• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : غدير خم يجب أن يكون غديراً وحب .
                          • الكاتب : سيد صباح بهباني .

غدير خم يجب أن يكون غديراً وحب

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات /13.

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) المائدة /3.

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن
لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة /67 .

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً
مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) آل
عمران / 164.

قال فيه النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين : ـ ألستُ أولى بالمؤمنين من
أنفسهم؟ قالوا: بلى. فقال : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، فنهض عمر بن الخطاب
(رضي الله عنه) وقال: بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن أصبحت مولايَ ومولى كل مسلم
ومسلمة ( النهاية لابن كثير:7 / 386) .

 

 

 

في السنة الأخيرة من حياته المباركة.. رحل الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله
وسلّم إلى الحجّ؛ ليؤدي ـ كما عُرف بعد ذلك ـ حِجّة الوداع. وحينما شاع الخبر
توافد الناس إلى المدينة ليلتحقوا بالركب النبويّ الشريف، حتّى بلغ عددهم 120
ألفاً ، عدا الذين انضمّوا إليه في الطريق، والتحقوا به من اليمن وفي مكّة
المكرّمة.

وتمّ أداء فريضة الحجّ ومناسكها المقدّسة، بعد ذلك عاد النبيّ المصطفى صلّى
الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة. وفي طريق عودته ـ وحشود الحجيج معه في مسيرة
مهيبة ـ هبط الأمين جبرائيل عليه السّلام هاتفاً بنداء الحقّ: يا أيُّها
الرسولُ بلِّغْ ما اُنزِلَ إليكَ مِن ربِّكَ وإنْ لم تَفعلْ فما بلّغتَ
رسالتَه، واللهُ يَعصِمُكَ مِن الناسِ إنّ الله لا يَهدي القومَ الكافرين  .

 

 

 وإن الکعبة الشريفة التي هي  رمز الوحدة و العزة و مظهر التوحيد و القيم
الروحية، تستضيف في موسم الحج  قلوبا مفعمة بالشوق و الأمل، توجهت من کل أرجاء
المعمورة إلي مهد الإسلام  مجيبة دعوة الرب  الجليل مرددة نداء التلبية. إن
الأمة الإسلامية تستطيع الآن أن تشاهد بعيون  موفديها المجتمعين هنا من أصقاع
العالم، صورة مضغوطة من رحابة ساحتها و  تنوعها، وعمق الإيمان الذي يحکم  قلوب
أتباع هذا الدين الحنيف، و أن تقدّر هذا الرصيد الهائل الذي لامثيل  له تقديرا
صحيحا.

 

إن معرفتنا بذاتنا من جديد، تساعدنا نحن المسلمين علي أن نعرف المکانة اللائقة
بنا في عالم اليوم و الغد، و أن نسير باتجاهها.

 

     إن  تنامي موجة الصحوة الإسلامية في عالمنا المعاصر، حقيقة تبشر الأمة
الإسلامية بغدٍ سعيد. فمنذ أن بدأت هذه الانطلاقة القوية قبل ثلاثة عقود،
بانتصار الثورة الإسلامية و قيام النظام الجمهوري الإسلامي، راحت أمتنا
العظيمة تتقدم بلاتوقف، و أزالت عقبات من طريقها و استولت علي خنادق. و إذا
کان الاستکبارقد زاد من التعقيد في أساليب عدائه و بذل جهودا باهظة  التکلفة
لمواجهة الإسلام، فذلک بسبب هذا التقدم نفسه.  إن ما يقوم به العدو من عمل
إعلامي واسع النطاق لإشاعة الخوف من الإسلام، و  الجهود المتهورة التي يقوم بها
لزرع الخلاف بين مختلف الطوائف الإسلامية و  إثارة العصبيات الطائفية، و ما
يدأب عليه من اختلاق عدو وهمي للسنة من  الشيعة و للشيعة من السنة، و بث الفرقة
و الشقاق بين الدول الإسلامية، و  السعي لتصعيد الخلافات و تحويلها إلي عداوات
و نزاعات غيرقابلة للحل، و  استخدام الأجهزة الاستخباراتية و الجاسوسية لحقن
سموم الفساد و الفحشاء في  صفوف الشباب، ...فإن کل ذلک لايخرج عن کونه ردود فعل
مرتبکة و  عشوائية أمام حرکة الإمة الإسلامية المتينة و خُطاها السديدة في طريق
الصحوة و العزة و الحرية.

