المشهد الأول: أمريكا- بوسطن
أنظار العالم كلها متجهة صوب أمريكا وعيونهم تدمع وقلوبهم يملؤها الحزن وهم يقدمون التعازي للرئيس الأمريكي أوباما وأدارته عبربرقيات التعزية أوعبرالمكالمات الهاتفية وذلك لموت ثلاثة وجرح عشرين!! من المتسابقين المشتركين في سباق للمارثون الذي يجري سنويا في مدينة بوسطن، بسبب أنفجار وقع عند خط نهاية السباق، أنقلبت الدنيا في أمريكا بكل ولاياتها بل العالم كله وقف ولم يقعد لحد الآن لموت ثلاث رياضيين!،نكست أمريكا أعلامها لثلاثة أيام ،الرئيس الأمريكي يوجه خطابه الأسبوعي للأمريكان يهدأهم ويعزيهم وشارك ذوي الضحايا حزنهم ويعدهم بتقديم الجناة للعدالة بأقرب فرصة ، ثم يذهب الى مدينة بوسطن التي وقع فيها الحادث ويلقي خطابا مؤثرا هناك ويأمر بأقامة نصب للذين سقطوا بالحادث، موسيقى جنائزية تعزف في كل أرجاء أمريكا، الكونغرس الأمريكي يتناسى كل خلافاته ويقف موقفا موحدا مستنكرين الحادث ويطالبون الأجهزة الأمنية بسرعة تقديم الجناة للعدالة، الأجهزة الأمنية والمخابراتية والأستخبارية أستنفرت كل طاقاتها للبحث عمن قاموا بالعمل، رؤوساء وملوك وامراء دول العالم يرسلون برقيات التعازي مستنكرين ماحدث، سواء بقناعاتهم أم مجاملة أو خوفا من أمريكا!.
المشهد الثاني: بغداد- العامرية
رجال وشباب يحضنون بعضهم بعض ببكاء وأهات ودموع حزنا على أبنائهم وأخوتهم الذين فقدوهم وصراخ وعويل لنساء يلطمن على خدودهن ويضربن على صدورهن ويذكرون أسماء أبنائهم الذين راحوا ضحية العملية الأرهابية وتم نصب أكثر من سرادق وعلقت اللافتات السوداء التي تنعي سقوط (25) شهيد واكثرمن(60) جريح بتفجير مقهى في منطقة العامرية، خبر تفجير المقهى وقع في ساعة متأخرة من الليل ولم تبثه أية فضائية أستثناء من الشرقية التي عودتنا ان تكون قبل الحدث في قلب الحدث ومعه وبعد الحدث!!!؟ وكأن مراسلها كان يجلس في المقهى؟!، ولأن موضوع الأنفجارات وسقوط الشهداء والجرحى في العراق أصبح امرا مألوفا وواقع حال كما يقال! لذا جاء أعلان الخبرمن قبل وسائل الأعلام بشكل روتيني!! لاسيما وأن بغداد وبقية المحافظات لم تنهض بعد من هول (21) انفجار هزتها قبل أيام من هذا الحادث كانت حصة العاصمة منها (6 ) انفجارات!.الحكومة كلها وأحزابها وسياسيها وبرلمانها مشغولون بالحملة الأنتخابية! وليس لديهم أية وقت لمواساة جريح وتطيب خاطرأم ثكلى وأب مكسور فجعا بموت أبنهما الذي لم يستلم صورة تخرجه بعد! فأكتفى الأب بوضع (روب التخرج) على التابوت!!، حدثني أحد سكان المنطقة بأن قسم من الشهداء هم من خريجي العام الدراسي الحالي والباقين من طلبة الكليات!. ولأن منظر الموت أصبح جزء من ذاكرة العراقيين اليومية ولم يعد يشكل لديهم أية مفاجأة منذ ثمانينات القرن الماضي ( الحرب العراقية الأيرانية) ولحد الآن، لذا لم تنكس أعلام ولا تعزف موسيقى جنائزية ولم يكلف أمير أو ملك أو رئيس عربي نفسه بأرسال برقية تعزية ومواساة لذوي الشهداء لأن رؤوسائنا أصلا غائبون عنا ومشغولين بأنفسهم!، ولا أدري ما الذي دعاني أن أطلب مثل هذا الطلب وأتمناه من أخواننا العرب؟! عذرا لقد نسيت أن رابطة الدم لم يعد لها وجود في عالمنا العربي فأخوتنا العرب صاروا الأشد عداوة وكفرا ونفاقا علينا وهم من يدفعون المزيد من المال للأرهابيين لقتل العراقيين؟!!. كما ولم تكلف الأجهزة الأمنية نفسها بالبحث والتقصي عن الجناة!؟ ولم تعد الشعب بتقديمهم للعدالة، وكالعادة جاء الخبر بتشكيل لجنة لمعرفة الأسباب!. ولأن دمائنا ليست كدماء الأمريكان الثلاثة فلا نصب سيقام لهم ولا هم يحزنون!. العراقيين باتوا على قناعة بأن الذي يموت يخسر نفسه وتخسره عائلته (والي يموت من جيسة)! كما يقول العراقيين! وسرعان ما يتم نسيان الأمر لأن الأحداث والمصائب في العراق كثيرة وكبيرة ولن تنتهي!. الأنسان العراقي ليس الآن ولكن منذ أن قامت دولة العراق وتأسست بداية عشرينات القرن الماضي ليس له قيمة انسانية تذكر لدى الحكومة سواء في حياته أم في مماته!وحسبنا الله ونعم الوكيل.