إن كل رئيس أو وزير أو مدير , يختار سكرتيرا أو \" مديرا لمكتبه \" وهذا ( المختار) له أهمية قصوى , ومسؤولية كبرى , لأنه تحت الأضواء , وعلى كل لسان , فانه البوابة الأولى للمسؤول , فحسن سلوكه , وسماته الشخصية , وتسلكاته الاجتماعية , وايجابياته وسلبياته , وتفاعله أو هجره للمراجعين والمواطنين , وأسلوبه الدبلوماسي , أو الهمجي , كل ذلك فيه مردودات على من عينه ونصبه , بهذا المنصب الخطير والمهم . ومن هذا المنطلق والأهمية , ينبغي بل يجب أن يتمتع ( السكرتير) أو ( مدير المكتب ) بدبلوماسية واضحة , وأخلاقية ناطقة , ودماثة خلق ساطعة ,وأمانة ناصعة , ولباقة رائعة , وبراعة عالية , وهندمة سامية , فان ضخامة مسؤولية السكرتارية , تستوجب وتحدد وتلزم السكرتير بالتصفد والتقيد , بمزايا وصفات تلفت النظر , وتوهج الإعجاب , وتنتزع التقييم , ويخطيء من يظن أن السكرتير أو مدير مكتب المسؤول , مجرد موظف كباقي الموظفين , إن هذا تصور ساذج وبسيط وعادي , فالسكرتير خزانة الإسرار , ومنطلق الأفكار , ومفتاح الإقفال وهو الكوه التي يطل من خلالها المواطنون على المسؤول , والمسؤول على المواطنين .
وان الذي نرصده ونشاهده , إن بعض المسؤولين يختارون السكرتير أو السكرتيرة من شبكة الأهل والأقارب والمقربين , غير مكترثين بنوعية وثقافة وأخلاقية وأمانة وقدرة ولباقة السكرتير, وهذه حقيقية تصدم المواطنين منذ اللحظة الأولى, التي يدخلون فيها إلى غرفة السكرتير أو مدير المكتب , الذي لا يحسن التعامل ولا ييسر ويسهل تمشية المعاملات , علما بان المواطنين تواقون لانجاز معاملاتهم وطلباتهم بالسرعة الفائقة , فالعراقيون يتذمرون ويستاؤون من كل دائرة يجدون فيها سكرتيرا ( يتمندل ) ويستخف ويهزأ بالمراجعين المقهورين , ويستعمل لغة همجية اعتدائية مهينة , تدفع المواطنين إلى سبه وأهانته والطعن بمن عينه ونصبه . ولا اعني بذلك عمومية الإطلاق , إنما قد يوجد من الأقارب من هو الأكفأ والأقدر والذي يحصن المسؤول من كل اتهام ويضيف إليه هالة من المصداقية والأمانة .
فحذاري .. حذاري يا أيها المسؤولون من تصرفات مدراء مكاتبكم , لأنهم يجعلونكم في قلوب الناس , أو يثيرون عليكم سخط وتذمر وتجاوزات الذين لا يحصدون من مراجعتهم لكم غير المذلة والأهانة , من هذا الذئب البشري المخبأ في دائرتكم , وللحقيقية وللتاريخ نقول : إن السكرتارية فيها مخابئ مؤذية ومدمرة , لسمعة المسؤول , فقط تتم عمليات الرشوة , وقد يدعي هذا السكرتير الخبيث , إنني لا امشي هذه المعاملة إلا بالمبلغ الفلاني !.. وهذا المبلغ ليس لي إنما للمسؤول المعني !.. وهذه ظاهرة يعرفها الكثيرون من المواطنين والمراجعين , إذن كم هي الخطورة المتفاقمة والمخبأة في غرفة السكرتارية أو المكتب , والتي تحوي قنابل مؤقوتة قد تكون في كل لحظة مهيأة للتفجير , لتدمره وتدمر مسؤوله , الذي قد يتسامى عن الرشوة , ولكن السكرتير يتسلل من خلاله نتيجة لاختياره لهذا اللص المقنع .
إن الواقع المعاش زاخر بالكثير من هذه النماذج , وان المسؤول الذي يخشى من تثليم سمعته , أن يتقن اختيار سكرتيره أو مدير مكتبه , ويخضعه لاختبارات دقيقية , ويمتحنه بمسائل متعددة , حتى يطمئن على صلاحيته بالاستمرار في الخدمة ,وفي الامتحان يكرم المرء او يهان . ومن اجل الصيانة والحصانة للمسؤول ان يلتزم بعض القضايا ويتابعها باستمرار , فمثلا على سبيل الفرض وليس الحصر , قد يقدم احد المواطنين طالبا بيد الوزير , لان صاحب الطلب له علاقة أو دالة على الوزير أو المسؤول , أو من باب العلاقة الاجتماعية , فان الوزير أو المسؤول سلم الطلب لسكرتيره , وأوصاه بتقديمها بيوم لاحق للنظر بها , ولكن كثرة مشاغل الوزير أو المسؤول , وإهمال السكرتير قد ضيع وأهمل الطلب أو المعاملة , وعندي العشرات من الشواهد والأرقام , على هذه الظاهرة , وعلى اعلى المستويات , والتي تعطي درسا للمسؤول أو الوزير وحتى رئيس الوزراء , بالمتابعة والجدية بصورة شخصية لتمشية معاملات المواطنين وتخلصا من الاحراجات والعتب والتساؤلات .
majidalkabi@yahoo.co.uk
|