• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الرد القويم على: صلب المسيح وقيامته من خلال آيات القرآن الكريم ج5 .
                          • الكاتب : السيد يوسف البيومي .

الرد القويم على: صلب المسيح وقيامته من خلال آيات القرآن الكريم ج5

ننتقل الآن في نقاشنا إلى المبحث الذي أورده حضرة الأب حنا اسكندر تحت عنوان:

"الصليب في المصادر الإسلامية"، حيث قام الكاتب الكريم باستدلال ببعض الروايات ليسوق أن الصليب كان موجوداً أومعروفاً لدى نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد أوحى أنه قد يكون مقبولاً لديه، ولكن حتى الروايات التي حاول الاستشهاد بها لم تخدمه ليصل في نهاية المبحث لكي يصل إلى هذه النتيجة الغريبة: " كلّ هذه الشواهد، سلبيّة كانت أو إيجابيّة، تدلّ على انتشار الصليب في بيت رسول المسلمين نفسه، وحتّى عادات الصلب في الصلاة، التي يستعملها الرهبان، كانت معروفة".

ولنبدأ البحث في تلك الروايات:

الرواية الأولى:

في حديث عائشة: أَنّ النبي، صلعم، كان إِذا رَأَى التَّصْلِـيب في ثَوْب قَطَع مَوْضِـعَ التَّصْلِـيبِ منه. ونَهَى عن الصلاة في الثوب الـمُصَلَّبِ. وفي حديث عائشة أَيضاً: فَناوَلْـتُها عِطافاً فرَأَتْ فيه تَصْلِـيباً، فقالت: نَحِّيه عَنّي. وفي حديث أُم سلمة: أَنها كانت تَكرَه الثيابَ الـمُصَلَّبةَ. وكان النبي، صلعم ، أيضا،  يَنْهَى عن الصَّلْبُ في الصلاة، أَي وضع اليدين بشكل صليب، إذ أنّه يُشْبِه الصَّلْبَ.

أقول:

إنه شيء لمن الطبيعي أن ينحي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثوب الذي فيه علامة الصليب أو أن يقطع الصليب الموجود في ثياب وهذا يدل أنه شيء منكر، وغير مقبول لدى نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) لأنه لا يعتقد بأن السيد المسيح (عليه السلام) قد صلب، فما معنى أن يقبل بثياب عليها شكل الصليب. فمن الطبيعي أن يقطعه ولا يقبل به.

ومن ناحية ثانية يجب أن يكون معلوماً لدى الجميع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو من له حق التشريع، ولا معنى للاستدلال أن زوجة النبي أم المؤمنين عائشة قد قبلت بثياب عليها شكل الصليب، فهذا لا يعتبر عمل تشريعي لأن العمل التشريعي هو منحصر في شخص النبي (صلى الله عليه وآله) فقط، وهو الذي أمر السيدة عائشة أن تنحي الثوب عنه لأنه عليه شكل الصليب، وفي أحياناً آخرى قطع موضع الصليب من الثوب، فهذا لا يساعد على الاستدلال بأن فكرة الصليب كانت مقبولة لدى رسول الإسلام.

وأكبر دليل على ذلك أن التصليب وشكل الصليب لم يكن مقبولاً لدى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قد منع أحد أن يصلب يديه على هذه الشاكلة خلال الصلاة.

الرواية الثانية:

 قال حضرة الأب حنا اسكندر مستدلاً بهذه الرواية على أن الصليب كان مقبولاً سنداً لهذه الرواية حيث نقل: "فعائشة قبلت الثوب المصلّب مرّة: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلعم: "أميطي عنّا قرامك هذا فإنّه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي".

أقول:

 يجب أن نشرح بعض الكلمات التي وردت في نص الرواية لتكون واضحة للقارئ الكريم.

القرام: ‏بِكَسْرِ الْقَاف وَتَخْفِيف الرَّاء : سِتْرٌ رَقِيقٌ مِنْ صُوفٍ ذُو أَلْوَان.

أميطي: ‏أَيْ أَزِيلِي.

تعرض: من اعترض أي حال، والقصد هنا حال بيني وبين الصلاة.

بعد شرح معاني الكلمات التي وردت في الرواية أصبح من اليسير علينا توضيح القصد من هذه الرواية.

أولاً: إن قبول السيدة عائشة لهذا (القرام) أو الستار ليس بالعمل التشريعي فقد قلنا أنما التشريع نأخذه فقط من النبي (صلى الله عليه وآله). 

ثانياً: لا مشكلة عندنا بقبول الهدايا من أي كان، فنفس قبول هذا الستار من السيدة عائشة لا مشكلة فيه، فإن تبادل الهدايا يساعد على الألفة والصداقة فيما بين الناس حتى ولو كانوا يختلفون بالديانة، فكيف الحال إذا كان بين أتباع ديانتين سماويتين كالإسلام والمسيحية على سبيل المثال.

ثالثاً: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أمر السيدة عائشة أن تزيل هذا الستار حين قال لها:"أميطي عنا قرامك". أي أزيله، وهذا أدل دليل على أن الصليب لم يكن مقبولاً في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى أن عمل السيدة عائشة بتعليق الستار في مكان القبلة التي يتوجه فيها النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة لم يكن مقبولاً أيضاً.

رابعاً: لقد اعتبر النبي (صلى الله عليه وآله) أن هذه التصاوير من أشكال الصلبان يعتبر حائلاً بينه وبين التوجه في الصلاة، لذلك قال:" فإنّه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي". أي أن هذه الأشكال تحول بينه وبين الصلاة لأنها مبغوضة ومكروهة لديه.

