يا سيدي العظيم،
يا قاهر الزمان والسجون...
صعب بأن أصدق،
الناس بما قالوا ويدعون...
بأن موسى ميت،
وأنه مدفون...
وهل تموت الشمس في الغروب..
أم انها مسافر لا بد أن يؤوب..
من رحلة السنين...
مازلت باسم الله تقضي حاجة الفقير،
وتنعش البسمة في ملامح الحزين...
تلقي على جراحنا،
ردائك الحنون...
يا كعبة يطوفها الخائف،
يا وسيلة الرجاء والآمال،
وسرها المكنون...
يا وصفة النجاة للمطارد المطلوب،
ضاقت به الأرض،
ولم يشفع له الصديق والحبيب..
يا عابدا يعلم السجود للملائكة..
يا وارث العفاف والتقوى من السلالة المباركة..
يا نفحة الجنان،
يا عطرا نفى عفونة الرشيد والبرامكة..
يا هيبة ماهزها طاغية،
أنت له كابوسه القاتل والظنون...
على يديك رنت السلاسل..
ضاحكة تهزئ بالسجان والحاكم،
فهي معدن مقاتل..
بل إنها مسبحة،
على يديك تدمن الدعاء والخشوع والأنين...
أنت الذي سجنتهم،
وهم وراء القمع والحراس يحتمون...
وأنت عاري الصدر في المواجهة،
زادك صوم،
والصلاة درعك الحصين...
نأتيك يامن كل قلب بيته،
نأتيك طوفان دموع،
أغرق العيون...
كأنه طوفان نوح،
ولديك احتشدت نفوسنا،
فانت فلك الله يا من عنده،
جميعنا أسرى ولاجئون...
يا وتدا في الأرض يا أساسها،
بغداد لولاك انتهت،
ونحن منتهون...
أين قصور الظلم والطغيان..
أين ولاة الجور والهوان..
راحوا وأنت لم تزل،
منارة الإيمان..
ويوم أن نادوا على الجثمان..
والجسر صار محفلا للنوح والأحزان..
ما كنت أنت ميتا،
وإنما نادوا على جنازة السلطان..
لأن هارون هو القاتل والقتيل،
منتحرا بقتله لراهب الرهبان..
كأنه طفل ومسّ النار كي يطفأها،
فاحرقته النارُ،
وهي لم تزل زاهية الألوان..
هل كان في زمانك اللئيم،
شئ تعيس إسمه هارون...
وكان فعلا حاكما،
تخدعه النساء في مخدعه،
بالخمر والمجون...
تصورَ الأمجاد شيئا يشترى،
أراد أن يكون سلطانا على العصور،
أن يشتري بماله نبوة،
ويشتري الخلود كالنبيذ والعبيد..
وكان لا عقل له،
لكنهم يدعونه الرشيد..
تزوج النساء والأشجار،
والبحار والغمام والأحجار..
وتحت راية الجهاد،
يفتح البلدان والأقطار..
يمتص من خيراتها،
ويجمع النساء والغلمان والخصيانَ،
للبيع وللإيجار..
هذا هو التاريخ في واقعه،
مهما يزيفونه أو حاولوا الإنكار..
يا سيدي يا أنبل المعارضينَ،
يا سجين الرأي والاصرار..
يا ثورة الصبر بوجه الكفر والكفار..
يا كاظم الغيظ على اعدائه،
يا أيها الفذ بكبريائه،
يا صخرة تكسرت عليك هامات لهم،
وانفجروا بحقدهم وبئس الانفجار..
مازلت حيا حاضرا ما بيننا،
وهم خرافات من الماضي بلا آثار..
في صفحة النسيان نام فوقهم غبار..
تبخر الرشيد،
واقتتل الأمين و المأمون...
وانت يا إمامنا،
خرجت من سجونهم منتصرا،
وحاملا رؤوسهم،
وتحت أقدامك زال ملكهم مندحرا،
وانكسرت خلافة الدمار والطاعون...
بغداد - 4 حزيران 2013