخشى الا الله تعالى , { فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ }التوبة13
2- ( فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) : عسى من يلتزم بما جاء في اعلاه , ان يكون من المهتدين .
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{19}
مما يروى في سبب نزول الايات الكريمة ( 19 – 22 ) , ان شيبة والعباس كان يفتخر كل منهما على صاحبه فمر علي (ع) , فقال : فيما تتفاخران ؟ , فقال العباس : حبيت بما لم يحب به احد وهو سقاية الحاج , فقال شيبة : اني اعمر المسجد الحرام وانا سادن الكعبة , فقال علي (ع) : اني مستح منكما , فلي مع صغر سني ما ليس عندكما , فقالا : وما ذاك ؟ , فقال : جاهدت بسيفي حتى امنتما بالله ورسوله (ص واله) . "تفسير مجمع البيان , تفسير البرهان ج2 / السيد هاشم الحسيني البحراني , مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ".
الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ{20}
تبين الاية الكريمة , ان الذين امنوا , وهاجروا , وجاهدوا في سبيل الله تعالى , باموالهم وانفسهم ( أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ ) , من غيرهم , ( وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) , بكل ما للفوز من خيرات وعائدات ورضوانه جل وعلا .
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ{21}
تشير الاية الكريمة الى ان الله تعالى يبشرهم بثلاثة اشياء :
1- ( بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ ) : برحمته جل وعلا الواسعة .
2- ( وَرِضْوَانٍ ) : منزلة خاصة , لا يصل لها الا الخواص , او خواص الخواص .
3- ( وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ) : اما في الجنة , فلهم فيها نعيم دائم .
يلاحظ الترتيب ( الرحمة – الرضوان – الجنات ) , الرحمة اولا , و الرضوان ثانيا , ثم الجنات ثالثا , رحمته عز وجل سبقت كل شيء , اما رضوانه جل وعلا فله منازل ومقامات , ينال منها المؤمن حسب همته وعزيمته , فيتفضل عليه الباري عز وجل بما يستحقه , وقد جاء عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ( اللهم اني ما عبدتك خوفًا من نارك ولا طمعًا في جنتك ولكني عبدتك لأنك أهلاً لذلك وابتغاء مغفرتك ورحمتك ورضوانك ) , وبالمحصلة , فأن من غمرتهم رحمته عز وجل واكتنفهم رضوانه جل وعلا , سينالون مقاما خاصا لهم في الجنات ( جمع جنة ) .
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{22}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) : الخلود في تلك المنازل والمقامات .
2- ( إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) : الله عز وجل يصف ما لديه من الاجر بأنه ( عَظِيمٌ ) .