وفي النتيجة فهذا يخالف ما أراده حضرة الأب حنا اسكندر ويظهر بالدليل القاطع أن الصليب لم يكن مقبولاً بشكل نهائي ولا يحتمل الترديد.

الرواية الثالثة:

وفي حديث جرير: "رأَيتُ على الحسنِ ثوباً مُصَلَّباً".

أولاً: يجب أن نعرف من هو الحسن المذكور في هذه الرواية، فإن الرواية تتكلم عن التابعي الحسن البصري، والذي لم يعاصر النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد جاء في كتاب "الصحيح من أخبار الحسن البصري" الصفحة 4، وفي كتاب "تاريخ الإسلام" للذهبي الجزء 7 الصفحة 53. عن ثنا حماد بن سلمة قال: "رأيت على الحسن ثوباً سعيدياً مصلباً وعمامةً سوداء".

فالحسن البصري لم يكن حتى في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وعمله هذا ليس بعمل تشريعي.

ثانياً: بعد مراجعة أصل الحسن البصري فهو الحسن بن يسار أبوه وأمه من سبي ميسان وقد سكنا المدينة المنورة ومن ثم أُعْتِق والداه من العبودية، و"ميسان" هي قبيلة نصرانية.

فقد يكون هذا الثوب الذي معه هو آثار التي تركت معه من تلك الأيام الخوالي حيث كان والداه ما زالوا نصارى، وهو احتفظ بهذا الثوب. مع تأكيد أن عمله هذا ليس تشريعاً وليس مقبولاً لدينا.

الروايات التي استدل بها حضرة الأب حنا اسكندر تدل لوحدها ودون نقلها أن النبي (صلى الله عليه وآله) أعتبر أن الصليب هو من الأوثان فلا نكرر ما نقله حضرة الأب لمقتضى الاختصار.

ولكن نلفت إلى أمر حاول فيه حضرة الأب حنا اسكندر أن يقلب المعنى السلبي إلى إيجابي دون أي دليل، فقد نقل:" استعمل الطبري كلمة يدقّ الصليب. معنى يدقّ = يُكسِّر أو يُحطِّم، ومعنى آخر ممكنا أيضا: يغرز ويثبت في الارض، دقّ الوتد أي غرزه وثبّته. فيصبح المعنى: يغرز الصليب، أي يرفعه ليصبح علامة منيرة. لكن أتى بعده من بدّل كلمة يدقّ بـ يَكْسِر، فانقلب المعنى".

كيف لهذا المعنى أيكون ممكناً أي [يدق] تصبح [يغرز ويثبت] حيث أن سياق الرواية هو التالي: " يَدُقُّ الصَّلِـيبَ، وَيَقْتُلُ الـخِنْزِيرَ، وَيُفِـيضُ الـمَالُ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ علـى الإسْلاَمِ".

فهل الذي يقاتل الناس لكي يدخلوا في الإسلام، والذي يقتل الخنزير، هل يثبت ويغرز رمزاً من رموز المسيحية التي اعتبرها نبي الإسلام أنها من الأوثان وحضرة الأب نفسه قد نقل ذلك، ما لكم كيف تحكمون؟!.

وهذا أدل دليل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحارب انتشار الصليب فيما بين المسلمين وحتى في داخل منزله، فهذا الانتشار الذي أراد أن يستفيد منه حضرة الأب حنا اسكندر لا يمكن أن يكون دليلاً على مشروعية وقبول المسلمين لهذا "الصليب" فلا نعيد ما نقله حضرة الأب من مواقف للنبي (صلى الله عليه وآله) مع زوجاته ومع أصحابه فلا نعيد.

وأضف إلى ذلك، أنه شيء طبيعي أن يكون معروفاً لدى المسلمين في هذا الزمان شكل الصليب فقد كان في جزيرة العرب بعض المسيحيين، وكذلك فإن تجارتهم مع أهل الشام التي كانت تابعة للدولة البيزنطية آنذاك وكانوا من أصحاب الديانة المسيحية، وأيضاً كانوا مرتبطين بالتجارة مع أهل اليمن الذين كانوا تابعيين للحبشة والذين كانوا أيضاً من أصحاب الديانة المسيحية، فمن هنا فليس من الضروري أن المعرفة بالشيء وانتشاره دليل على قبوله، فهذا شيء طبيعي وهذا لازم من خلال الاحتكاك مع المحيط ومع الشعوب التي كان أهل الجزيرة العربية على ارتباط تجاري معهم، لذلك اقتضى التوضيح..

ومن هنا، فإننا على موعد آخر مع القراء الكرام لكي نقوم بمناقشة بحث حضرة الأب حنا اسكندر، ومع جزء آخر من الرد القويم...

العبد الفقير إلى الله..

وأخوكم في الله..


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : إيزابيل بنيامين ماما ، في 2013/06/19 .

بعد قراءتي بامعان لهذا الرد الجميل والموفق عرفت سبب احجام الآباء عن اقحام انفسهم في حوارت مع علماء المسلمين . الدقة في تحري صحة الرواية . والدقة في تفسيرها ومن ثم دراستها من كافة جوانبها جعلت الرد مفحما ولا اعتقد ان قداسة الأب سوف يرد على رد الاستاذ القدير البيومي ويُجابه ملاحظاته. في الواقع انا كلاهوتية فإني اتابع بصمت هذا الحوار الشيق جدا ، ونظرة سريعة على عدد القراء تعكس حقيقة الحوار الموضوعي الجميل البعيد عن التشنج .
بارك الرب الجميع .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=32484
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14