بسم الله الرحمن الرحيم
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{199}
تأمر الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) بثلاثة امور :
1- ( خُذِ الْعَفْوَ ) : وفيه نشير الى ثلاثة آراء :
أ) تفسير الجلالين للسيوطي ( اليسر من أخلاق الناس ) .
ب) مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ( ما عفا وفضل من اموال الناس للنفقة ) .
ت) تفسير البرهان ج2 / هاشم الحسيني البحراني في حديث طويل عن الامام الرضا (ع) , نقتبس منه ما يلائم الموضوع ( واما السنة من نبيه فمداراة الناس , فأن الله عز وجل امر نبيه (ص واله) بمداراة الناس , فقال ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .
2- ( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) : المعروف "تفسير الجلالين للسيوطي" , او ما هو حسن بنظر العقل والعقلاء " مصحف الخيرة/ علي عاشور العاملي" .
3- ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) : واترك مجاراة او مجادلة السفهاء ومن على شاكلتهم .
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{200}
نستقرأالاية الكريمة في موردين :
1- ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ): خطاب الاية الكريمة موجه للنبي الكريم محمد (ص واله) , الا انها عنت كافة المسلمين , بطريقة واسلوب القرآن الكريم المعروف , فالقرآن الكريم يخاطب النبي الكريم (ص واله) والمعني به كافة المسلمين , ونذكر ثلاثة اراء للموضوع :
أ) تفسير الجلالين للسيوطي ( (وإما) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (ينزغنك من الشيطان نزغ) أي إن يصرفك عما أمرت به صارف (فاستعذ بالله) جواب الشرط وجواب الأمر محذوف أي يدفعه عنك ) .
ب) مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ( وهو ان يدخل الشيطان في امر لاجل افساده بنحو يدعوك الى الغضب والانتقام ) .
ت) تفسير البرهان ج2 / هاشم الحسيني البحراني ( ان عرض في قلبك منه شيء ووسوسة فأستعذ بالله انه سميع عليم ) .
ينبغي الاشارة هنا الى ان معنى الاستعاذة ( اعوذ بالله ) , الالتجاء والاعتصام و التحصن .
2- ( إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) : الله عز وجل سميع لكل قول او صوت , عليم بكل فعل ( حركة وسكون ) .
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ{201}
تشير الاية الكريمة على نحو من المدح لاهل التقوى انهم اذا اصابهم عارض من وسوسة الشيطان الرجيم , و المّ بهم , ( تَذَكَّرُواْ ) عقاب وثواب الله تعالى , فاذا بظلم وغشاوات الشيطان الرجيم التي القاها عليهم تنجلي , وتتكشف لهم الحقائق ( فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) بصر بصيرة , فيأخذوا بامره جل وعلا , ويعصوا الشيطان الرجيم .
جاء في تفسير البرهان ج2 / هاشم الحسيني البحراني ( العياشي عن زيد بن ابي اسامة عن ابي عبدالله (ع) قال سألته عن قول الله ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) قال (ع) : هو الذنب يهم به العبد فيتذكر فيدعه ) .
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ{202}
تسلط الاية الكريمة الضوء على امرين :
1- النسبة : تنسب الكفار والمشركين واصحاب الضلال على انهم اخوانا للشياطين , وهي ليست نسبة او رابطة الدم , بل نسبة العمل والسلوك .
2- كشف عن حقيقة : تكشف الاية الكريمة عن حقيقة خافية عن الجميع , وهو المدد الشيطاني لاصحاب الكفر والضلال ( يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ) , وتشير ايضا ( ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ) , وذلك على جانبين :
أ) جانب الشياطين : حيث انهم لا يدخرون امداد اخوانهم من اهل الضلال الانسيين بكل ما لديهم من افكار وخدع وحيل ... الخ .
ب) جانب الانسيين : حيث انهم لا يدخرون أي فكرة او خدعة او حيلة تردهم من اخوانهم الشياطين .
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{203}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا ) : يخاطب النص المبارك الرسول الكريم محمد (ص واله) , اذا لم تأتيهم بآية تتماشى وتتناسب مع اهوائهم , او مما اقترحوا , قالوا لك : هلا اخترعتها او خلقتها او انشأتها من تلقاء نفسك .
2- ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) : في تلك الحالة , يأمر النص المبارك الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يقول :
أ) ( إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي ) : يصرح الرسول الكريم محمد (ص واله) ان الامر عائد اليه عز وجل , ولا يحق له (ص واله) ان يأت بشيء من عنده ( تلقاء نفسه ) , {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم4 .
ب) ( هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ) : حجج وبراهين من ربكم , وذلك اشارة لما في القرآن الكريم من البراهين الساطعة , والحجج القاطعة .
ت) ( وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) : وفيه ايضا ( القرآن الكريم ) امرين اخريين :
1- ( وَهُدًى ) : هدى يهدي الى طريق قويم , لا اعوجاج فيه .
2- ( وَرَحْمَةٌ ) : يرحم به الله جل وعلا من اختار الهدى وسلك طريقه .
يلاحظ في الاية الكريمة ان البصائر ( الحجج والبراهين ) كانت للناس عامة , اما الهدى والرحمة فللمؤمنين خاصة ! .
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{204}
تخاطب الاية الكريمة آمرة الجميع عند قراءة القرآن الكريم بآمرين :
1- ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ ) : امر مباشر للاستماع لقراءة القرآن الكريم , جاء في تفسير البرهان ج2 / هاشم الحسيني البحراني ( عن زرارة قال سمعت ابا عبدالله (ع) يقول : يجب الانصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها ) .
2- ( وَأَنصِتُواْ ) : التوقف عن الكلام وغيرها , ما يوجب ان يكون الاستماع بشكل مقنن , او هو الاستماع بكافة الجوارح .
يلاحظ ان الاية الكريمة اختتمت بـ ( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) , بعد ان امرت بالاستماع والانصات لقراءة القرآن الكريم , لتعقلوه وتدبروه , رجاء ان يرحمكم الله تعالى .
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ{205}
تأمر الاية الكريمة الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يذكره جل وعلا ( فِي نَفْسِكَ ) سرا , ( تَضَرُّعاً وَخِيفَةً ) بدعاء وخشوع وخوف من الله تعالى , ( وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ) أي الوسطية بين الجهر والاخفات , ( بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) في اوائل النهار واواخره , ( وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ) ولا تكن ممن يغفلون عن ذكر الله تعالى .
الملاحظ من سياق الاية الكريمة انها تخاطب الرسول الكريم محمد (ص واله) , ويمكن حملها ووضعها في منحنيين :
1- المخاطب في الاية الكريمة الرسول الكريم محمد (ص واله) , و المعني بها سائر المسلمين بالخصوص , وعامة الناس بالعموم .
2- ان الاية الكريمة قد فرضت فرضا جديدا عليه (ص واله) , فيشمله (ص واله) بالوجوب , وعلى سائر المسلمين بالاستحباب , اذا علمنا ان هناك الكثير من الاحكام هي واجبة على الرسول الكريم محمد (ص واله) , الا انها مستحبة على سائر المسلمين , ومنها صلاة الليل والنوافل وغيرها .
إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ{206}
تختلف الاراء حول ( إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ ) , فننقل رأيين :
1- تفسير الجلاين للسيوطي , حيث يرى انهم الملائكة (ع) .
2- تفسير البرهان ج2 / هاشم الحسيني البحراني ( ان الذين عند ربك يعني الانبياء والرسل والائمة ( عليهم السلام) لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ) .
مهما كانت الاراء حولهم , ان الاية الكريمة تسمهم بثلاث سمات :
1- ( لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ) : لا يستكبرون عن عبادته عز وجل , منقادين لاوامره جل وعلا .
2- ( وَيُسَبِّحُونَهُ ) : وينزهونه عما لا يليق به جل وعلا .
3- ( وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) : يخصونه وحده جل وعلا بالخضوع والانقياد .
نلاحظ ان الاية الكريمة في مجملها تحث المسلمين بالاقتداء بهم , والتشبه بما هم عليه !
|