 

اليوم،  لم يعد العدو الصهيوني عملاقا لايُقهر، خلافا لما کان عليه الحال قبل
ثلاثين عاما ؛ و لم يعد الأمريکيون و الغربيون هم أصحاب القرار في الشرق
الأوسط دون منازع، خلافا لما کان عليه الحال قبل عقدين من الزمن؛ و لم تعد
التقنية النووية و غيرها من التقنيات المعقدة بعيدة عن متناول الشعوب  المسلمة
في المنطقة و لم تعد بالنسبة لهم أحلاما بعيدة المنال، خلافا لما  کان عليه
الحال قبل عقد من الزمن. إن الشعب الفلسطيني هو اليوم بطل  المقاومة، و الشعب
اللبناني هو لوحده محطـِّم الهيبة الزائفة للکيان  الصهيوني و فاتح حرب الـ 33
يوما (حرب تموز)؛ و الشعب الإيراني هو حامل  الراية و مقتحم العقبات صاعدا نحو
القمم.

 

إن  أمريکا المستکبرة التي تزعم لنفسها قيادة المنطقة الإسلامية، و التي تشکل
الحامية الرئيسية للکيان الصهيوني، قد وقعت في الورطة التي أوجدتها بنفسها  في
أفغانستان، کما أنها بدأت تنعزل في الساحة العراقية بعد کل تلک الجرائم  التي
ارتکبتها بحق الشعب العراقي، وأنها  في باکستان المنکوبة  أصبحت مبغوضة أکثر من
أي وقت مضي. إن الجبهة المعادية للإسلام التي ظلت  لمدة قرنين من الزمن تتحکم
في مصير الشعوب الإسلامية و دولها بظلم و  تعسف، و تنهب ثرواتها نهبا، تشهد
اليوم زوال نفوذها و تصدي الشعوب المسلمة  لها بشجاعة و بسالة.

 

و في المقابل، أصبحت حرکة الصحوة الإسلامية تتقدم و تتعمق أکثر فأکثر علي مر
الأيام.

 

إن  هذه الأوضاع التي تبعث علي الأمل و تحمل معها البشارة، لابد لها - من جهة -
أن تدفع بنا ـ نحن الشعوب المسلمة ـ إلي مستقبل منشود بثقة أکبر من أي وقت
مضي، کما ينبغي – لها من جهة أخري - أن تُبقينا ـ بدروسها و عبرها ـ أکثر  وعيا
و يقظة من أي وقت مضي. و لاشک أن هذا الخطاب العام يجعل علماء الدين و  القادة
السياسيين و المثقفين و الشباب، ملتزمين أکثر من غيرهم، و يطالب  هؤلاء
بالمجاهدة و الريادة.

 

يخاطبنا  القرآن الکريم بنبرة بليغة و حيّة فيقول: " کنتم خير أمة أخرجت للناس،
تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنکر و تؤمنون بالله". فإن الأمة الإسلامية ـ
حسب خطاب العزة القرآني هذا ـ قد أخرجت للبشرية، و إن الهدف من وجود هذه  الأمة
هو إنقاذ البشرية و تحقيق الخيرلها.

 

کما  أن الواجب الکبير الملقي علي عاتق هذه الأمة هو الأمر بالمعروف و النهي عن
المنکر و الإيمان الراسخ بالله تعالي. و لامعروف أسمي من إنقاذ الشعوب من
براثن هيمنة الاستکبار الشيطانية، کما أنه لا منکر أبشع من التبعية  للمستکبرين
و خدمتهم. إن مساعدة الشعب الفلسطيني و المحاصَرين في غزة، و  التعاطف و
التعاضد مع شعوب أفغانستان و باکستان و العراق و کشمير، و  المجاهدة و المقاومة
أمام العدوان الأمريکي و الصهيوني، و السهر علي وحدة  المسلمين، و مکافحة
الأيدي الوسخة و الألسن العميلة التي تحاول المساس  بهذه الوحدة، و نشر الصحوة
و الشعور بالمسؤولية و الالتزام بين الشباب  المسلمين في جميع الأقطار
الإسلامية، ... کل ذلك يعد مسؤوليات جسيمة تلقي  علي عواتق الخواص من أبناء
الأمة.

 

إن المشهد الرائع الذي يبلوره الحج، يرشدنا إلي المجالات الملائمة للقيام بهذه
المسؤوليات، و يدعونا إلي مضاعفة العمل و الهمم. ويداً بيد للتعاون والتآخي
لنعيد مجدنا وعزنا ونكون عونا فيما بيننا آباء لليتامى والمساكين وأخوة واعوان
للأرامل والمطلقات ظلماً وناصرين لشعوبنا وأعاد القيم والأخلاق التي جاء بها
رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتخبين ومن هنا ونحن نقترب لعيد غدير
خم عيد التآخي ونصرة المظلومين ؛ وحقاً يكون عيد أن ناصرناهم وأتحدنا وتوافقنا
بعضا لبعض وهنا نكون جسد واحد كما أراده رسول الله حين قال : ((كلكم راع وكلكم
مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول
عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال
سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته)). حتى نكون عوناً لهذه
الأجيال المسكينة التي سوف تتعرض لغزو والأحنطاط الفكري لأن الآباء اليوم في
غفلة ، والموجهون والمربون والعلماء ودعاة الحق في غفلة عن التصدي لهذا الغزو
الفكري الذي آتانا من الذين يريدون بنا التفرقة والشقاق والنفاق ؛ وكل هذه تصنع
الطائفية البغيضة ! فنسأل الله سبحانه أن يقي أمتنا شره، وأن يبصرنا جميعاً
بخطورته ، وأن

يجعل كل واحدٍ منا يعي مسئوليته التي ذكرتها أعلاه أنفاً ((كلكم راعٍ وكلكم
مسئولٌ عن رعيته ....  ))...  إن أهمية ذلك اليوم بأهمية صاحبه ، صاحبه الذي
سُئل عنه الخليل بن أحمد فقال: (ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً ،
وأخفاها محبوه خوفاً ، وظهر من بين ذين.. وذين ما ملأ الخافقين )!. هذا الرجل
الذي كان قد ظلم ولم يهمهم بأنه ظلم بقدر ما كان يهمه أن يأخذ حق المظلومين من
الظلمة وهذا الحوار يؤكد لنا

ذاك هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذي يحق له عندما سمع شخصاً تحت منبره
يقول إني مظلوم ، أن يقول له: إنك ظلمت مرة ، لكني ظلمت عدد المدر والحصى !! في
المناقب لأبن شهر آشوب : 1/ 382 : (روى إبراهيم بإسناده عن المسيب بن نجية قال:
بينما علي يخطب وأعرابي يقول واه مظلمتاه، فقال عليه السلام : أدْنُ ، فدنا ،
فقال: لقد ظُلِمْتُ عددَ المدر والمطر والوبر)!. وما أقول سوى السلام عليك يا
أول المظلومين.ونقتدي بإمامنا علياً عليه السلام حين بايع الملأ وصافح القوم
ليزرع الحب ويؤكد أواصر الأخوة التي أراد بها ربنا حين قال سبحانه وتعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات.. ويجب أن لا نكون
ضنا نين ببعضنا لأنه يجلب الظن ويميل القلب إلى ... وأن الله سبحانه وتعالى لا
يحب ذلك لقوله تعالى : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا
مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات.. حتى يبعد الشبهات
والله أعلم بما وضع من قواعد حب وتآخي لعباده ...لحماية البشرية وإكرامه إذن
لتتصافح الأيادي وتتعانق الوجوه...

وأتقدم بالتهاني والأماني السعيدة لكافة المسلمين في العالم لأحياء هذه
المناسبة السعيدة المفروضة طاعة وكل عام وأنتم بخير وأرجو كل من يقرأ هذا
الموضوع أن يختمه بسورة المباركة الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآله هدية
لأرواح الشهداء ولروح والدي بهذه المناسبة ويداً بيد للتآخي والتعاون والله خير
حافظ وهو أرحم الراحمين.

المحب المربي

behbahani@t-online.de




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2953
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13